الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معارض الكتب ومثلث السّوق المأزوم! بقلم : محمد شريم

إشارة

2017-10-25 09:02:01 AM
معارض الكتب ومثلث السّوق المأزوم!
بقلم : محمد شريم

لا يخفى على أحد من المثقفين والمتعلمين على اختلاف فئاتهم واهتماماتهم ما لمعارض الكتب من الضرورة ، فهي على قدر من الأهمية عظيم بالنسبة لأطراف مثلث السوق الثقافي ـ إن جاز التعبير ـ وهي المؤلف والقارئ والناشر.
 

فالمؤلف يجد من خلال هذه المعارض قناة هامة تصل من خلالها أفكاره وإبداعاته إلى القارئ ، ليس فقط في محيطه ، بل إنها تنطلق من خلال هذه القناة إلى الميدان الأرحب والفضاء الأوسع

أما القارئ ، فإنه يتشوق لزيارة هذه المعارض لأنه يجد فيها حصاد الموسم الثقافي الذي يعيشه مُجَمّعاً ، بالإضافة إلى ما تبقى في البيدر من حصاد المواسم السابقة ممالفظته آلات المطابع على رصيف الثقافة .

 

وبالنسبة للناشر ، فإن معارض الكتب بالنسبة إليه تعتبر مواسمتسويقية يجدر الإفادة منها قدر المستطاع ـ ولن أستخدم كلمة ( استغلالها ) حتى لا يُساء الفهم ـ  فطلاب العلم وطالبو المعرفة الذين كان ينتظر بعضهم فرادى في الأيام العادية يجدهم خلال أيام المعرض يتوافدون إليه فرادى وجماعات ، ومن كل حدب وصوب!

 

إن ما أشرتُ إليه ينطبق على أطراف مثلث السوق الثقافي في مختلف البلدان ، ومع هذا فإن الثمرة التي يجنيها أطراف هذا المثلث في معارض الكتب تختلف من حيث حجمها وحلاوتها من بلد إلى آخر ومن أمة إلى أخرى ، وأظن أن المثلث المأزوم في بلادنا هو صاحب الثمرة الأصغر حجماً والأقل حلاوة ، وذلك لأسباب عديدة ، منها ما يعود إلى التربية الأسرية التي لم تجعل من عادة القراءة في بلادنا جزءاً من شخصية الإنسان ، ومنها ما يعود إلى الوضع الاقتصادي المتردي الذي يجعل الإنسان يوازن بين حاجته إلى الكتاب وحاجته إلى رغيف الخبز في بعض الأحيان!

 

ولمساعدة هذا المثلث المأزوم على تجاوز أزمتهفإن علينا جميعاً أن نتشارك في رفد تيار قوي يسير في اتجاه تجاوز هذه الأزمة ، كل بما يختص به ويقدر عليه ، وذلك ابتداء من الأسرة ، مروراً بالمدرسة والجامعة والمؤسسة الاجتماعية والدينية وانتهاء بالحكومة ووزاراتها ذات العلاقة ، ليس لأجل معالجة البعد الاقتصادي من الأزمةفحسب ، بل لنستطيع من خلال ذلك  المساهمة في بناء الجانب الثقافي من الشخصية الإنسانية في بلادنا ، وهذا هو الأهم !

 

إننا اليوم ـ في أغلب الأحوال ـ  نجد أطراف هذا المثلث تتبادل الاتهامات في التسبب بوجود أزمة سوق الكتاب، بدلاً من أن تتبادل المساعدة على تجاوزها ، وهذا ما يجعل الجميع في عداد الخاسرين !

 

وحتى نبدأ المعالجة السليمة ، إذا قررنا ذلك ، فإنه يجدر بنا أن ندرك حاجة كل واحد من أطراف مثلث السوق الثقافيالمأزوم ، ولعل أكثر هذه الأطراف شعوراً بالأزمة هوالمؤلف ، وهو الذي لا يعود عليه إبداعه بمردود مادي يذكر ـ

 

ما دمنا نتحدث عن السوق وما فيه من التسويق ـ بل إنه يدفع من جيبه الخاص في كثير من الأحيان ، بل في أغلب الحالات ، والمنطق يقول بوجوب عدم اكتفاء المؤلف بالثمار المعنوية التي يمكن أن يحققها من كتابه ، بل إن من الطبيعي أن يحصل على مردود مادي أيضاً يعينه على الاستمرارية وإنتاج المزيد . أما الطرف الثاني والذي أعتبره الأقل تأزماً فهو القارئ ، لأن بيده القرار في نهاية المطاف في دخول هذه السوق من عدمه والانخراط في العملية التسويقية ( أو التسوّقية ) أم لا ـ

 

ونحن هنا لا نتحدث عن سوق الكتب الدراسية ـ ومع ذلك ، فإن الخيار بالنسبة له صعب جداً ، لأن التنازل عن كونه طرفاً في هذا المثلث ، أو السوق ، يعني بنفس القدر تنازله عن نصيبه من جنة الثقافة والمعرفة . ويبقى لدينا الطرف الثالث ، أي الناشر ، وهو صاحب الوضع الأفضل نسبياً من شريكيه ، لأنه هو الذي يتحكم بأصل العملية التسويقية ، وهو الأقوى على موازنة عملية النشر وأخذ مصالحه بعين الاعتبار ـ في معظم الأحيان ـ ومع ذلك فهو يعيش في أزمة أيضاً ، فأنى له الشعور بالبحبوحة وشريكاه يعانيان العوز ؟! ذلكبالإضافة إلى كون سلعته لا تحتل من قائمة الاهتمامات في بلادنا المكان الأول لدى المستهلك ، في الوقت الذي يترتب على الناشر فيهلأجل أن ينتجها من النفقات والالتزامات الكثير!

 

وما دامت أطراف المثلث جميعها تشعر بالأزمة ، وما دامت تتبادل بين الفينة والأخرى بعض الاتهامات في المسؤولية عنها ، ولأن الناشر هو الأوفر حظاً من شريكيه ، فمن الطبيعي أن توجه إليه هو أصابع الاتهام بالمسؤولية عن القسط الأكبر منها ، فالمؤلف ـ أحياناً ـ يعتبره انتقص من حقه ، والقارئ يعتبره زاد في عبئه ، ويمكنك أن تتبين ذلك بوضوح إذا استمعت إلى آراء رواد معارض الكتب . ومما يزيد في حدة الأمر ، لدى القارئ الذي يزور المعرض ـ وخاصة إذا نظمته جهة رسمية ـ أن هذا القارئ يتوقع أن يرى تخفيضات كبيرة على الأسعار ، فيتفاجأ بكون الأسعار أعلى درجة من توقعاته ، وحول هذه النقطة يالذات أفادني الأستاذ عبد السلام العطاري مدير دائرة المكتبات في وزارة الثقافة ـ وهو الذي يقوم بدور رئيس في الترتيب لمعرض فلسطين للكتاب ـ بما معناه أن الوزارة في العادة تشجع الناشرين المشاركين في معرض الكتابوتحضهم على تخفيض أسعار الكتب ، وتقدم لهم الخدمات والتسهيلات التي تعينهم على ذلك ، ولكنهم لا يلتزمون أحياناً ـبل في أغلب الأحيان ـبإجراء التخفيضات ، لأنهم يتحملون نفقات الطباعة والشحن والضرائب وغير ذلك من النفقات. أما الأستاذ صالح عباسي الناشر المعروف ، مدير (مكتبة كل شيء) الحيفاوية فقد أفادني أن المعارض التي تشرف عليها الدول غالباً لا تساعد الناشرين على تقديم التنزيلات ، ولكن في معرضي الشارقة و فلسطين ، يعملون على المساعدة بهذا الشكل أو ذاك ، بينما المعارض التي تشرف عليها المؤسسات كمعرض تركيا وجدة فإن هذه المؤسسات تساعد الناشرين بالترويج الإعلامي لاجتذاب الزوار.

 

وفي الختام نقول : إنك إذا سألت كل طرف من أطراف مثلث السوق الثقافيالمأزوم ، فسوف يعبر لك عن حماسه للعمل مع الطرفين الآخرين لتجاوز هذه الأزمة ـ أو التقليل من حدتها على أقل تقدير ، لأن هنالك من مسبباتها ما لا يمكن تجاوزه بين عشية وضحاها ، حتى لو اجتمعت هذه الأطراف ، كنظرة الإنسان العربي إلى أهمية الكتاب في حياته على سبيل المثال ـ ولكن مجرد الإعلان عن الحماسللعمل على تجاوز الأزمة لا يكفي ، بل إن المطلوب من الجميع هو وضع هذه النية موضع التنفيذ ، وذلك من خلال التواصل الجاد والجلوس معاً لرسم خريطة الطريق التي توصلهم إلى الهدف المنشود ، وذلك دون أن يتساءل كل طرف التساؤل المأثور: ( من يعلق الجرس ؟ ) لأن عليهم جميعاً أن يعلقوا الجرس معاً وفي نفس الوقت !