الحدث- ريم أبو لبن
"نصف ساعة" هو زمن رصد الملامح المغيبة ما بين الابن وأبيه الأسير المكبل والمقيد بالأصفاد الحديدية.
" نصف ساعة" لم يكن كافياً كي يتعرف الأسير المقدسي رجب الطحان على ابنه مجد (آخر العنقود) المريض بسرطان الدم، إذ يتلقى العلاج في مستشفى هداسا عين كارم في القدس المحتلة. هذا ما أكده لـ"الحدث" رئيس لجنة أهالي اسرى القدس أمجد أبو عصب.
وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين قد أوضحت بأن إدارة سجون الاحتلال قد نفذت أمر زيارة الأسير المحكموم بالمؤبد رجب الطحان لنجله مجد في ساعات متأخرة من فجر اليوم دون حضور أحد من أفراد العائلة، إذ تم اغلاق القسم المتواجد فيه مجد لحظة الزيارة.
الطواقم القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين قد تقدمت بأكثر من طلب والتماس للمحكمة الإسرائيلية المركزية في بئر السبع وتم إنتزاع قرار بالسماح للأسير الطحان بزيارة نجله المريض بسرطان الدم ويمر بوضع صحي خطير جدا.
بداية الحكاية
الساعة الخامسة فجراً، وبصمت مطبق، تسللت مجموعة من إدارة السجون الإسرائيلية إلى داخل مستشفى هداسا عين كارم وكان بصحبتهم الأسير رجب، والذي اقتيد من سجن نفحة الصحراوي وهو مقيد وبحراسات إسرائيلية مشددة لرؤية ابنه المريض في المستشفى.
قد نتوقف قليلاًهنا، ولو أننا نلامس تلك اللحظة لشعرنا بسرعة نبضات القلب لدى رجب أثناء لقاء ولده الذي أثقله المرض وتسلل إلى جسده معلناً حرباً لا يُعرف نهايتها، لاسيما وأن العلاج الكيميائي قد أخفى ملامح مجد واستوطن بين تفاصيلها وغير من شكلها، حتى أنه و للوهلة الأولى لم يستطع رجب أن يتعرف على ابنه، وبادره بالسؤال : " ما اسم اخواتك، وأعمامك، وجدك وجدتك؟
لم تمنعه القيود الحديدية من اقتناص لحظة عناق الابن، ولم يكترث برزمة الاجراءات الإسرائيلية الأمنية القاضية برفض فك وثاقه وبحجة قانونية، فكل القوانين والأعراف تنتهي عند تلك اللحظة التي لا تُفسر، فكلاهما قد ولجا في تفاصيل بعضهما البعض دون الاكتراث للسجان ولا حتى للوقت.
بعض اللحظات التي تمر بنا هي حبيسة الوقت، والوقت هنا انقطع بعد" نصف ساعة" ولم ينقطع الألم بعده، لتنتهي الزيارة " المؤقتة" ويعود الأسير رجب إلى سجن نفحة من جديد حيث أقاصي الصحراء.
دقائق وأعادت قوات الاحتلال رجب إلى سجنه، وعاد الألم يتغلغل في جسد مجد (19)عاماً، إذ كان يبلغ من العمر أربعة أشهر عندما تم اعتقال والده رجب لأول مرة عام 1998م وبتهمة مقاومة الاحتلال، ثم أفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة وفاء الأحرار (شاليط).
خرج رجب بعد ذلك ليوقظ أحلامه التي غرسها في ابنه الفتي والذي كان يبلغ من العمر حينها أربعة عشر عاماً. ولكن لم يتوقف مسلسل اعتقاله، ليعاد اعتقاله عام 2014 ويحصل على حكم بالسجن المؤبد مدى الحياة.
إذا فقد احتفظ مجد بقليل من الذكريات التي عاشها مع والده رجب والتي تقاس بـ سنتين وثمانية أشهر فقط من أصل 19 عاماً وهو عمر مجد اليوم.
الحكاية لم تنتهي، ورجب عاد إلى السجن من جديد وهومحمل هذه المرة بتفاصيل اللقاء وتدهور الحالة الصحية لابنه مجد، لاسيما وأنه لم يكتفي بالنصف ساعة تلك، فهل من لقاء آخر؟