الأربعاء  08 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل ثمَّةَ صلة دائمة بين مصداقيَّةِ الآراءِ وأَهمِّيَّتِها وقوَّتِها.. وبين قوَّةِ تأثيرها ؟؟ بقلم: رائد دحبور

2017-11-06 11:18:27 PM
هل ثمَّةَ صلة دائمة بين مصداقيَّةِ الآراءِ وأَهمِّيَّتِها وقوَّتِها.. وبين قوَّةِ تأثيرها ؟؟
بقلم: رائد دحبور
رائد دحبور

من أين تنبع مصداقيَّة وأهمية وقوَّة الآراء وجدواها العمليَّة ؟؟.. وما القيمة العمليَّة لتباين الآراء إذا لم تشكل قاعدة للحوار الهادف، لحوارِ وطَنٍ مع نَفْسِهِ أو أمَّةٍ مع نَفْسِها، وحيث يكون الحوار على قاعدة ضرورة مراجعة الماضي لأخذ العِبَر، وتحليل عناصر الواقع للاستفادة من كل ذلك في محاولة رسم معالم المستقبل ؟؟.. وما هي مصادر قوَّة تأثير الآراء، وهل لذلك صلة دائمة بمقدار مصداقيَّتها وواقعيَّتها وعلميَّتها ؟؟.

 

تبدو الإجابة عن هذه الأسئلة إجابات متباينة كما يُمليها واقعنا المُعاش ضمن دائرة تأثير مراكز ومصادر القوى المختلفة وتعدد التَّيارات السياسية وارتدادات الفضاءَات الإعلاميَّة وما فيها من ميديا، صحافة وإعلام موجَّه في الغالب الأعم، وبروبوغاندا، دعاية غائيَّة محكومة بأهداف معدَّة سلفاً. وثمَّة فرقٌ بين مفهومِ قوَّةِ الآراء المستند إلى قوَّة الحجَّة المدعَّمة بالمعلومات والمعرفة وسلامة المنطق، وبين مفهوم قوَّة تأثير الآراء عنما يُراد لها أنْ تطغى على غيرها من الآراء استناداً إلى فعاليَّة وقوة الدِّعاية والترويج والتَّسويغ بمعزل عن أيِّ حجة أو منطق.

 

ابتداءاً، تفقد الآراء صوابيَّتها عندما تُجافي الحقائق وتتجاهل الوقائع، وتفقد الآراء في القضايا العامَّة مصداقيَّتها عندما ترتبط بمصالح فرديَّة مجرَّدة، أو فئويَّة ضيِّقة. وعندما تكونُ طَوْعاً للأهواءِ ونَهْبَاً للرَّغبات الذَّاتيَّة، خاضعَةً لمقتضياتِ الأنا الطَّاغِيَة، أو تدورُ في دائرة الإصرار على الإعجاب بالرَّأي، أو كأنْ توظَفَ لخدمةِ جهةٍ بعينها دون غيرها. أو كأنْ تُسْتَخْدَمَ لتأكيد افتراضات نظريَّة تُسَوِّغُ واقعاً تقريريَّاً مُراداً له أنْ يستمر وأنْ يُخلَّدْ. 

 

وحتَّى نحدد فعلاً كَوْن الآراء ذات مصداقيَّة وأهميَّة فيما يخص وصف الواقع وتحليل عناصره على نحو سليم أم لا، فلا بد من التأكيد أنَّ ذلك ذات صلة بمقدار علاقة الآراء المطروحة بالواقع كما هو دون محاولة تمويهه أو إحاطته بالأوهام وتفسيره من خلال الافتراضات والأُخيولات المستندة إلى جملة المفاهيم النظريَّة التي ليس لها واقع أصلاً، ويرتبط ذلك أيضاً بمقدار وقوَّة صلة الآراء بالمعرفة وبتدفق المعلومات وبحريَّة الحصول عليها واستخدامها، وذلك بطبيعة الحال على قاعدة الحريَّة في نطاق الشعور بالمسؤوليَّة الأخلاقيَّة أو العلميَّة أو القوميَّة أو الوطنيَّة أو الاجتماعيَّة.

 

لا بأس هنا – وللإجابَةِ عن السُّؤال الأوَّل والثَّاني - من اقتباس ما كتبه محمد حسنين هيكل ذات مرَّة في مقدِّمة كتابه " أكتوبر السلاح والسياسة " ووضعته دار الأهرام على غلاف ذلك الكتاب؛ فقد كَـتَبَ:

 

" إنَّ تدفق المعلومات، أيْ المعرفة بالحقائق تضيف إلى حرية الرأي بعداً ثالثاً يُجَسِّمُ الصورة، وهو أن يكون المتابع للحوار، قارئاً أو سامعاً، على عِلْمٍ بما يجري من حوْلِهِ الحوار بحيث يكون بدوره قادراً على المشاركة، موجوداً في السَّاحة، على بَيِّنَةٍ تَسْمَحُ له بأن يختار ... والاختيار جوهر الحرية .

 

نحن ننسى أحياناً أنَّ أيَّ وطنٍ لا بد له أن يتحاور مع نفسه – بل يتفاوض مع نفسه – قبل أن يتحاور مع العالم، أو يتفاوض معه !!

وإذا غابت المعلومات و الأخبار و الخلفيات، فإنَّ الكتابة أو الحوار – كائناً مَنْ كانَ الكاتبُ أو المحاور – تصبح في واقع الحال نوعاً من الإنشاء  ( جملا ً مرصوصة ) – أو نوعا ً من الإنشاد (مديحا ً في هذا الطرف أو ذاك!!).

 

بشأنِ السؤال الأخير.. ما هي مصادر قوَّة تأثير الآراء، وهل لذلك صلة دائمة بمقدار مصداقيَّتها وواقعيَّتها وعلميَّتها ؟؟.. تبدو الإجابة مُخيِّبة للآمال، فلا صِلَة أكيدة ودائمة، أو أنَّ ثمَّة علاقة طرديَّة، بين صحَّةِ الآراءِ ومقدار تأثيرها وانتشارها؛ لأنَّ مصادر قوَّة ذلك التأثير تحددها القدرة على التَّرويج للآراءِ وامتلاك وسائل النَّشر والترويج لها، وذلك مرتبِطٌ، في واقعنا الرَّاهن، بمدى الصِّلة التَّوافقيَّة للآراءِ التي يجري التأكيد على ترويجها مع واقع النِّفاق الاجتماعي والسِّياسي، الَّذي تُفرِزُهُ وتُمْليهِ المصادر المتنوِّعة للنُّفوذ المِعْياري، الَّذي يتشكَّل من مركَّبِ المال والسُّلطة ومنظومات العلاقات العامَّة  السَّائدة، ومن قوَّةِ استخدام وتوظيف الأدبيَّات الدِّينيَّة أو المذهبيَّة والطَّائفيَّة أو العرقيَّة في الدِّعاية للآراءِ وترويجها، بغضِّ النَّظر عن قيمتها أو علميَّتها أو واقعيَّتِها أو صحَّتِها !!.

 

ثمَّة مثل إنجليزي يقول: " حيثما تكون القوَّة يكون الصَّواب.. أو الصَّواب دائماً إلى جانبِ القوَّة !! ذلك مثلٌ كان يستخدمه الإنجليز، طوال دَوْرَةِ مَرْوَحَةِ إمبراطوريَّتِهمْ على امتداد القارَّات في السَّابق، وآمنت به السِّياسة الأمريكيَّة الَّتي جرَتْ على امتداد العوالم، كَمَلِكٍ مُتَوَّجٍ بلا مُنازعٍ، وخاصَّةً في بلادِنا العربيَّة، والنَّاسُ على دينِ مُلوكِهِم، كما يقولُ مثلٌ آخر وكما تعرفون جميعاً !!.