الحدث ــ محمد بدر
نشر معهد دراسات الأمن القومي ورقة بحثية كتبها وزير جيش الاحتلال الأسبق موشي يعلون جاء فيها أن الشرق الأوسط يجلب للولايات المتحدة العديد من التحديات المتشابكة بحيث لا تستطيع الولايات المتحدة أن تنفصل عن المنطقة.
وتضيف الورقة أنه وبعد عام من عدم وجود خط ثابت، يجب على إدارة ترامب أن توضح بوضوح أهدافها في المنطقة، وأن تضع استراتيجية تسمح لها بالتعامل الأمثل مع العناصر المتطرفة والمزعزعة للاستقرار من خلال تقوية علاقاتها مع حلفائها في المنطقة من أجل تحقيق توازن مهم. التجربة التاريخية للإدارات السابقة، أثبتت أنها لم تذهب إلى الانغلاق على ذاتها بل لعبت دور "الشرطي العالمي "، وأثبتت التجربة أن تأجيل التعامل مع هذه التحديات الأمنية، يجعل التعامل معها فيما بعد أصعب وأصعب. لذلك، يجب على الإدارة الحالية صياغة استراتيجية كبرى تفي بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وكلما كان ذلك أسرع كان ذلك أفضل.
تميزت السنة الأولى من إدارة ترامب بعدم وجود نهج أمريكي مستقر تجاه الشرق الأوسط. آمالا كبيرة في العديد من البلدان في المنطقة عقدت على ترامب ودخوله للبيت الأبيض، هذا الشعور الأولي يتلاشى يوما بعد يوم مع مزيد من الإرتباك، ونظرا لعدم وجود انسجام من جانب الولايات المتحدة في سياستها وكأنها تسير دون أهداف استراتيجية واضحة، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية كبرى للشرق الأوسط أصبحت ملحة.
الرئيس أوباما، إلى جانب سعيه إلى التوصل إلى اتفاق مع إيران، حاول من الحد من تورطه في الشرق الأوسط، لكنه أجبر على التدخل مرة أخرى في المنطقة بسبب التحدي الذي تمثله داعش. وأعرب الرئيس ترامب في الحملة الانتخابية عن نيته الحد من تورط الولايات المتحدة في مختلف المجالات في العالم، ولكن اضطر في النهاية للتعامل مع تزايد الهيمنة الإيرانية، ومحاربة داعش ومحاولة تحقيق الاستقرار في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا.
والنتيجة هي ان الادارة الامريكية ليس لديها خيار سوى الاستمرار فى لعب دور "الشرطي العالمي"، وذلك بسبب وجود فراغ وفي أماكن كثيرة في العالم، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، هذا الفراغ أصبح مليء بالعناصر التي تتصرف ضد المصالح الأمريكية. وكدليل، خلال الإدارة الأمريكية السابقة، تم استغلال الفراغ من قبل إيران، وداعش ، وتركيا (باعتبارها مؤيدا رئيسيا لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة) وروسيا.
من أجل صياغة استراتيجية أمريكية كبيرة في المنطقة، يجب أن نتفق أولا على تحليل الواقع. السمة الرئيسية في الشرق الأوسط الحالي هو النضال ضد الهيمنة التي تشكلها ثلاثة معسكرات إسلامية متطرفة:
- المعسكر الإيراني الشيعي الذي يسعى باستمرار لتوسيع نفوذه، في سبيل إنشاء أنظمة إسلامية تابعة لإيران في المنطقة وتقسيم العالم العربي السني.
- معسكر السلفية الجهادية السنية، بقيادة داعش والقاعدة، التي تسعى إلى إقامة الخلافة.
- معسكر الإخوان المسلمين الذي يدعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يطمح إلى إمبراطورية عثمانية جديدة تقوم على أيديولوجية الإخوان المسلمين.
وتقدم هذه المادة عددا من المبادئ التوجيهية التي ينبغي أن توجه الولايات المتحدة في صياغة استراتيجيتها في المنطقة:
ضد النظام الإيراني
إن النظام الإيراني يعمل بنشاط لتوسيع نفوذه في المنطقة. وقد حقق العديد من الإنجازات بسبب ضعف الإدارة الأمريكية السابقة، والاتفاق النووي أبرز تعبير على هذا الضعف الأمريكي. وهكذا، فإن النظام الإيراني في أعقاب الاتفاق النووي، خرج من العزلة الدولية والعقوبات الاقتصادية وتمكن من توسيع نفوذه في العراق (الحكومة الشيعية) واليمن (من خلال الحوثيين)، ويهيمن على لبنان (من خلال حزب الله)، ويهدف إلى السيطرة على سوريا، مما يقوض الأنظمة السنية في المنطقة، مثل البحرين والسعودية، وكذلك يدعم حماس والجهاد الإسلامي في حربهما ضد إسرائيل.
إن خطاب الرئيس ترامب في سبتمبر الماضي بشأن الصفقة النووية مع إيران مهم جدا. وأشارت تصريحاته إلى تغيير في السياسة واستيعاب خطورة التهديد الذي يشكله النظام الإيراني على استقرار الشرق الأوسط والعالم. الولايات المتحدة، والأنظمة العربية السنية وإسرائيل، يصنفوا النظام باعتباره التهديد رقم واحد في الشرق الأوسط، وكمزلزل للاستقرار الإقليمي. وإثارة موضوع التخلص من الإتفاق النووي بدلا من أن يكون ضغطا على إيران، انعكس ضغطا على الولايات المتحدة من قبل الأوروبيين المشاركين في الإتفاق.
وبالتالي يجب الضغط على قضايا أخرى غير الإتفاق النووي، كموضوع الصواريخ البالستية وإعدام المعارضين وحقوق الإنسان في إيران، وتشديد الرقابة حتى لا تتحول إيران لقوة نووية.
ضد السلفية الجهادية
يسعى الجهاديون السنة لإقامة الخلافة والإطاحة بالأنظمة الكافرة وكبح جماح التدخل الغربي في الشرق الأوسط، ويرون أن التخلص من الغرب وإقامة النظام الإسلامي لا يتم إلا من خلال تدمير الأنظمة القائمة
ركزت إدارة أوباما على محاربة داعش، وركزت مرة أخرى على الشرق الأوسط، بقيادة تحالفات تركز على مهاجمة المنظمة، وخاصة أصولها الإقليمية. تواصل إدارة ترامب هجومها على داعش، والواقع أن داعش التي فقدت معظم الأراضي التي استولت عليها في العراق وسوريا، قريبة من الهزيمة. وعلى الرغم من الهزيمة المتوقعة على الأرض، فإن داعش والقاعدة سوف تستمران في تحدي البلدان التي تقاتلها، وستعتمد على الخلايا الصغيرة لتنفيذ هجماتها.
على أمريكا أن تركز جهودها على ضرب العوامل التي تقف وراء قوة السلفية، إقتصادية كانت أو سياسية، والتواصل الاستخباراتي والعملياتي مع حلفائها في الشرق الأوسط في هذا الخصوص، وإلحاق الهزيمة بداعش في أرضها قبل أن تنتقل للعالم.
مقابل معسكر الإخوان المسلمين
وكما ذكرنا، فإن الرئيس التركي أردوغان يدعم جماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، ويطمح إلى إعادة تركيا كإمبراطورية عثمانية جديدة تقوم على أيديولوجية إخوانية. خلال إدارة أوباما، لم تمارس أي ضغوط أمريكية أو دولية كبيرة على أردوغان، على الرغم من أنه تصرف ضد المصالح الأمريكية والأوروبية من خلال: المساعدات الاقتصادية لداعش من خلال شراء النفط من داعش؛ السماح للجهاديين من مختلف أنحاء العالم عبور تركيا لسوريا والعراق، وفي طريق عودتهم إلى بلدانهم الأصلية كانت النتيجة هجمات خطيرة نفذتها داعش في أوروبا؛ والسماح بتشجيع الهجرة غير المشروعة للمسلمين إلى أوروبا (اللاجئين والعمال المهاجرين) عبر تركيا، وذلك أساسا عبر الجزر اليونانية في بحر إيجة من خلال اليات تهريب تركية. أردوغان لا يخفي عزمه على إضفاء الطابع الإسلامي على أوروبا من خلال تغيير الديموغرافيا؛ وأيضا عمل بالإضرار بالأكراد من خلال داعش.
ولم يدفع أردوغان ثمن سياساته هذه، وبالتالي يجب على أوروبا وأمريكا تدفيعه ثمن على ذلك من خلال الإقتصاد والسياسة.
موضوع الأكراد
لو كانت الولايات المتحدة قد تصرفت مثل "شرطي عالمي"، لكانت استطاعت أن تمنع بارزاني من الذهاب بعيدا باتجاه الاستقلال الكردي. وعلى الرغم من محاولة الإدارة الأمريكية لثنيه عن إجراء الاستفتاء، إلا أن الولايات المتحدة فشلت في منع الأزمة. واليوم، من الواضح أن الأكراد تحت قيادة مسعود بارزاني قد دفعوا ثمن سياسته، ولكن نتيجة لهذه المهزلة، تأثر وضع الولايات المتحدة أيضا، وعزز المعسكر الشيعي قوته.
ضد روسيا
ومن الواضح أن أحد أهداف الرئيس فلاديمير بوتين في مشاركته ونشاطه في الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سوريا على وجه الخصوص، هو تعزيز وضع روسيا كقوة عالمية. ومع ذلك، فمن الممكن التوصل إلى تفاهمات بين ترامب وبوتين بشأن تقسيم مجالات النفوذ في سوريا، على سبيل المثال، تتركز المصالح الروسية في الموطن الأصلي للأسد وليس في الأجزاء الأخرى كالجزء الكردي، أو الجزء الشرقي من سوريا، فالأخيرة مناطق أكثر إيجابية للمصالح الأمريكية. ويمكن أن يكون تقسيم هذه المجالات من النفوذ أساسا للاتفاقات والتفاهمات، استنادا إلى افتراض عملي واقعي بأن سوريا لا يمكن لم شملها. وبدلا من ذلك، يتعين على المرء أن يعتاد على فكرة التجمع في الجيوب التي ستكون متجانسة نسبيا من حيث الديموغرافيا، يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب التخلي عن الساحة السورية بطريقة تجعلها منطقة نفوذ روسية إيرانية.
المعسكر السني البراغماتي
وقد تسببت إدارة أوباما في شعور المخيم العربي السني بالخيانة الأمريكية لهم. إجبار الرئيس حسني مبارك على التنحي، وعدم دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام جماعة الإخوان المسلمين في مصر في بداية الثورة المضادة، والمشي مع المعسكر الشيعي بقيادة إيران بعيدا عن الأنظار كجزء من الحل في الحرب ضد داعش، كل ذلك أدى إلى أزمة ثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الطبيعيين في المنطقة. الرئيس ترامب يسير بسياسة مختلفة عن تصريحاته، فقد أعرب خلال زيارته إلى الرياض مايو 2017 أنه يدعم بشكل كبير المقاتلين السنة في سوريا وكذلك الأكراد، وليس من الواضح إذا كان هذا الدعم متواصل أم لا.
يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا واضحا لصالح السنة المعتدلين ضد المعسكر الشيعي بقيادة إيران. يجب أن تكون التجربة الإيجابية في دعم الأكراد في حربهم ضد داعش مثالا على إمكانية تحقيق السنة نجاحا إذا دعمتهم أمريكا، في هذا السياق، فإن الولايات المتحدة يجب أن تساعد في الدول العربية السنية، والعمل وفق مصلحتها لمنع انتشار النفوذ الشيعي، والسلفية الجهادية والإخوان.
بعد ثماني سنوات من السياسة الخارجية والأمنية، ضعف موقف الولايات المتحدة كقوة عالمية، عدم الامتثال لمصالح حلفائها ومصالحها في الشرق الأوسط له تأثير سلبي على مكانة الولايات المتحدة في العالم، والفجوة بين الكلمات والإجراءات تعكس الافتقار إلى الإرادة، وعدم التصميم وعدم الجدية وهذا قد يزيد من إضعاف مركزها.