الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

القدس عاصمة الله كتب: أحمد زكارنة

2017-12-04 10:24:21 PM
القدس عاصمة الله
كتب: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

جازف أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور محمد نعيم فرحات في ختام حواره الإذاعي مع برنامجي الأسبوعي "آخر كلام" الذي كان بعنوان "نحن والآخر.. الهوية والسلوك"، بالقول: "إنْ لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، لكانت القدس بمكانها ومكانتها آخر دعوة قائمة بذاتها". ودكتور علم الاجتماع لم يغالِ كثيرًا في مجازفته، بخاصة ونحن نحيل قوله إلى رمزية هذه المدينة المقدسة.

 

للقدس إذًا، مكانة لا يضيرها قرار سياسي هنا أو هناك، بصرف النظر عن وزن متخذ هذا القرار، حتى وإنْ كانت أكبر دولة في العالم على المستويين الاقتصادي والعسكري، والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية في هذا العصر، ليس فقط لأنَّ المدينة، مدينة عربية مسلمة، وإنما أيضًا لمكانة هذه المدينة في الوعي الجمعي لكلِّ منتمي الأديان السماوية، وعلى رأسها -إلى جانب الإسلام- الديانتان المسيحية واليهودية أيضًا.

ويمكننا في هذا السياق، الانتباه إلى موقف الطائفة الرومية الأرثوذكسية في فلسطين، من بطريرك الكنيسة "ثيوفيلوس الثالث" المتهم بتسريب أملاك الكنيسة في القدس للمحتل الإسرائيلي، ومطالبتهم بمحاكمته اليوم قبل الغد. وبالرغم من هذه المكانة الدينية للمدينة المقدسة، إلا أننا يجب ألاّ ننجرَّ إلى مربع مناقشة المسألة الفلسطينية على القاعدة العقائدية، وإنما انطلاقًا من القاعدة الحقوقية القومية، الأمر الذي اشتغلت عليه الحركة الوطنية منذ قرن من الزمن.

 

بالعودة إلى اللحظة الراهنة والأنباء المتسارعة حول التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن نية الإدارة الأمريكية الاعتراف بمدينة القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، فبعيدًا عن القياس التسطيحي لفكرة القوة والضعف، فإنَّ أمر هذا الاعتراف أظنه أصعب مما نعتقد على ساكن البيت الأبيض، ليس لأنه أضعف من أن يتخذ مثل هكذا قرار، ولكن لأنه في موقف أهون مما نظن، ومنطلق هذا التحليل يرتكز إلى كون مشروعه الشرق أوسطي قائمًا بالأساس على فكرة الخلاص من المسألة الفلسطينية، بمعنى أنَّ الممر الآمن لإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وعقد تحالف عربي إسرائيلي، هو ممر الوصول إلى صيغة يقبلها الشعب الفلسطيني على صعيد قضيته الوطنية.

 

وهذا التحليل يقودنا بالضرورة لمسألة غاية في الأهمية، ألا وهي أنَّ مكمن الوهن الفلسطيني، هو ذاته مكمن القوة الفلسطينية، فبيدِ المفاوض الفلسطيني أن يقلب الطاولة رأسًا على عقب، ليضع حجر العثرة أمام أية مشاريع أمريكية عربية في المنطقة، ودلالة هذه القوة، يمكن ملاحظتها، من خلال أحداث القدس الأخيرة قبل أشهر قليلة، حينما وقف العالم بأسره عاجزًا أمام الإرادة الشعبية الفلسطينية لرفع البوابات الإسرائيلية عن ساحات المسجد الأقصى، ما دفع الإقليم برمته للإسراع إلى اتخاذ خطوات يمكنها أن تحيله من الموقف المتأخر إلى الصفوف المتقدمة، ولم ينل العرب شرف هذا التقدم؛ لأنَّ الفلسطيني في القدس كان قد سبق الجميع بخطوات لم يحسبها يومًا يمكن أن تصدر من قبل شعب يقبع تحت نير الاحتلال منذ قرن من الزمن.

 

في المقابل علينا الاعتراف أنَّ سياسة القيادة الفلسطينية في اللحظة الراهنة، وبالرغم من كم الملاحظات التي يمكن أن تسجل عليها طيلة العقد الأخير، إلا أننا يمكننا أن نصفها بالسياسة الحكيمة المحنكة التي تحاول جاهدة السير في منعطفات خطرة وملغومة لم تشهدها المنطقة من قبل، فمن جهة هي تتعرض لضغوطات شرسة من قبل الأصدقاء والأعداء على حدٍّ سواء، ومن جهة أخرى لم تسلم أو تستسلم وترفع الراية البيضاء لكل ما يُطلب منها أو يُقدم لها بصيغ التهديد والوعيد، ولنا أن نستحضر هنا ما أشيع حول زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة للمملكة العربية السعودية، وما قيل حول صيغة "إما القبول أو الاستقالة".

 

نعم، قد يكون ثمن التصدي لما يحاك لقضيتنا، أن نواجه الجميع وحدنا، ونعم أخرى قد يدفع الكل الوطني والقصد هنا فصائل وسلطة وشعب ثمن مثل هذا الموقف على أكثر من صعيد، لن يكون الصعيد الاقتصادي وحده هو الوسيلة، وإنما أيضًا ربما يدفعنا التهور الأمريكي لثمن لا يقبل إلا بلغة الدم بالدم، وهو ما اعتاد الشعب الفلسطيني على دفعه طيلة سني الاحتلال، إلا أننا ومن منطلق المعالجة الوطنية والدينية على حد سواء لا يمكننا إلا اعتبار القدس عاصمة الله على الأرض، والدفاع عنها واجب أخلاقي وديني ووطني لا يلغي أحدها الآخر، فهل تعي القوى الوطنية الفلسطينية؟ أين هي اليوم؟