الشيخ عز الدين القسام نهج وفكرة وما زالت.. لا يحب الظلم.. وقاتَل بقوة أكبر دول العالم
بعد حكم فرنسا بإعدامه: لم يهرب القسام من سوريا بل كان يخشى على أهالي المنطقة التي تدمر خلال البحث عنه
القسام لم يخشَ العدو القوي الذي واجهه بقلة من السلاح والذخائر والرجال لإيمانه بقاعدة "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
الحدث – حاوره رائد أبو بكر
يصادف يوم 20 من شهر نوفمبر ذكرى استشهاد شخصية إسلامية ومجاهدة عملاقة مؤثرة يعتز كل عربي فيه، وهو الشيخ عز الدين القسام، الذي كان لا يؤمن بتقسيمات سايكس بيكو ولا غيرها من المؤامرات التي تحاك ضد الوطن العربي، وكان القسام يعدّ كل بلاد العرب والمسلمين وطنًا له يجب الحفاظ عليه والتضحية من أجله، وكان هذا مبدأه.
فالقسام باع بيته وترك قريته، وقاتل أقوى دول العالم، منها بريطانيا التي لا تغيب عنها الشمس، وإيطاليا التي كانت تحتل ليبيا، وفرنسا التي كانت تحتل سوريا، والصهيونية العالمية، فحكم الاحتلال الفرنسي عليه بالإعدام غيابيًّا وانتقل إلى فلسطين بعد إخفاق الثورة، واتخذ من حيفا مقرًا له، ونشط القسام في محاربة الأميَّة إيمانًا منه بأنَّ العلم هو أساس الحياة، واعتمد في تنظيمه للعمل الجهادي ضد الوجود اليهودي على خطوات مرتبة ومبنية حتى تكامل البناء الجهادي ويصير كيانًا متماسكًا أمام المواجهات الطويلة مع الأعداء.
صحيفة (الحدث) أحيت ذكرى الشهيد عز الدين القسام بإجراء حوار مع حفيد الشيخ عز الدين، وهو أحمد بن محمد بن عز الدين القسام الوحيد، هذا الحفيد الذي قدم إلى فلسطين عام 1993 ليبقى في الوطن الذي استشهد على أرضه جده في العشرين من شهر نوفمبر عام 1935 على أرض يعبد بعد معركة غير متكافئة مع الجيش البريطاني وكان الحوار على النحو التالي:
1- عرفنا بنفسك؟
اسمي أحمد محمد عز الدين القسام حفيد الشهيد الشيخ عز الدين القسام من ابنه الوحيد محمد، من مواليد مدينة جبلة السورية عام 1966، مسقط رأس الشهيد عز الدين القسام، ترعرعت في جبلة، ودرست فيها حتى عام 1981، حيث التحقت بالثورة الفلسطينية في لبنان، وخرجت بعدها للدراسة الجامعية في ألمانيا عام 1983.
ماذا كان يحدثكم والدكم عن الشيخ عز الدين القسام؟
لم يكن الوالد فقط الذي يحدثنا عن القسام، بل كانت جدتي، زوجة الشهيد عز الدين، والتي كانت تعيش معنا في المنزل ذاته حتى وفاتها عام 1977، حدثونا الكثير عن جدي القسام، عن رفضه للظلم، وحبه للثورة، والتنظيم والعمل المنظم السري، وعن الصعوبات والعمل الصعب والشاق الذي قام به، وكيف كان يهون على أسرته التي كانت تخشى عليه فقد كان مطاردًا من قبل ثلاثة محتلين، هم البريطانيون والإيطاليون والفرنسيون، وكان جدي يخفف عن أهله بقوله: "ما سيحدث لي قضاء الله وقدره"، ويؤكد لهم أنَّ الطريق التي يسير عليها صعبة، لكنها الطريق التي حثنا عليها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأمرنا الله بها بأن نناضل ونجاهد من أجل وطننا ورفعة شأنه، وحدثونا كيف كان يقارع الاستعمار والاحتلال ويقاتلهم بشراسة وقوة بأقل الإمكانيات.
كيف كان الشيخ القسام في صغره؟
ما يروى عنه من قبل من كان معه في ذلك الوقت، وخاصة من صديقه وابن عمه عبد المالك القسام من مدينة جبلة، وقد عاصرته عندما كنت صغيرًا، كان يحدثنا أنّه كان من الطلبة المجتهدين، تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن والأحاديث النبوية عند الكتَاب الذي كان يملكه الشيخ عبد القادر والد الشيخ عز الدين، وكان طفلاً ذكيًّا نابغًا يحب الاستزادة من العلم، وكان منذ صغره يحب العمل المنظم والترتيب والنظافة، وكان يصرّ على معرفة المزيد؛ وهذا ما دفعه ورضخ له والده وأرسله إلى جامع الأزهر الشريف في القاهرة؛ ليتعلم ويتخرج من هناك.
عُرِف عن القسام رفضه للظلم، ما الذي جعل القسام ثوريًّا إلى هذا الحد الذي نعرفه عنه؟
تتلمذ القسام على يد كبار علماء المسلمين في ذلك الوقت أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رضا، ويقال: إنه كان من جملة معلميه الشيخ جمال الدين الأفغاني، هذا الفكر الوسطي الرافض للذل والاستعمار الرافض للطبقية والتطرف والحاث دائمًا على العلم، فالعلم ينير الطريق والفكر ويجعل الإنسان يبحث عن العدالة والإنصاف والأمن وبالتالي من يعيش هذه المراحل لا بد أن يكون ثائرًا ورافضًا للظلم، وهذا ما حصل مع جدي عز الدين.
الشيخ القسام كان أكثر من مجرد مقاتل يقود مجموعة مسلحة تجاهد ضد الاحتلال، ما أهم الأفكار التي أثَّرت في القسام حينذاك؟
في الحقيقة، القسام لم يكن عصبة أو ثورة مسلحة صغيرة، بل كان فكرة ونهجًا؛ لذلك استمرت طريقته وتجربته حتى الآن، القسام أثر فيه الكثير من التجارب العملية بداية كانت مع الاحتلال الفرنسي الذي احتل سوريا وشاهد الظلم والقتل والتشريد بأُمِّ عينه؛ ودفعه ذلك إلى الثورة على الاستعمار الفرنسي، وكان هو أول من قاد وأسس الثورة المسلحة في الساحل السوري، عايش قبل ذلك الاحتلال الإيطالي لليبيا، وقد سارع القسام في ذلك الوقت، ورغم المسافات وبطء تناقل الأخبار سارع القسام إلى قيادة مظاهرات ومسيرات شعبية في جبلة يندد بالاحتلال الإيطالي لليبيا، وكانوا يهتفون "يا رحيم يا رحمن غرِّق أسطول الطليان"، ولم يكتف القسام بذلك، وإنما حاول أن يجمع متطوعين، ووصل عددهم إلى 300 مجاهد، وحاول السفر إلى تركيا، ومنها إلى طرابلس بحرًا، ولكن لم يتسنَ له الوصول إلى تركيا، حيث كانت آنذاك دولة ضعيفة، وكانت الدول الاستعمارية تحتل تركيا وتقسمها أجزاء، فعاد القسام مجبرًا إلى سوريا، لكنه لم ييأس وسافر مرة أخرى، لكن هذه المرة مع ابن عمه عبد المالك سرًا عبر مصر، ومنها إلى ليبيا، والتقى بالشهيد عمر المختار، وسلمه ما جاء به من تبرعات مالية، وتعاهدا على الثورة، وعلى المزيد من الدعم في حال عودته إلى سوريا.
لكن بعد أن عاد القسام إلى سوريا، وكان السفر يأخذ وقتًا طويلاً بالأشهر، كانت فرنسا قد احتلت سوريا، فقاد القسام الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، ولم يستسلم رغم المضايقات والإغراءات المقدمة من قبل الاحتلال بمناصب رفيعة في القضاء والإفتاء، فرفض ذلك، وعقدوا له محكمة صورية في مدينة اللاذقية في الديوان العرفي، وحكموا عليه بالإعدام.
حكم على القسام بالإعدام في سوريا من قبل الاحتلال الفرنسي فرحل إلى فلسطين وتحديدًا إلى حيفا ماذا يعني هذا؟
القسام قرر أن يستكمل المشوار الثوري العسكري، لأنه أيقن من خلال تجاربه أنه لا يمكن أن يصد الاستعمار والاحتلال إلا بالقوة المسلحة، فعندما يئس من إحراز جدية ملموسة في الساحة السورية نتيجة نقص الإمدادات والذخائر والأسلحة وحكموا عليه بالإعدام، وقد رصد الفرنسيون مبالغ مالية كبيرة ومغرية لمن يدل على مكانه، اختفى القسام فترة زمنية في الساحل السوري، وكان مستمرًا في ثورته، وكان يروى عن أهالي المنطقة الذي اختفى فيها القسام، كان الفرنسيون يشنون حملة تدمير كل منطقة كانوا يعتقدون أنَّ القسام يختفي فيها، ونتيجة هذا كان يرتقي العشرات من الشهداء، فآثر القسامُ الحفاظَ على المدنيين وقرر الانتقال إلى جزء آخر من الوطن المحتل، وهو فلسطين، لأن القسام كان يؤمن أنَّ الوطن العربي واحد، ولا فرق بين سوريا وليبيا وفلسطين، واستقر في حيفا عند زملائه في الدراسة في جامع الأزهر الشريف، وكان يعلم مدى الظلم التي وقعت فيها فلسطين من الانتداب البريطاني والمؤامرة الكبرى، وكان لديه وعي بما يحاك لفلسطين من مؤامرات كوعد بلفور والهجرة الصهيونية إلى فلسطين وغير ذلك، وقرر الاستئناف في الجهاد والنضال في فلسطين ضد الانتداب البريطاني والصهيونية وحقق ما أراد.
استطاع القسام أن يجمع حوله ثلة من المجاهدين الذين رفضوا الانتداب البريطاني في فلسطين ما الذي ميزه ليصبح قياديًّا من نوع فريد؟
هذه نقطة تحسب للقسام أنه كان همُّه الأول هو الجهاد من أجل تحرير فلسطين وقتال الاحتلال البريطاني والصهيونية العالمية، والذي ميز القسام أنَّ الناس كانوا يتبعونه ويتخذونه قدوة لهم، فقد كان يقول للثوار اتبعوني، وليس اسبقوني، وكان يبتعد عن المشاكل الاجتماعية والصراعات الطائفية والقبلية، وكان صادقًا في التعامل مع الناس، ويقوم بنفسه كل الأعمال، وكان متواضعًا مع الجميع، ويشارك في العمليات العسكرية، ويقوم بتدريب نفسه وتدريب المجاهدين على السلاح، وكان يبيع أملاكه الخاصة من أجل شراء السلاح، فقد باع منزله في سوريا من أجل شراء السلاح ويقاتل المحتلين، وقد بنى شبكة اجتماعية قوية حوله، وكان الناس في ذلك الوقت قد وجدوا ضالتهم في القسام، كان رجلاً حقيقيًّا وصادقًا وثوريًّا، ليس له أهداف واهية، ولا يريد أي شيء من متاع الدنيا، وكان هدفه الجهاد وحث الناس على ذلك.
الشيخ القسام أشعل هو ورفاقه ثورة ليست مسلحة فقط، بل اتسمت بالوعي المدروس والمخطط له استمرت إلى يومنا هذا كيف تفسرون ذلك؟
القسام لم يكن فقط بندقية أو طلقة، بل كان فكرًا ونهجًا، وكان له قواعد في الحياة ويعلمها للناس مثل "بريطانيا أساس البلاء والصهيونية هي أداة يجب أن يحارب الاثنين"، "هذا جهاد نصر أو استشهاد"، "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، هذه الشعارات والدروس آمن بها القسام ونقلها إلى تلاميذه واتباعه من الثوار الذين كانوا معه، وقلما تجد في معظم الثورات الفلسطينية التي تبعته من تمسك بهذه المبادئ والدروس، القسام بدا تاريخه الثوري عام 1911، قاتل خلالها العالم من أجل فكره ومبادئه وإيمانه بحقه وإيمانه بالنصر، فقد قاتل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا والصهيونية العالمية، حتى أنَّ قيادة الألمان وخلال التحريض في الحرب العالمية الثانية اتخذت من القسام قدوة لها برجل حارب أقوى الدول بإمكانيات بسيطة.
كيف تستذكرون الشيخ القسام اليوم؟
عندما نبحث في التاريخ الفلسطيني عن شيء مجيد ومشرف، فإننا نستذكر القسام، وعندما نفتش في الواقع الفلسطيني الذي نريد أن نبني عليه شيئًا للمستقبل، فنجد أنَّ نهج القسام هو النهج الصحيح، الذي يجب أن نتمسك به، ونسير على دربه، هذا النهج القيادي الذي يبحث عن العمل والتنظيم والكتمان والقيادة الحقيقية، كان يضحي بالغالي والنفيس من تحرير الوطن العربي من الاحتلال، وللأسف نمر بمؤامرات وضغوط كثيرة نأمل أن تكون قيادتنا الحالية والمستقبلية على قدر من المسؤولية، وأن تتمسك بنهج القسام.
في ذكرى استشهاده، ما الرسالة التي ترغبون في إرسالها إلى أبناء الشعب الفلسطيني والعربي في هذه الذكرى التي تمثل فارقة مميزة في تاريخ صراعنا مع المحتل الذي استطاع القسام من خلالها أن يغلب الواجب على الإمكان؟
عدم اليأس عندما يرى نفسه وإمكانياته قليلة أمام الحجم الكبير للطرف الآخر، فقد كان القسام يمتلك القليل من السلاح والذخائر والرجال، وواجه ترسانة كبيرة من الأسلحة التي كان يمتلكها عدوه، لكن القسام كان يؤمن بحقه وحتمية النصر وتمسكه بفكره ومبادئه، قاتل أكبر الدول، ولم يترجل عن صهوة فرس الجهاد، ولم يخشَ قوة العدو ومؤامراته، ويجب أن تكون الحقائق والمبادئ واضحة لنا ولشعبنا ولثوارنا ومجاهدينا، وألا نخاف من المؤامرات التي تحاط ضدنا؛ لأنها ستتحطم على صخرة صمودنا وإرادتنا وتمسكنا بحقنا وثوابتنا، وإننا حتمًا عائدون، ليس لإقامة الدولة في الضفة وغزة والقدس الشرقية، بل نحن عائدون إلى حيفا ويافا وصفد وكلّ المدن الفلسطينية المهجرة، وهذا ما وعدنا الله به، ونحن متمسكون بالوعد، وسيكون قريبًا جدًّا.