السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نصوص لـ الشاعر: محمود طارقي

2018-02-09 04:28:34 PM
نصوص لـ الشاعر: محمود طارقي
محمود الطارقي

في الصباح

عندما تطلُّ امرأةً من نافذتها لتستقبل الشمس

يصبح مربع النافذة لوحة

خلفيتها ظل يتثاءب على جدار الغرفة...

 

وعندما تمرُّ طالبة مسرعة

وقد انزاح أحمر الشفاه عن حدود شفتها العليا قليلاً

لأنّها خطفت قبلةً من خدّ والدها على الباب،

فتلك لوحة...

 

وعندما يخرج الأطفال إلى المدارس

ويشقون الطرقات بهدوء

ميدعة زرقاء للذكور

وميدعة وردية للإناث،

فتلك لوحة...

 

وعندما تمر عجوز على وحدتي

وتقول: " صباح الخير "

فذلك شعر،

و عندما أقول لها : " أنت المفضلة عندي من بين كل النساء "

فتبتسم قائلة : " يا كذّاب "

فذلك أيضاً شعر...

 

وعندما يتقدم إليّ شحاذ

تسبقه يده الفقيرة

فأخرج له جيوبي الفارغة

وأقول له : " شكرا لأنك وثقت في ثرائي "

ونضحك معاً من الفقر،

فصوت ضحكنا موسيقى...

 

وعندما يهتز عمود النور في الليالي العاصفة

ويرتجف نوره على إيقاع الريح،

فتلك أجمل رقصة...

 

تحت سماء كابتسامة زرقاء تتدرج نحو الأسود،

الحياة مجانية وكذلك الفن

فيكفي أن أشير بسبّابتي إلى الجمال

وأستمتع به...

 

سبّابتي التي اخترتها لتكون آخر أسماء الإشارة ،

عندما أشير إليكِ.

( 98 )

عندما يتسخ الماس بالدماء في إفريقيا

ثم يلمع على صدور الأوروبيات،

يأتي الظلام...

 

وعندما تبهت أرقام المتر من الاحتكاك على خصور

زوجات صناع الحروب لأخذ المقاسات

وتصميم فساتين حفلات السلام،

يأتي الظلام...

 

وعندما يعانق الزوج زوجته

ومن صرير السرير أثناء الجنس يكتبان عظام طفلهما في الأزل

وهما يعلمان أن اللحم الذي سيكسوها من الحروب،

يأتي الظلام...

 

وعندما تتذكر أرملة زوجها

فتمرر يدها بين سرتها وصدرها لتتحسس غيابه

وتمص شفتها السفلى لتتذوق موته،

يأتي الظلام..

 

وعندما يتوقف يتيم ليشاهد قبلةَ أمٍ تلتصق على خد ابنتها

ثم يسير كدمعةٍ على الطريق،

يأتي الظلام...

 

وعندما تتكاثر المخيمات كالحصبة على جلد الأرض

ونصنع مزيداً من الأدعية و الخطابات عوض الدواء،

يأتي الظلام...

 

و عندما تمطر السماء

فينمو الجوع مع القمح،

يأتي الظلام...

 

و عندما ينضج الخبز سياسياً قبل أن يدخل إلى الفرن،

يأتي الظلام...

 

و عندما أنهض في الصباح

و ضلوعي تؤلمني من التفكير في إخوتي،

يأتي الظلام...

 

و عندما ترتفعُ يدي للسلام

فيخفضون رؤوسهم

لأن حرباً تعمي عيونهم،

يأتي الظلام...

 

" عندما يخلع النهار ثوبه ،يأتي الظلام "

 

و عندما أجلس في ظلام غرفتي

فيتسرب النور من شرخ في الباب

و يرتمي على الجدار محملاً بكل هذه الصور،

يأتي النهار...

 

فالنهار الذي مازلنا ننتظره

ليس أكثر من تعديلٍ بسيط في شرائع الأرض،

كأن يلمع عقد الماس على صدرِ إفريقية

دون خوف من أن تسيل الدماء.

 

( 99 )

في المظاهرات التي وجدت فيها نفسي صدفة ،

كنت غريبا كالشعارات المرفوعة !

و لكنّي أحسست بالانتماء عندما رفعت رأسي إلى السماء الصادقة ،

لأنها لافتة زرقاء لم تلوثها الكلمات...

 

و في الجنائز أيضا كنت غريباً

و مشيت وراء النعوش كثيراً

و كان الأمر شبيهاً بالمظاهرة

و لعلها أصدق المظاهرات

لأنّها بلا شعارات...

و كلما وضعنا ميتاً في حفرته

أتذكر بعض النكت القديمة، التي قد تكون بذيئة أحياناً

و أراه تحت الكفن يضحك

فأضحك

لأنّه لأول مرة ميت ...من الضحك !

 

و في حفل زفاف قريبتي

كنت أعلم أنها صارت بعيدة

فكل القريبات هكذا

يبتعدن بعد الزواج

و لكني استمتعت بتدرج اللون الأبيض

من وجهها إلى الفستان إلى أسنان زوجها المبتسم

و إلى الكفن الذي يضحك تحته الميت...

 

و في المساجد

لا أقول أنني غريب

و لكنني كنت وحيداً وسط الصفوف

و أكثر وحدة من أي وقت

و لم أفهم لماذا يسمونها " صلاة الجماعة " !

و لأول مرة لم يكن الميت يضحك تحت كفنه

فالحيرة صمت

و هي المعنى الحقيقي للخشوع...

 

و أمام نشرات الأخبار

ما زلت أسأل نفسي دائماً

لماذا تزداد المراسلات جمالاً كلما زاد القتل؟

و أخيراً وجدت الإجابة في وجه جارتي

لأنها ازدادت جمالاً بعد موت زوجها !

و لأنه يعلم هذا ،

كان تحت الكفن يضحك ..

 

و الآن ،

صرت أعلم جيداً

أن كل هذه الحياة مجموعة من الصدف حول ميت !

 

و قبل غروب الشمس بنصف ساعة

عندما تتراقص ظلال الأشجار على البيوت الصامتة

لا شيء سيحدث.

( 100 )

أنا من مواليد صيف 1991...

في تلك السنة لم يحدث أي أمر هام

و حتى إن حدث فهو لا يهمني

لأنني أنتمي إلى الأشياء غير المهمة...

 

ولدت في " حامة الجريد "

قرية يبدو اسمها ساحراً

و لكنني أقرأ عليها الفاتحة كل صباح

لأنها ميتة منذ مدة

و حاولت كثيراً أن أفسر لسكانها أن الأمكنة تموت أيضاً،

و الجيد في الأمر أنني ما زلت أحفظ سورة الفاتحة...

 

أحب آذان المغرب ،

و تارك صلاة...

أصوم رمضان

و لا أملك مالاً للصدقة أو الزكاة

و لا أتفلسف كثيراً في ماهية الفعل الخيّر

فالأمر أبسط من ذلك بكثير...

 

لا أنتخب

لأنني لا أؤمن بالديمقراطية

فكل حاكم ديكتاتور

و أحياناً يكون حكيماً...

 

سجائر الصفاء كانت جميلة دائماً برفقة جدي ،

و بعد أن أصيب بجَلطةٍ حاولت إقناعه بأن التدخين مضر بالصحة

و لأنه لا يقتنع كنا نشعل سيجارتين

و أبتسم في وجهه و أنا أنفث الدخان

لأنه سيموت سعيداً...

 

نسيت متى رحل بالضبط ،

ربما في 2012 أو 2013

و لكنه من مواليد ربيع 1920

و اسمه محمود طارقي

أو لنقل هو أنا

مازال يعيش في اسمي إلى الآن

ليثبت للجميع أن التدخين غير مضر بالصحة.

( 101 )

" محمود طارقي "

هذا اسمي المستعار

فأنا في الأصل " عبد الله ابن آدم "

أَفْتَك قوتي من الحَسَكِ

وأجمع يومي من الوقت

وأرتِّب الساعات الرتيبة

فأرتاب مني لأني كأني أو أنا...

 

هنا ،

أنا شيخ المتصوفين

تطوف بي الملائكة في كل غروب

لأراقب موت الشيطان ...

 

وهناك،

أفسّر اهتزاز الأغصان

بأنها حركة أرداف الجميلات تحت القمصان الطويلة

ثم يقع عقلي كثمرة فاسدة ...

 

جميعنا سنقع ،

و لهذا أحبُّ حفر القبور أكثر من تشييد القصور

و من كل جنازة أعود بيدين متسختين بالتراب

وأقول لنفسي :

" كل ما بقي من حياة الشخص الذي مات ،

هو بعض حبات الرمل تحت أظافري ! "

 

أنا الشّيخ المتّسخ بالتراب

ثابت على الأرض

وكل الطيور تحلق لتنفض الغبار عن أجنحتها

وتصلَ نظيفة الى عالم أفضل...

 

ولأنّي فقدت بصيرتي

فقد صرت أحبُّ بصري أكثر

وأحبُّ كل النساء ببطونهن المنتفخة بالحب

وأحبُّ أن أجمع صرخات الولادة من أفواههن

لأرتبها

وأبتسم ،

فكل دقيقة يولد عبد الله ابن آدم

باسمٍ مستعار.

( 102 )

أنا من " حامّة الجريد "

بلدة لا يمرض سكانها كثيراً

ونُعالج مُعظم أمراضنا بحبة أسبرين،

ولكننا كالجميع نموت

ونضع موتانا في جوف الأرض كحبات أسبرين

لنريحها من الصداع...

 

أنا من بلدة لها طقوس

فنحن لا نثور ولا ننتخب

ولا يعنينا إن تجمعت السُّلط أو تفرَّقت،

ولكننا ديمقراطيون جداً

لأننا نفرق بين سُلطَتَيْ الحياة والموت.