الحدث الاقتصادي
يواجه قطاع غزة تحديات معقدة في ظل مؤشرات كثيرة لانهيار وشيك إذا ما استمرت حالات الإنهاك المتراكمة للقطاع، خاصة وإن الحصار "الإسرائيلي" والحروب المتكررة قد أنتجت دماراً هائلاً في البنية التحتية وكافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتي يصعب ترميمها، وعمقت بدورها من الأزمة الاجتماعية - الاقتصادية في القطاع خلال الأعوام المنصرمة، وأصبحت تلقي بظلالها على المستقبل. إضافة إلى بطء عملية المصالحة الوطنية بعد 11 عاماً من الانقسام المدمر للقضية والمجتمع. فلم يعد بالإمكان السكوت على الوضع الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة والبالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة يتزاحمون في منطقة صغيرة جداً مساحتها 362 كيلومتر مربع، تمثل أكبر سجن مفتوح في العالم.
إن تداعيات الأزمة المتراكمة منذ سنوات بفعل عوامل الحصار والانقسام والتهميش تنخر بقوة في النسيج الاجتماعي، والضمير الجمعي للفلسطينيين في القطاع، فهناك شواهد أن الأزمة تساهم في إنتاج سلوكيات وقيم ومنظومة علاقات اجتماعية مختلة، وتطال جميع الشرائح الاجتماعية دون تفريق، بما فيها الناشطة اقتصادياً، حيث ارتفعت نسب الإعالة المباشرة وغير المباشرة مما أدى إلى إرهاق واستنزاف المقدرات المادية والمدخرات، وزاد من الضغط الاجتماعي والاقتصادي على السكان في غياب مقومات الدعم والحماية الاجتماعية، مما أصبح يشكل تهديداً حقيقاً للسلم المجتمعي الداخلي. إن الأمر لا يتعلق فقط بصناعة الاحتلال وحده، بل أن الانقسام والصراع الفلسطيني الداخلي والعقوبات الجماعية والتواطئ الدولي في حصار غزة قد عمقت من حدة الظواهر الاجتماعية السلبية التي أدت إلى مزيد من الانكشاف والإضعاف للإرادة الإنسانية والوطنية والمنظومة المجتمعية.
إن قطاع غزة يخضع لعملية متعمدة من اللاتنمية والاضعاف منذ فرض الحصار الذي ترافق مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول 2000، وتعاظم الحصار بشكل غير مسبوق تدريجياً منذ الانقسام الفلسطيني الداخلي إلى اليوم، مما أنتج عنه تشوه عميق في النسيج الاجتماعي يهدد منظومة العلاقات والقيم. عدا عن تعميق ومأسسة سياسات الفصل والتشتيت بين مواطني قطاع غزة وباقي مواطني الوطن.
تتعمق الكارثة الانسانية في قطاع غزة مع انخفاض الدعم الدولي لعملية إعادة إعمار آلاف المنازل التي دمرت في الحروب الثلاث الكبيرة على قطاع غزة، وسيطرة دولة الاحتلال على المعابر التجارية، واستخدامها كأداة عقاب جماعي ضد الفلسطينيين، إضافة إلى التخفيض الحاد للدعم الأمريكي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي المنظمة الأممية المسؤولة عن رعاية وحماية وتشغيل اللاجئين ليس في قطاع غزة الذي يشكل اللاجئون فيه ما يقارب 70% من تعداد السكان، بل في كافة مناطق عملياتها في الدول المستضيفة.
إن توقف العديد من المستشفيات والعيادات عن العمل بسبب نقص الوقود والأدوية والمعدات الأساسية، وخفض التحويلات الطبية الخارجية، كما أن الشح في المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء لاكثر من 20 ساعة يومياً، وعدم تمكن آلاف الطلاب والمرضى من السفر للتعليم أو للعلاج هي أمثلة على الأزمات المتعددة والمركبة التي يئن تحتها قطاع غزة منذ أكثر من عقد من الزمان.
إن تباطؤ عملية المصالحة الوطنية التي يعول عليها الفلسطينيون جميعاً