السبت  26 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الانتخابات النصفية والديمقراطيين

2018-02-28 09:10:35 PM
الانتخابات النصفية والديمقراطيين

شيكاغو- نادر الغول

تشهد الولايات المتحدة الأميركية نهاية العام الجاري ما يمكن وصفه بأنه أهم انتخابات نصفية في التاريخ السياسي الأميركي. والاهم من هذه الانتخابات لربما هو آليات إصلاح الحزب الديمقراطي ومدى استعداده لمواجهة الحالة الترامبية وانتشارها، فالمنافس هنا ليس الحزب الجمهوري التقليدي وإنما نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

المتابع للشأن الداخلي الأميركي يستطيع أن يذهب إلى استنتاج أن هناك تغيير في الخارطة السياسية، عدد لا بأس به من أعضاء وقيادات الحزب الجمهوري قررت عدم الترشح للانتخابات النصفية القادمة، منهم على سبيل المثال أقدم عضو في مجلس الشيوخ السيناتور أورين هاتش.

 

الحزب الديمقراطي خلال العامين المنصرمين تعرض للكثير من الهزات السياسية، أهمها خسارة هيلاري كلينتون لصالح مرشح أقل ما وصف به خلال الحملات الانتخابية بأنه "شخص لا يمكن انتخابه." إلى جانب قرصنة ايميلات الحزب الديمقراطي التي شككت الناخب الديمقراطي بشفافية الحزب، وآخرها كتاب "دانا برازيل" التي كانت رئيسة للحزب، والتي تحدثت فيه عن تفضيل قيادة الحزب والاعضاء المميزين Superdelegates لهيلاري كلينتون على حساب المرشح التقدمي "بيرني ساندرز"، الذي شكل حالة سياسية مختلفة، كما هو الحال مع حالة ترامب.

 

ولكن قبل الوصول إلى المرحلة الراهنة، والمراهنة على الإصلاحات التي تبنتها لجنة إصلاح الحزب الديمقراطي في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لابد لنا من العودة قليلا إلى الوراء لتقييم الحزب. ربما هذه النظرة التاريخية الموجزة سوف تساهم في توضيح إشكاليات الحزب خلال الانتخابات الرئاسية السابقة وخسارته لدونالد ترامب.

 

لطالما وصف الحزب الديمقراطي بحزب الياقات الزرقاء، في إشارة إلى الطبقة العاملة في الولايات المتحدة. ولربما بدأت مشاكل الحزب في تمثيل هذا الطبقة المهمة من المجتمع الأميركي في اربعينيات القرن الماضي. حين تأمر الحزب على إسقاط نائب الرئيس الأمريكي في حينه هنري والاس في مؤتمر الحزب الذي عقد في مدينة شيكاغو عام ١٩٤٢.

هنري والاس الذي كان يوصف بالاشتراكي قبل أن تكون هذه الصفة تهمة في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، كان يحظى بشعبية كبيرة بين الطبقة العاملة وكان موفد الرئاسة لمدينة ديترويت من أجل نزع فتيل أزمة العمال، حيث كان يحظى الرجل باحترام الياقات الزرقاء على مستوى العالم وليس الولايات المتحدة فقط، فحين أوفده روزفلت إلى أميركا الجنوبية لحشد الدعم لقوات التحالف ضد النازية الالمانية، خرج لاستقباله في تشيلي مليون شخص. 

 

ولكن رأس المال الأميركي الذي فرض سيطرته على السياسة الأميركية بعد الأزمة المالية في ثلاثنيات القرن المنصرم، لم ير في والاس خيارا يمثل مصالحها ومصالح الراسمالية الاميركية، وبالتالي تم التآمر على الرجل من أجل إنجاح هنري ترومان المغمور، صاحب محلات ربطات العنق، ليكون نائبا للرئيس ومن ثم رئيسا بعد وفاة روزفلت، ويعاد انتخابه بعد ذلك. مع العلم أن هنري والاس حصل في التصويت الأولي على نسبة ٦٢٪ مقابل ٢٪ لترومان. 

 

من وقت والاس والحزب الديمقراطي أصبح لا يختلف عن الحزب الجمهوري سوى بالاسم، فالاثنين أصبحا يمثلان رأس المال والشركات وإن كان بطريقة مختلفة. الاختلاف الوحيد كان اجتماعيا، الحزب الديمقراطي تبنى قضايا النوع الاجتماعي، الأقليات، المثليين والمهاجرين. واستمرت هذه الحالة، حتى وصول الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى سدة الحكم، والذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة بحصوله فقط على ٤٣٪ من اجمالي المصوتين، ولم يكن ليخسر جورج بوش الأب ويفوز كلينتون، لولا المرشح المستقل ورجل الأعمال روس بيروت، الذي حصل على ١٨.٩٪، وهي أعلى نسبة لمرشح مستقل في تاريخ الانتخابات الرئاسية الاميركية.

 

بعد فوز كلينتون في الرئاسة، سعى الرجل منذ استلام حكمه إلى تعزيز قاعدته الانتخابية من خلال الإصلاحات الاقتصادية والتي كانت الأفضل حسب المتابعين، ولكن الأهم هو محاولة الرجل خطف الحزب أكثر نحو اليمين في محاولة لاستقطاب من يمكن وصفه بـ الجمهوري الليبرالي، ومع ذلك فشل الرجل في الحفاظ على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب طوال فترة حكمه، التي استمرت ثمان سنوات.

 

وصولا إلى انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٦، كان الحزب الديمقراطي قد ابتعد عن الحاضنة الشعبية، والمقصود هنا البطالة ورغبة الأميركيين في تغيير ما هو موجود سياسيا وانتخاب شخص لا يمثل الحرس القديم سواء كان ديموقراطيا أو جمهوريا وهو ما عزز فرص ترامب، بالرغم من حصول هيلاري على عدد ناخبين أكثر. ولم تستطع مرشحة الحزب هيلاري كلينتون أن تقدم جديدا للناخب الديمقراطي، على عكس السيناتور بيرني ساندرز الذي استطاع تحفيز الشباب الأمريكي التقدمي من خلال تقديم رؤية مختلفة كليا، ولكن سياسات الحزب الديمقراطي، ونظام ممثلي الحزب غير العاديين، والذين يحق لهم التصويت لأي من مرشحي الحزب في مؤتمر الحزب بدون الالتزام بتصويت الولاية التي يمثلونها، رجحوا كفة هيلاري كلينتون على حساب ساندرز.

 

كان هناك مرشحان استطاعا خلق حالة سياسية بغض النظر عن المخرجات، بيرني ساندرز من خلال الأفكار التقدمية التي كانت قريبة من الشباب الأميركي. وحالة دونالد ترامب الشعبوية، والتي أيضا حفزت الناخب الأبيض على الخروج والمشاركة في الحياة السياسية لأول مرة، من أجل انتخاب شخص يمثل مصالحهم، حتى وإن كانت مرتبطة بالعرق والعنصرية.

 

وبالعودة إلى الإصلاحات التي تبنتها لجنة الإصلاحات في الحزب الديمقراطي في نهاية العام المنصرم، وأهمها هو تقليص عدد أعضاء الحزب فوق العادة بأكثر من ٦٠٪، وإلزام ممثلي الحزب في الولايات على التصويت بناء على تصويت الولاية. ومن الإصلاحات المهمة التي أوصت بها اللجنة، هو السماح للمصوتين لاول مرة أو الراغبين في تغيير ولائهم السياسي التسجيل في الانتخابات التمهيدية في نفس يوم التصويت. وأخيرا، تشكيل مجلس رقابي يشرف على الموارد المادية للحزب والتبرعات التي تدخل ميزانية الحزب، حيث فضح كتاب دانا برازيل كيف جيرت المصادر المالية للحزب أكثر باتجاه هيلاري كلينتون على حساب ساندرز، وكما قال جيمس زعبي، الذي يصوت في قيادة الحزب، "أنه خلال عشرة أعوام لم ير تقريرا ماليا وأحد."

 

كل هذه المقترحات جيدة ولكن لم يتم إقرارها من قبل قيادة الحزب، ومازالت موضع نقاش داخلي إلى حين انعقاد مؤتمر الحزب الخريف القادم من أجل مناقشتها واقرارها. بعض التقدميين في الحزب اعتبروا هذه المقترحات الحد الأدنى المطلوب حزبيا من أجل إصلاح الحزب وليست كافية.

 

وفي حال تبني الحزب لهذه الإصلاحات فإنها تشمل مرشحي الرئاسة فقط، وبالتالي الحزب بحاجة إلى اثبات نية التغيير للناخب الغير تقليدي للحزب من خلال تبني هذه المقترحات قبل الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم. ويرى البعض أن فوز المرشح الديمقراطي دوغ جونز في الانتخابات الخاصة في ولاية ألاباما (الفوز الأول لمرشح ديمقراطي منذ عشرين عاما) ديسمبر/كانون الأول الماضي، مؤشرا يعطي آمالا كبيرة للحزب في الحصول على أغلبية مجلسي الشيوخ والنواب، ولكن هناك العديد من المشاكل تواجه الحزب وهي:

 

يواجه الديمقراطيون إشكاليات كبيرة وهي، أن الدوائر الانتخابية، وهي سياسة دارجة في الولايات الأميركية، حيث يقوم القائمين في مجالس نواب الولايات بإعادة رسم الدوائر الانتخابية بما يخدم الحزب المسيطر في مجلس الولاية، واغلب الدوائر الانتخابية المستهدفة في الانتخابات القادمة هي دوائر جمهورية تقع خارج إطار المدن الكبرى (عادة ما تصوت لصالح الحزب الديمقراطي)، وهي الضواحي والريف الأميركي.

 

ثانيا، أن عدد مقاعد مجلس الشيوخ الديمقراطية المتنافس عليها في الانتخابات القادمة هو ٢٥ مقعدا، ما نسبته ٥٢٪ من إجمالي مقاعد الحزب الديمقراطي في المجلس، في مقابل ثمانية مقاعد للحزب الجمهوري، وبالتالي فإن فرصة خسارة الديمقراطيين أكبر من الجمهوريين. إلى جانب أن عشرة من المقاعد ال ٢٥ هي في ولايات فاز بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وخمسة من هذا المقاعد في ولايات فاز بها ترامب بأكثر من عشرة بالمئة من الناخبين. 

 

ثالثا، حسب لجنة الانتخابات الفيدرالية فإن في رصيد الحزب الديمقراطي، مبلغ ٦.٥ مليون دولار نقدا، ولكن ديون الحزب هي ٦.١ مليون دولار، بالتالي الحزب يملك فقط ما يقارب ٤٢٠ ألف دولار بنهاية يناير/كانون الثاني. ويعود السبب الى تخوف الناخب الديمقراطي العادي من تقديم دعم لحزب لا يمثل قاعدته الشعبية، وهنا الحديث ليس عن المتبرعين واللوبيات الصناعية أو التجارية التي تضخ في كلا الحزبين ولكن عن التبرعات الشخصية التي تمثل رأس مال الحزب، بيرني ساندرز من خلال حملته الانتخابية وبدون دعم الشركات واللوبيات استطاع جمع ١٨٥ مليون دولار من خلال التبرعات الشخصية. 

 

يبقى الرهان على الانتخابات النصفية القادمة من أجل الحد من الحالة الترامبية الشعبوية، ومحاولة عكس الأمور على المستوى الداخلي الاميركي، وإعادة إنتاج انتخابات ألاباما في الولايات المتنافس عليها وتحفيز العامل الاهم وهو الأفريقي الاميركي، وخاصة أن كثيرا من أعضاء مجلس النواب واغلبهم من الحزب الجمهوري، قرروا عدم الترشح لدورة أخرى بسبب فضائح جنسية أو عدم رغبة في تحدي الرئيس ونهجه، وبالتالي شغور مقاعدهم للمنافسة، كل ما يحتاجه الديمقراطيين هو مقعدين في مجلس الشيوخ و ٢٤ مقعدا في مجلس النواب.