السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من منّا أعمى، ومن منّا مُبْصر! بقلم: ميسم العيسى

2018-03-05 12:40:41 PM
من منّا أعمى، ومن منّا مُبْصر! 
بقلم: ميسم العيسى
صورة تعبيرية

سؤال علينا أن نستمرّ في طرحه على ذواتنا حتى نستمر في رؤية الحقائق كما يجب..

في زمنٍ تشعّبت فيه الطرق إلى ما كان بالأمس من الثوابت، وتعددت الوسائل التي يمكن أن يصل فيها كل فردٍ إلى ما يراه أحياناً- هو فقط - حقيقة..

 

قصة (أرض العميان) التي اعتبرت ولا زالت تُعبتر عبقرية في رمزيّتها تسلّط الضوء على معاناة المُبصر الوحيد في مكان كل ساكنيه عميان.

 

كيف يمكن للمًبْصر شرح أبسط الأفكار عن الرؤية (معنى العين، معنى الرؤية، معنى كل المحسوسات التي لا يراها هؤلاء العميان سوى بحواسهم الأخرى.. وربما قلوبهم..

 

كيف يمكن لمن يرى في عالم العميان أن يتعايش مع ما حوله.. ليضعف وينكسر أمام سلطة الحب والهوى وامام المستحيل الذي يعيشه ويقرر أن يسير مع قطيع العميان.. - وهو ما يحدث مع الكثير منّا من مفكرين وموهوبين ووو- حين تصبح أفكارنا عقبة بيننا وبين كل الدوائر المجتمعية المحيطة بنا وحين تُلزمنا قوانين هذا المجتمع أن نسير مع ما حولنا من عمى..

 

في هذه القصة - لمن لا يعرفها - إسقاطات يمكن أن تكون سياسية أو اجتماعية أو فكرية على حياتنا وتُناسب كلّ زمان ومكان

 

تحكي القصة عن مهاجرين من بيرو هربوا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية عزلتهم عن العالم في وادي غامض مجهول وانتشر بينهم نوع من أمراض العيون فأصابهم بالعمى وورثهم الأحفاد في العمى حتى 15 جيل..

ومع مرور الزمن استطاعوا تكييف أوضاعهم والتأقلم مع حقيقة عدم وجود العيون ونسوا مع الوقت وجود حاسة البصر

 

(نيونز) وهو بطل القصة شاب يهوى تسلق الجبال.. تلقي به إحدى مغامراته في أرض العميان ويلاحظ غرابة المظاهر التي يراها من ألوان غير متناسقة للبيوت وغير ذلك من المظاهر البصرية.. ليكتشف أنّه فعلاّ في أرض العميان

يظن نيونز في البداية انها فرصته في ان يصبح ملكاً لأنّه المبصر الوحيد

فيبدأ محاولاته بإقناعهم بوجود البصر وكيف تكون متعة استخدام هذه الحاسة لتبوء محاولاته بالفشل بالإضافة إلى اتهامهم له بالجنون

يحاول نيونز الفرار منهم ليعود بعد أن نال الجوع والتعب منه ليكون تحت تصرفهم ويفعل لهم ما يأمروه به.

كان هؤلاء العميان بسطاء جدّاً وطيَبوا القلب.. قبلوا أن يزوّجوه الفتاة التي أحبّها - والتي كانوا يعتبرونها قبيحة بمنظورهم الحسّي للجمال شرط ان يخضع للعملية التي تفقده بصره وتجعل منه واحداُ منهم

يضعف نيونز أمام ضغط المجتمع وأمام سلطة الحب ويقرر أن يقوم بالعملية ليصبح أعمى..

ويعيش الصراع الذي يحدد مساره فيقرّر أن يهرب مصمّماً هذه المرة لينجح في نيل حرّيته..

 

كتب هذه القصة (هربرت جورج ويلز) في عام (1904)

 

هل حقّاَ الجهل الناتج عن العمى يمكن أن يجعل منّا أناساً بسطاء؟

ومن هو الأكثر سعادة.. الجاهل أم المُدرك والعارف؟

من منّا يمكنه في هذا العالم تخطّي حدود العمى الفكري والاجتماعي والديني والسياسي لينال حرّيته؟؟

 

من فينا أعمى؟ ومن منّا مُبصر؟

ومن منّا يمكنه أن يكون (مُتَبَصّراً)؟؟ ومن يمكنه أن يكون بصيراً.