الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

طبقة سياسية تتحدث مع نفسها/ بقلم: نبيل عمرو

2018-03-06 09:41:04 AM
طبقة سياسية تتحدث مع نفسها/ بقلم: نبيل عمرو
د. نبيل عمرو

 

يُكثر المتحدثون الرسميون من القول بأنّ دول العالم تتفهم الموقف الفلسطيني المتحفظ، على احتكار الإدارة الأمريكية للعملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية.

اللافت للنظر أنَّ المتحدثين الفلسطينيين وحدهم من يعلن ذلك، دون أن نسمع أنَّ دولة وازنة قررت اعتماد الموقف الفلسطيني وتبنيه قولاً وفعلاً، وهذا يثير أمرًا ينبغي أن يدركه المتحدثون، وهو أنَّ التفهم شيء والتبني شيء آخر، التفهم يهمس به في أذن الفلسطينيين لإرضائهم، والتبني يستبعد من الأجندات، فليس في وارد أحد الاشتباك السياسي مع الأمريكيين بسبب الملف الفلسطيني، وهذا أمر لا يستثنى منه حتى العرب الذين لن يتوقفوا عن إعلان التفهم للموقف الفلسطيني، وفي الوقت نفسه يواصلون عملهم، بل وتنسيقهم مع الإدارة الأمريكية، التي لا يرون غيرها من هو مؤهل لفتح الملف الفلسطيني الإسرائيلي أو إغلاقه، واسألوا حليفنا الأقرب الملك عبد الله بن الحسين.

المبادرة التي أطلقها الرئيس عباس أمام مجلس الأمن لقيت تفهمًا من كل العالم حتى من بعض الأمريكيين والإسرائيليين، والضيق من التفرد الأمريكي ليس بالأمر الجديد منذ بدأ المشروع السياسي التفاوضي في مدريد قبل عقدين من الزمن، وفي أوسلو من بعده، ورغم ذلك ظلت دول العالم الوازنة تعمل من أجل شراكة مع أمريكا ولو شكلية، مع إظهار هذه الدول جميعًا استعدادها للعمل مع أمريكا وفق رؤيتها السياسية، وليس وفق أي رؤية أخرى.

كانوا جميعًا.. الروس والأوروبيون والأمم المتحدة سعداء بتشكيل اللجنة الرباعية، وكانوا سعداء أكثر بدورهم المتواضع جدًّا في وضع خطة خارطة الطريق، التي كانت مثل تمثال التمر الذي صنعه الأمريكيون وأكلوه فيما بعد، وحتى اللحظة فإنّ جميع المتفهمين للموقف الفلسطيني نظرًا لموضوعيته وعدالته، يستنكفون عن طرح أنفسهم كشركاء متكافئين مع الأمريكيين، وأقصى ما يطلبونه من طباخي صفقة القرن، أن يطلعوهم على بعض المعلومات، وأن يسمحوا لهم بإقناع الفلسطينيين بالقبول، وأيضًا لا يستثنى من ذلك كثير من العرب.

الشعب الفلسطيني الذي ابتليَ بطبقة سياسية لا تقول الحقيقة، خصوصًا بعد حكاية المجلس المركزي وقراراته النارية، لن يكون له دور فعّال في التعاطي مع صفقة القرن، فهو محيد تمامًا عن الشأن السياسي، وكل الناطقين باسمه يعرفون أنَّ الشعب في وادٍ وهم في وادٍ آخر، والشعب الفلسطيني يريد الحقيقة لو كانت مرّة، ولا يريد التضليل لو كان مغلَّفًا بطبقة من السكر.

 أن تقال الحقيقة كما هي، تجعل من مواجهة تداعياتها أمرًا ممكنًا، أما أن يعطى الناس جرعات مبالغ فيها من التخدير فهذا هو الكارثة بعينها، فما أن يزول مفعول المخدر حتى يتضاعف الألم ويستعصي العلاج.

افتراض أنَّ الشعب الفلسطيني يصدق كل كلمة تقولها الطبقة السياسية الرسمية، فيه تضليل للذات قبل أن يكون تضليلاً للآخرين، فبيتنا ضيق وتعرف الناس بعضها بعضًا، فلا مجال إذًا إلا للصدق، كي يحترم القول ويُدعم ويلتف الناس حوله، ثم إنَّ مصادر المعلومات المتوفرة للجمهور لا تعد ولا تحصى، وفي وضع كهذا، فمن يظن أنه بتصريح لصحيفة أو إذاعة يسوق الناس وراءه بالاتجاه الذي يريد، فهو لا يعرف حقًّا الهوة بينه وبين الناس، ولا أغالي لو قلت: إنه يسمع نفسه لا أكثر.

الوصاية على وعي الشعب الفلسطيني لم تعد منطقية، والذين يتحدثون باسمه ينسون أو يتناسون أنَّ شرعيتهم تقف على الحافة، كما أنهم يتجاهلون أنَّ الشرعية تتآكل مع كل يوم يمر دون تجديدها بالانتخابات، فهل نجددها قبل فوات الأوان؟؟؟؟