خاص الحدث
اتهم خبراء القانون وحقوق الإنسان سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وسلطة الأمر الواقع (حماس) في قطاع غزة بارتكابها انتهاكات خطيرة للحريات والحقوق الرقمية وبأشكال مختلفة تمثلت بحملة اعتقالات موثقة استهدفت عددًا من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بناء على منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، واستغلال سلطات الحكومات الثلاث الفضاءات الإلكترونية للحد من حرية التعبير ومراقبة المواطنين والنشطاء الاجتماعيين.
ففي الوقت الذي اتهمت فيه منظمة "هيومن رايتس ووتش" في فلسطين وإسرائيل، دولة الاحتلال بارتكابها ثلاثة أنواع من الانتهاكات على الأقل، تشمل اعتقال عدد كبير من الفلسطينيين وإزالة المضمون المحتوى، وادعاءها أنَّ هناك 2250 منشورًا على منصة الفيسبوك تحوي تحريضًا حذف منها 70%، وكذلك تدعي دولة الاحتلال أنه هنالك 2200 فلسطيني في مراحل مختلفة تم وقف هجمات لهم، فضلاً عن إيقاف حسابات وصفحات اتهم أصحابها بالتحريض.
فإنها اتهمت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية باعتقال وتعذيب عدد من الصحفيين والناشطين الشباب لانتقاداتهم وتعليقاتهم على أحداث ومواقف معينة عبر المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
فيما أكدت مؤسسة الضمير أنها ترافع عن 170 قضية في المحاكم الإسرائيلية اتهم أصحابها بالتحريض، ووثقت 2217 انتهاكًا رقميًّا.
بينما وثَّقت مؤسسة الحق 13 حالة اعتقال لصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في قطاع غزة على النص المتعلق بإساءة استخدام التكنولوجيا. كما وثقت 15 عملية اعتقال استهدفت صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان على خلفية قرار بقانون الجرائم الإلكترونية في الضفة الغربية.
الانتهاكات الرقمية التي تمارسها إسرائيل
وبينما يرى عمر شاكر- مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في فلسطين وإسرائيل، أنَّ جميع السلطات تقوم بمراقبة الناس فإنه من الصعب مراقبة وتوثيق جميع انتهاكات الحقوق الرقمية ضد الفلسطينيين والتي تعد من أبسط الحقوق المدنية والسياسية، استنادًا للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي توفر حماية لحرية التعبير (أنه لكل شخص الحق في حرية التعبير)، وهذا الحق يجب أن يشمل الحرية على البحث والوصول إلى المعلومات والأفكار بجميع أشكالها.
ويقول شاكر وهو محقق في انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل والضفة الغربية وغزة: "جميع السلطات على الأرض سواء كانت إسرائيل أو السلطة الفلسطينية وحماس في قطاع غزة، قد قصرت في الوفاء بالمعايير التي حددها العهد الدولي، وقامت باعتقالات وثقناها بناء على منشورات على منصات التواصل الاجتماعي".
ويبين شاكر أنَّ هناك ثلاثة انتهاكات رقمية ارتكبتها إسرائيل على الأقل، تشمل: حذف المضمون، فحسب تقرير وزارة العدل الإسرائيلية لعام 2016، فإنها أشارت إلى 2250 منشورًا على الفيسبوك تقول: إنه يحوي تحريضًا، 70% من هذه المنشورات تم حذفها، إضافة إلى إزالة تقارير وتوقيف حسابات وصفحات إلكترونية اتهمت بالتحريض. كما تدعي إسرائيل أنّ هنالك 2200 فلسطيني في مراحل مختلفة تم وقف هجمات لهم، وبالتالي تم اعتقال هؤلاء الناس، وتم اعتقال آخرين.
ويقول شاكر: "وأكثر ما يثيرنا هنا هو عدد الاعتقالات والتي كانت معظمها على طريقة العمل البوليسي".
ويتابع بينما وثقت مؤسسة الضمير لديها 2217 انتهاكًا رقميًّا، وفقط ما بين تشرين الأول 2015 ونهاية 2016 تم توثيق 170 قضية (تحريض) على منشورات في الإعلام الاجتماعي، من بينها قضية عائلة التميمي/ أم عهد (ناريمان) والتي أدرج في أحد بنود لائحة اتهامها لإدانتها نشر فيديو بث مباشر، لما حدث بين ابنتها الطفلة عهد والجنود الإسرائيليين. وقضية دارين طاطور التي حكم عليها بالاعتقال المنزلي لمدة سنتين بسبب منشورات على منصة التواصل الاجتماعي؛ لأنها قالت "قاومهم يا شعبي قاومهم".
ملاحقة النشطاء الفلسطينيين واعتقالاتهم بسبب نشاطاتهم ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي
وهو ما يبينه المحامي محمود حسان – في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، بأن الأوامر العسكرية والبند 251 منها هي ما تستند إليه محاكم الاحتلال الإسرائيلي الذي يعنى بالتحريض ويعدونه مخالفة سلبية يمكن إدراج جميع المصطلحات (الدعوة للتظاهر، المقاومة، مدح الشهداء والأسرى والأسيرات وحتى سماع الأغاني الشعبية والتراثية في لائحة اتهام بدعوى التحريض".
وقال حسان: "إن وجد نوع من التعاطف مع الشعب الفلسطيني في تقارير صحفية قد تدرج في إطار التحريض، وفي هذا الإطار أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي راديو السنابل في الخليل وحكمت على جميع الصحفيين لفترات طويلة تصل ما بين 16 – 22 شهرًا".
ويؤكد حسان، أنَّ إسرائيل اعتقلت 300 فلسطيني على خلفية الفيسبوك في 2017 ، تراوحت أحكامهم ما بين 6 - 24 شهرًا، وتستند المحكمة في حكمها إلى عدد الإعجابات أو المشاركات والتي تؤثر على مستوى العقوبة، حتى لو لم يكن هناك إشارات إعجاب أو مشاركة، تدينه بالتحريض على ما يسمونه (العنف)، بالمقابل لا يوجد أي معتقل يهودي على خلفية فيسبوك، على الرغم من أنَّ الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيليين يحرضون على تعذيب وتنكيل وقتل الفلسطينيين جهارًا نهارًا، مثل وزيرة القضاء الإسرائيلي شاكيد التي كتبت على صفحتها على منصة الفيسبوك: "يجب قتل الأمهات الفلسطينيات، يجب تدمير بيوتهم، يجب قطع الأفعى حتى لا تتربى أفاع صغيرة في البيت"، وبعد هذا البوست بأيام تم اختطاف محمد أبو خضير 18 سنة وقُتل وحُرق وهو حي، لم تحاكم، وإنما تمت ترقيتها لتصبح وزيرة قضاء، وهي من سَنَّ قانون الإرهاب الذي يلاحق الفلسطينيين على خلفية المنشورات على الفيسبوك.
وفي المقابل يقول حسان: "اعتقل شاب من دار الرزي من حيفا بعد ساعات قليلة من كتابته مقولة "أما آن لهذا الحلم السيئ أن ينتهي، وتم التحقيق معه وتهديده من الشرطة الإسرائيلية، وشاب آخر من الرينة يمنع من التعبير عن تأييده لأي حزب أو تنظيم فلسطيني، وأي نشر لهذه المنظمات والأحزاب على صفحات التواصل الاجتماعي قد تؤدي بصاحبها إلى السجن؛ لأنه يدعم الإرهاب وأحزاب محظورة".
ويتابع حسان: "حتى الأطفال لم يسلموا من الاعتقالات الإدارية أو المحاكمات على خلفية الفيسبوك في المحكمة العسكرية التي تصفهم بالخطيرين لنشرهم صورة شهيد أو تضامن مع الأسرى والأسيرات".
الانتهاكات الرقمية التي تمارسها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية
وفي الجانب الفلسطيني بينما يقول شاكر: "شاهدنا الكثير من التوجهات المثيرة للقلق عندما نتحدث عن السلطة الفلسطينية حيث توجد دائمًا رغبة للتركيز على القانون، ولكن السلطة كانت تعتقل بناء على النقد السلمي، وهناك بعض الحالات من بينها: صحفي مستقل من طولكرم تم اعتقاله عام 2012 لمنشور نشره قال فيه: "إن الذين وقعوا اتفاق أوسلو وإعلان وعد بلفور هم ذاتهم، وأيضًا بعد اعتقال الإسرائيليين (أحد الأشخاص) ببضعة أيام عام 2013 تم اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية تعرض خلاله للشبح والتعذيب وضرب قدميه بالفلقة، والتهمة نفسها المنشورات التي نشرها على صفحته الإلكترونية، واعتقال صحفي آخر من بيت لحم 53 يومًا بناء على منشور على نشره صورة للرئيس محمود عباس بجانب صورة لشخص في مسلسل باب الحارة، وقال هنالك شبه بينهما، وسجن لمدة سنة بتهمة إهانة الرئيس، وتم الصفح عنه في نهاية المطاف، ولكن هذا ما حكم عليه، وهناك قضية أخرى لشخص يعمل في مؤسسة تنمية؛ لأنه قال: "سنناضل ضد السلطة"، وسُئل: لماذا تريد أن تناضل ضد السلطة وليس ضد إسرائيل وحماس؟، وبالتالي سجن. وهنالك أشخاص تم الضغط عليهم ليكشفوا لهم كلمة المرور السرية لحساباتهم على منصة الفيسبوك لمتابعتهم ومراقبتهم إن قاموا بانتقاد السلطة".
ويؤكد شاكر، أنَّ هذه الاعتقالات كانت قبل إقرار قانون الجرائم الإلكترونية وستستمر بعده، الذي يضع عقوبات على التعبير على أسس عديدة وبلغة معممة تجبر سلطات الأمن على اعتقال بعض الناس لثلاث سنوات، وتسمح بحجب مواقع الإنترنت.
فإن د. عصام عابدين – المستشار القانوني، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، يقول: "نحن في مؤسسة الحق وثقنا 15 عملية اعتقال استهدفت صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان على خلفية قرار بقانون الجرائم الإلكترونية في الضفة الغربية، وهناك استدعاءات جرت لصحفيين وصحفيات على خلفية انتقادهم القرار بقانون على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الصحافيين (نائلة خليل وجهاد بركات) الذي تم اعتقاله من الأجهزة الأمنية لقيامه بتصوير موكب رئيس الوزراء، والنيابة استأنفت، وتكمن المشكلة في أنه يتم اعتقال الشخص ويزج بالسجن، ومن ثم يخضع لمحاكمة طويلة تمتد لسنتين أو سنة أمام القضاء فما هي قيمة العدالة إن جاءت متأخرة".
ويؤكد د. عابدين، أنَّ الاعتقالات لا تزال موجودة فيما يتعلق على خلفية القرار بقانون الجرائم الإلكترونية وقال: "تم اعتقال العميد محمد الداية من الأمن الوطني، على خلفية قرار بقانون الجرائم الإلكترونية، ويمثل أمام العدالة أمام القضاء العسكري، وهي مسألة خطيرة ولها دلالاتها، لأنّ القضاء العسكري غير مختص على الإطلاق بموضوع الجرائم الإلكترونية. والقانون واضح في المادة (3) جهة الاختصاص فقط للقضاء المدني".
وفي هذا السياق، قال م. بلال ستيتي - ناشط شبابي في الإدارة والتنمية الشبابية: "أنا أسير محرر من عند اليهود ومن عند السلطة الفلسطينية، سجنت ظلمًا وبهتانًا وحصلت على براءة بعد سنتين بوضع صحي صعب دون علاج، نحن نطالب بحقوقنا وكلنا باتجاه واحد وهو الاحتلال، والحريات العامة يجب أن تكون جزءًا من عملية التحرر الفلسطيني".
بينما يأسف إياد الرفاعي – ناشط في المجال الرقمي فلسطينيًّا، لإقدام السلطة الفلسطينية على إغلاق بعض المنصات الإلكترونية وقال: "ونحن نحاول رفض التحديدات التي يحاول أن يفرضها الاحتلال علينا على هذه المنصات، نتفاجأ أنَّ السلطة الفلسطينية تغلق واحدة من كبرى المنصات التي تعد أحد منصات الشباب وهي شبكة القدس الإخبارية، رفعنا قضية في المحاكم الفلسطينية واستطعنا الحصول على قرار بإعادة بثها".
الانتهاكات الرقمية التي تمارسها سلطة الأمر الواقع (حماس) في قطاع غزة
وتطرق شاكر إلى الانتهاكات الرقمية التي ترتكبها سلطة الأمر الواقع (حماس) في قطاع غزة، وقال وجهت تهمة إساءة استخدام التكنولوجية لصحفي نشر على الفيسبوك "أتساءل إذا كان أولاد المسؤولين ينامون على الأرض مثلنا"، وقيل له "ممنوع أن تكتب ضد (حماس) وسنطلق النار عليك لماذا كتبت ذلك؟".
وأدين شخص آخر عمل (Tag) لتظاهرة نشرت على الفيسبوك، وتمت إدانته حسب القانون الثوري الإضرار بالثورة، وتم ضرب مدرس يبلغ من العمر 53 عامًا يعمل في وكالة الغوث (الأونروا) وتهديد بالسجن لسنوات إنْ لم يعطهم كلمة السر لصفحته على الفيسبوك، وقال قررت أن أتركهم وحدهم ليتركوني وحدي، وشخص آخر ضرب واتهم بإساءة استخدام التكنولوجيا لاقتباسه شيئًا من غسان كنفاني (أرض البرتقال).
وبالنتيجة يستنتج شاكر وقال: "جميع السلطات على الأرض تنتهك الحقوق الرقمية كحرية".
ولا يغفل د. عابدين عن ما يحصل في قطاع غزة، باعتقال وإدانة الكثيرين من النشطاء والصحفيين بإساءة استخدام التكنولوجيا، وقال: "أجرى نواب التشريع والإصلاح في قطاع غزة، تعديلاً على قانون العقوبات واستحدثوا نص المادة (262) على قانون العقوبات في قطاع غزة الذي نص "على أن كل من يسيء استخدام التكنولوجيا بقصد إزعاج الغير يعاقب بعقوبة تصل مدتها سنة".
وإزعاج الغير هنا يوضح عابدين بأنه مصطلح فضفاض، ويعني أن تزعج سلطة غزة أو الأجهزة الأمنية الموجودة في قطاع غزة، فتكون هدفًا للعقوبة.
وقال: "نحن وثقنا أيضًا 13 حالة اعتقال لصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان في قطاع غزة على النص المتعلق بإساءة استخدام التكنولوجيا، وبالتالي عندما نتحدث عن تضييق وانتهاك الحريات يجب أن نستذكر قرارًا بقانون الجرائم الإلكترونية وجريمة إساءة استخدام التكنولوجيا في قطاع غزة".
ويستغرب د. عابدين، من أن ما وصفه بهذه الانتكاسة، فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وحرية الوصول إلى الفضاء الإلكتروني بتقديره زادت في الفترة التي انضمت فيها فلسطين للاتفاقيات الدولية، وتصاعدت أكثر من فترة ما قبل الانضمام للاتفاقيات الدولية.
وقال: "إنه بعد انضمامنا للاتفاقيات الدولية، توثيقاتنا تشير إلى زيادة الانتهاكات عن الفترة ما قبل الانضمام للاتفاقيات الدولية، وهو شيء غريب جدًّا، ويطرح تساؤلاً حول المغزى من الانضمام للاتفاقيات الدولية إذا كانت الانتهاكات تتصاعد".
انتهاكات إدارة شركة فيسبوك بحق المحتوى الرقمي الفلسطيني
لكن الرفاعي، يرى أنَّ الانتهاكات لم تتوقف على السلطات والحكومات بأجهزتها الأمنية، وإنما طال ذلك إدارة شركة فيسبوك، وقال: "عندما حصلت هبة عمليات الطعن خلال 2016، أقدمت إدارة فيسبوك على إجراءات وخطوات تضييق كبيرة على المحتوى الفلسطيني، ما دفعنا لتنظيم حملة لمقاطعة الفيسبوك، ما دفع بممثل عن الفيسبوك زيارة فلسطين والاجتماع معنا في رام الله لنتفاهم حول محددات التحريض. واستطعنا معالجة الكثير من قضايا وانتهاكات بالحق في المحتوى الفلسطيني، من بينها استعدنا صفحة حركة فتح التي أغلقها فيسبوك بعد نشرهم لصورة الرئيس أبو عمار وهو حامل السلاح".
انعكاسات قانون الجرائم الإلكترونية على الحرية الرقمية وانتهاكات الحق في حرية التعبير
وينظر د. عابدين، إلى القرار بقانون الجرائم الإلكترونية رقم 16 لسنة 2017 على أنه من أخطر التشريعات التي أقرت في تاريخ السلطة الفلسطينية على الإطلاق، على الحقوق والحريات وبخاصة حرية الرأي والتعبير والحق في الخصوصية والحق في حماية البيانات والحق في الوصول إلى المعلومات.
ويؤكد أنَّ هذا القرار بقانون، يتعارض بشكل صارخ مع الاتفاقيات التي انضمت إليها دولة فلسطين ويتناقض مع المعايير الدولية.
ويقول عابدين: "هذا القرار بقانون تزامن مع انتهاكات خطيرة للحريات الرقمية وبأشكال مختلفة، تمثلت بحملة اعتقالات استهدفت عددًا من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان".
وينتقد عابدين، القانون لجهة استخدامه مصطلحات فضفاضة كنشر معلومات تمس بالنظام العام والآداب العامة وأمن الدولة الداخلي والخارجي وتسيء إلى الأديان وتمس بالسلام الاجتماعي ...إلخ.
وقال: "تستخدم هذه المصطلحات بشكل انتقائي للتضييق على الفضاء الإلكتروني وتنفيذ الاعتقالات التي تحصل على هذا الأساس، كما أنَّ هذا القرار بقانون يضيق بشكل كبير في موضوع مراقبة الاتصالات ويفرض عقوبات وغرامات عالية جدًّا تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامات هائلة واردة في هذا القرار بقانون الذي يتيح إمكانية حجب المواقع الإلكترونية في 24 ساعة، ويتيح للأجهزة استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات ومراقبة الاتصالات والمحتوى الرقمي دون أوامر قضائية".
وأعلن د. عابدين عن فشل المؤسسات القانونية والحقوقية في تعديل القرار بقانون بعد مضي أكثر من سبعة أشهر من إقراره، معربًا عن قلقه من عدم توفر الإرادة السياسية الجادة لتعديله بما ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأعرب عابدين أيضًا عن قلقه من طلب شراء قال إنه: "صدر من وزارة المالية بشراء سيرفرات بما يقدر بـ 8 ملايين دولار، ويعتقد بأن طلب الشراء هذا مرتبط بالمراقبة على المحتوى والنشاط الرقمي، لكنه أكد أنَّ المجتمع لا يمكن أن يقبل سياسة تكميم الأفواه أو أن يضيق عليه في الفضاء الإلكتروني".
مدى التزام فلسطين بمعايير التشريعات الدولية المتعلقة بالنشاط الرقمي
في حين يرى سامر شرقاوي – مشر عام الوحدات في وزارة العدل (وحدة حقوق الإنسان، النوع الاجتماعي، والتخطيط)، أنه من الأولى بأن محتوى الإعلام أو النشاط الرقمي أن يكون موجهًا لأهداف محددة ومبررة في ذلك "لأننا ما زلنا تحت الاحتلال، رغم المنغصات الداخلية التي برأيي لا يجوز أن نتعامل معها على أنها نهج أو قاعدة".
ويؤكد شرقاوي ما التزام الرئيس محمود عباس "أبو مازن" ورئيس الوزراء ووزير العدل بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وقال: "نحن ملتزمون نظريًّا بأنه يجب أن نتواءم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولكن الواقع يقول غير ذلك، في غياب المجلس التشريعي، وأخشى ما أخشاه، أن نرى ممارسات على نهج سنوات سابقة اعتقالات من الطرفين على مواقف إعلامية وسياسية وخصوصًا بعد تصريحات الزهار".
ويؤكد شرقاوي، توفر الإرادة السياسية ممثلة بالرئيس، وبالفريق الوطني لموائمة التشريعات مع المعاهدات والمواثيق الدولية، ولكنه يقول: "يبدو أنَّ هناك الكثير من الأطراف باتت بحاجة إلى تشريعات جديدة، وبالتالي أصبح لدينا سيل من التشريعات ومن الاتجاهات المختلفة وأستطيع القول إنّ هناك صعوبة في عملية ضبط الإيقاع لهذه المسودات والتشريعات، وبالتالي نحن كلنا نعرف ما هي المعايير الدولية والاتفاقيات والمعاهدات".
وأكد الانسجام ما بين الإرادة السياسية ومستوى العلاقة مع الجهات الدولية، لكنه قال: "نسبيًّا نحن لسنا منسجمين مع أنفسنا، نتيجة أنَّ هناك إرادات لها علاقة بالمؤسسات أو الأجهزة التنفيذية لاحتياجات معينة، وبالتالي من السهولة التعاطي أحيانًا مع إجراءات تسهل هذا التنفيذ، رغم أنَّ الأمن وجزئية التواصل معه، كان لديه تقدير موقف عال من المسؤولية حول موضوعة تفعيل الحوار مع المجتمع المدني ونقابة الصحفيين والإعلاميين وما إلى ذلك، حتى نصل إلى صيغة وطنية في التوجه إلى إعداد صيغة تشريعية وطنية للفضاء الإلكتروني".
وبما أنَّ الوضع الداخلي لا يساعد كثيرًا، فإنّ شرقاوي، يؤكد توجه وزارة العدل لمأسسة الفريق الوطني لمواءمة التشريعات، يعد نفسه اليوم ممثلاً لمؤسساته.
لذلك قال شرقاوي: "نراه ينافس بعضه حتى يكون أقرب لمؤسسته من وجهة نظره، بينما المرحلة القادمة سيتم اختيار الأعضاء على أساس الكفاءة والأقرب من حيث خبرته بالقانون الدولي ومقاربات هذه المعايير مع التشريعات الوطنية، ونسعى لأن تكون هذه المؤسسة ممرًا إجباريًّا لأي مسودة أو مشروع قانون، بحيث لا يتم التصديق عليه أو اعتماده من قبل الرئيس إلا باعتماد فريق المواءمة الوطني للتشريعات، من حيث قائمة المعايير المطلوبة مواءمتها لهذا التشريع، مع الخصوصية الفلسطينية مع مراعة القانون الأساسي والاعتبارات الوطنية وهذا مباح ومجاز في الإطار الدولي".
ويؤكد شرقاوي جدية العلاقة مع المجتمع المدني ويعده حدًّا فاصلاً لا قبل مسودة القانون أو الاعتراض عليه، أو ما بعده. وبالتالي التحالفات الإيجابية ما بين جميع الأطراف هو المؤمل عليه أن توصلنا إلى صيغة إيجابية إن كانت تشريعية أو متوافقات من حيث الإجراءات المنظمة بعلاقاتها مع مجتمع مدني وحكومة ومؤسسات إعلام وما إلى ذلك.
وحث شرقاوي، المجتمع المدني، لأن يغير ويبدل بأساليبه وأدواته وألا يتمترس وراء فكرته أو القيم التي يتبناها، لصالح صنع سياسات تساعد الحكومة وتحديدًا في المجال التشريعي.
لكن يبقى سؤال الرفاعي، للشرقاوي ماثلاً وقائمًا: "في ظل الصورة الإيجابية والوردية التي تطرحها بخصوص التعامل مع الشباب النشطاء على الساحة الفلسطينية، أين دوركم في التعامل معنا من أجل الحفاظ على المحتوى الفلسطيني في ظل هجمة الاحتلال على منصات التواصل الاجتماعي؟؟".