السبت  20 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جمعة الناجي.. الحضور الهادئ والقوي/ بقلم: نبيل عمرو

2018-03-10 10:04:54 AM
جمعة الناجي.. الحضور الهادئ والقوي/ بقلم: نبيل عمرو
د. نبيل عمرو

 

لم يكن عاشقاً للكاميرا، ولا مولعاً بعناوين الصحف، وقلما قرأنا خبراً عنه، مع أنه كان منذ البداية وحتى النهاية في قلب الحدث.

ما من موقع خطر في المسيرة الخطرة إلا وكان في قلبه، وما من مهمة استنكف كثيرون عن أداءها، الا وكان سباقا في التطوع لها، وكما كان يقول لي في لقاءاتنا المستمرة .. لا أعرف كيف سيموت من مرّ بهذه الاهوال جميعا... ونجا .
لقد نجا جمعة من الاهوال الا انه مات أخيراً على سرير المرض في العقد السابع من عمره.
حين كبر سناً ولم يعد منطقياً مواصلته حمل البندقية، تم اختياره سفيراً لتمثيل فلسطين في أخطر بقعة على وجه الارض... أفغانستان.
حين كان سفيرا هناك، كنت على الطرف الآخر من ذلك المكان، وكنت على اتصال دائم معه، كانت العاصمة كابول حيث يقيم ويعمل مسرحاً لفوضى اللاسلطة، لم يكن في تلك المدينة قواعد تعمل لحماية الديبلوماسيين، سألته كيف تعمل؟ وكيف تدبر أمورك في بلد الاشتباك المسلح فيه هو القاعدة، والهدوء العابر هو الاستثناء.
قال لي وأنا اعرف مدى صدقه في كل ما يقول، صدقني إنني أشعر بمتعة في العمل هنا. الفوضى الامنية التي يعاني منها الجميع لا تعني شيئاً أمام الحب الجارف الذي يكنّه الافغان جميعا لفلسطين والقدس، وأن تشعر بأنك تخدم قضيتك في بلادٍ خطرة فهذا يملأ قلبك رضاً عن النفس.
آخر مرة التقيته وقضيت معه ساعات، كان قبل سنوات قليلة في تونس، كان اسم أبو الناجي يتردد كل يوم كعنوان شعبي لفلسطين، لا يوجد تونسي يتعاطى السياسة إلا وله صلة بأبو الناجي، كان قد بلغ سن التقاعد، وأسرته تقيم في القاهرة ، سألته مازحاً .. ما الذي يبقيك في تونس وقدد أحلت الى التقاعد؟ هل هنالك أمراً خافياً لا تحب ان يعرفه ناجي ولا والدته ؟؟
ارتسمت على وجهه ضحكة طفولية مألوفة عنه وقال.. خلال عملي في الدائرة السياسية نسجت علاقات واسعة مع اقطاب الحياة السياسية في تونس، ليس في العاصمة فقط وانما في كل الولايات. التقاعد هو انهاء علاقة ادارية لكنه ابداً لا ينهي شبكة العلاقات الكفاحية التي تعبت عليها وعملت من أجلها لهذا بقيت في تونس،الاسرة تتفهم وضعي، أذهب اليها او تأتي إلي، وهكذا كانت حياتي منذ البداية.
كان حضوره هادئاً والحديث معه بسيط وسلس، غير أن غيابه بدا لي عميقاً وشديد الايلام، هذا النوع من الرجال هم بناة الحالة الفلسطينية المشرقة، وهم أرباب العطاء دون التفكير في الاخذ ، وفي هذا الزمن الذي نعاني فيه ما نعاني لابد وأن نفتقد جمعة الناجي ولا أحب القول لأن أمثاله قليلون.