الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيري والأمن المطاط

مقال رئيس مجلس الإدارة

2013-12-10 00:00:00
كيري والأمن المطاط
صورة ارشيفية

سامي سرحان

أمن إسرائيل، عبارة عامة مطاطة غامضة تتسع لتشمل الأمن من قنبلة نووية إيرانية مفترضة أو باكستانية محاصرة، وتتقلص لتطارد مواطناً فلسطينياً يتفيأ شجرة زيتونه بالقرب من مستوطنة زرعت في قلب أرضه المصادرة. وهكذا وجدنا إسرائيل منذ عشرات السني تطالب بـ “حدود آمنة يمكن الدفاع عنها”، ولم تحدد هذه الحدود حتى اليوم، وفي ذهن يمينها المتطرف وساستها الذين يديرون دفة الحكم مقولتهم المشهورة “حدودك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل” و “حدودك يا إسرائيل حيث يصل جيش الدفاع”. 

وعلى الأرض الفلسطينية يعلن جيس الاحتلال منطقة ما منطقة عسكرية يصادرها من ملاكها بأمر عسكري ما يلبث أن يتركها للمستوطنين يقيمون عليها بؤرة استيطانية ثم مستوطنة ثم يفرض لها حيزاً أمنياً ويربطها بطرق سريعة تقطع أوصال الأرض الفلسطينية، وهكذا دواليك.

واليوم يقع السيد جون كيري في الفخ الإسرائيلي راغباً أو مرغماً بقبوله الترتيبات الامنية المقترحة من إسرائيل بعد “إقامة الدولة الفلسطينية” منزوعة الأرض والحدود والسيادة. ومن هذه الترتيبات وجود طويل الأمد لإسرائيل في غور الأردن وكذلك بضرورة وجود عسكري إسرائيلي، بمعنى آخر؛ دوام احتلال غور الأردن عسكرياً ودوام زرع المستوطنات فيه، واستغلال أرضه ومياهه واستمرار انتزاعهما من المواطن الفلسطيني، ويتبع ذلك السيطرة التامة على الطرقات الرابطة بين غور الأردن وإسرائيل التي تقطع أوصال الضفة أفقياً وعمودياً، أي أن مد وقرى الضفة وسكانها سيعيشون في معازل كالتي فرضها النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا على مواطني البلد الأصليين. 

لكن كيري الذي يوافق على الترتيبات الأمنية عندنا، يتذكر نيلسون مانديلا يوم وفاته فيدعو الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الاقتداء بنيلسون مانديلا لتسوية نزاعهم الممتد منذ عقود تجاوزت قرناً من الزمن. وهكذا يعترف كيري والأوروبيون من قبله أن مانديلا قد لقنهم درساً أساسياً في المصالحة والتسامح والتحول الاجتماعي. مانديلا الحائز على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع دوكليرك كما ياسر عرفات الحائز على جائزة نوبل للسلام مع رابين وبيريس، استجاب له العالم فحاصر النظام العنصري وأجبره على الرضوخ لمنطق مانديلا. وللأسف تنكر العالم لمنطق ياسر عرفات وأسقط من يده غصن الزيتون وهو الذي أقدم على خطوة تاريخية في التسامح والمصالحة والاعتراف بالآخر المغتصب للأرض والهوية الفلسطينية.

إن امتهان كرامة الإنسان الفلسطيني وحرمانه من أبسط حقوقه الأساسية في الحرية وتقرير المصير وابتعاد الأمل بدولة فلسطينية مستقلة له، وفي ظل إطالة أمد الاحتلال من خلال ترتيبات أمنية، يشيع المرارة والحقد، ويدفع للمقاومة والصمود، وهو الرد الذي يستعيد به الشعب الفلسطيني حقه في الحياة وفي المستقبل.

إن اليمين الإسرائيلي الذي يهيمن على الحكم في إسرائيل ويفرض أجندته على الإدارة الأمريكية يعيد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلى بداياته. ويضعنا أمام معادلة صفرية “إما نحن وإما هم”. لذلك، نجد في إسرائيل ممن شغلوا أعلى المناصب القيادية الأمنية والعسكرية من بات يدرك أن عدم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي له أهمية وجودية أكثر لإسرائيل من النووي الإيراني، ويطالب بدولة لا تحتل شعباً آخر، ولها حدود واضحة المعالم. لكن كيري لا يسمع لأمثال هؤلاء ولا لصوت العقل في الجانب الفلسطيني