الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عندما تأخذ مسيرة العودة نتنياهو لحرب مع إيران

2018-05-03 05:36:43 AM
عندما تأخذ مسيرة العودة نتنياهو لحرب مع إيران
نتنياهو أثناء عرض الوثائق الإيرانية التي سرقها الموساد (صورة: Getty)

 

الحدث ـ محمد بدر

بعد مؤتمر نتنياهو "الخطير" عن النووي الإيراني، كانت أكثر الأسئلة إلحاحا تتمثل في: هل يتم التعامل مع الوثائق السرية بهذه الطريقة التدريسية التمثيلية، وبهذا "الشو" الإعلامي؟ صحفيون كبار في إسرائيل وصفوا نتنياهو بالمتهور وبعضهم رأى أنه شخص يحب الظهور والإفتخار بإنجازاته وهذه الصفات ليست صفات القادة بكل الأحوال، فهل فعلا نتنياهو هكذا؟ أم أن هناك سرا وراء هذا التوقيت في الظهور، وسرا وراء الظهور نفسه؟

في 15 من الشهر الجاري، من المقرر أن تصل فعاليات مسيرة العودة لذروتها من خلال الفعالية الرئيسية، والتي لم يتحدد شكل نهايتها بالنسبة للإسرائيليين جيدا، وستكون بمثابة اختبار كبير لإسرائيل وللفلسطينيين في قطاع غزة ولحركة حماس حاكمة القطاع.

ومن المهم قراءة سياق خلفيات الأحداث منذ انطلاق المسيرة وحتى اليوم:

أولا: إسرائيل تواجه يوميا الرأي العام العالمي، بسبب ما ترتكبه من جرائم على طول الحدود مع قطاع غزة، واستهدافها للصحفيين والأطفال وغيرهم من شرائح المجتمع الغزي. المفكرون الإستراتيجيون في إسرائيل بدأوا يدقون ناقوس الخطر أمام الحكومة الإسرائيلية، وأصبحنا نقرأ بشكل يومي مقالات ودراسات عن انتصار "رواية حماس" في العالم، وفقدان إسرائيل لمعيار"التفوق الأخلاقي" أمام حماس وهو أمر خطير بالنسبة لإسرائيل، وذلك لأن إسرائيل تعتبر أن المصدر الأهم في معايير الدعم الغربي لها هو ترويجها الأخلاقي لذاتها، كحالة حضارية وسط محيط بربري شرقي، وإسرائيل مع مسيرة العودة أصبحت عنوانا مهما لاستهداف العزل والتظاهر السلمي، وهو الأمر الذي لا تريد أن تظهر به، وتحاول الحفاظ على صورة "ليبرالية ديمقراطية" أمام المجتمعات الغربية وحكوماتها.

ثانيا: كل محاولات إسرائيل للتنصل من مسؤولياتها من قطاع غزة، ابتداء من الانسحاب الشهير في عام 2005 وحتى محاولاتها الأخيرة لتحميل السلطة المسؤولية القانونية والأخلاقية والسياسية لما يجري هناك من مأساة إنسانية سببها الحصار، لم تنجح ولم تؤت ثمارها، وأعادت غزة نفسها للميزان الدولي كضحية مستمرة لإسرائيل، كما وأن إسرائيل تنظر بخطورة شديدة للأساطيل التي بدأت بعض الأطراف في الدول الأوروبية الإعلان عنها لفك حصار غزة، لأن هذه الأساطيل قد تكلف إسرائيل علاقات دولية سيئة كما حدث مع تركيا، وقد تكلفها صورة دولية سيئة كقاطعة طريق في عرض البحر. وبكل الأحوال؛ لا تريد إسرائيل أن تظهر بمظهر "مافيا العالم" لا من خلال استهدافها للمتظاهرين ولا من خلال استهدافها لأي محاولة لفك الحصار عن غزة.

ثالثا: على المستوى الإستراتيجي، فإن إسرائيل تخشى من فكرة "مسيرة العودة" لأنها تشكل خطر وجودي وقانوني على إسرائيل، إن تطبيق الفكرة على حدود لبنان أو سوريا، والأدرن في أسوء الأحوال (بالنسبة لإسرائيل)، يعني أن إسرائيل ستصبح مطوقة بمد بشري من الشمال والجنوب، وكل العوامل تساعد لتطبيق فكرة كهذه، خاصة مع التضييق على اللاجئ الفلسطيني في لبنان، والواقع البائس الذي سببته الحرب في سوريا، وتردي الأوضاع الأمني في هذه البلدان ما يسمح بالخروج عن الضمني، وفي ظل يأس اللاجئين من العودة من خلال مشاريع سياسية، وكذلك الحديث عن صفقة القرن. في حالة كهذه ستصبح قضية اللاجئين قضية العالم وقراراته والقضية الأكثر إرباكا لإسرائيل.

هذا الواقع الكامن الخطير، دفع إسرائيل للذهاب لمواجهة أكبر، للتقليل من شأن المواجهة الأخطر، ولهذه الأسباب يمكن تفسير مسرحية نتنياهو عن البرنامج النووي الإيراني، ضمن هذه النقاط:

أولا: نتنياهو ومن خلفه إسرائيل يريدون الظهور بمظهر الضحية من جديد، والضخ الإعلامي الكثيف حتى في الصحف الغربية، هو جزء من بربوغاندا إسرائيلية لقتل التفكير العالمي بمسيرة العودة، وأيضا لإظهار إسرائيل كحامية المشروع الحضاري الغربي من الراديكالية الإسلامية "المتطرفة" المتمثلة بإيران. فقد كان يمكن لنتنياهو أن يسلم هذه الوثائق لقادة الدول أو للجهات المختصة للإطلاع عليها والعمل على أساسها، لكنه أراد أن يخرج بمؤتمر صحفي يطبق من خلاله على المجال العام العالمي بقضية الوثائق، وبذلك تختفي كل القضايا الأخرى. لقد تجاوز نتنياهو الخطوط الحمراء المعمول بها إسرائيليا في التعامل مع هكذا قضايا، من أجل أن تصبح قضية إيران وإسرائيل طعام وشراب الإعلام الغربي والعربي والعالمي وكذلك الرأي العام، على حساب مسيرة العودة وارتداداتها ونتائجها الدموية.

ثانيا: رسالة نتنياهو للفلسطينيين، كرسالة ضباط المخابرات للمضربين عن الطعام، الذين أشرنا إليهم في بداية التحليل، وكأنه يريد أن يقول إن المعركة أكبر من عدة شهداء وعشرات الجرحى على الحدود، وأكبر من قضية فعاليات على الحدود، والحقيقة أن المسألة ليست كذلك تماما. نتنياهو يريد الهرب من هؤلاء المتظاهرين لتظاهرة إقليمية عالمية عنوانها "إسرائيل ــ إيران".

ثالثا: إسرائيل منذ فترة طويلة لم تخض حربا ضد دولة، وشيئا فشيئا بدأت تترسخ صورة إسرائيل التي تقاتل جماعات وأفراد؛ في مسيرة العودة على الأقل ظهرت إسرائيل وهي تقاتل أطفالا وكاميرا، الأمر الذي ينعكس على هيبتها وكذلك على  الصورة النمطية عن تجربتها في القتال المنظم، وبالفعل فإن إسرائيل معنية بحرب مع دولة كإيران، لأنها تريد أن تحقق انتصارا يصبح تجربة تاريخية للكثير من الدول والكيانات، ورسالة للمستقبل لكثير من الدول، خاصة وأن احتمالية تغير بعض الأنظمة احتمال قائم بعد موجة الربيع العربي، فبالتالي فإن إسرائيل تريد أن تخلّد رسالة للأنظمة والدول على اختلاف أشكالها وأيديولوجياتها.

رابعا: إسرائيل تريد أن تعلن للعالم عن "حربها العادلة" لإحقاق الحق العالمي ضد التجاوز الإيراني، الحرب العادلة أكثر المفاهيم التي اختفت وتحاول إسرائيل إحيائها في ذاتها اللاعادلة، وتعود إسرائيل بحلة المقاتل العادل على كل الجبهات من خلال مواجهة إيران وصولا للفلسطيني الأعزل.

خامسا: وفي النهاية فإن إسرائيل ستحاول تكثيف ضرباتها ضد مصالح إيران نوعا وكما، في سبيل الوصول لمواجهة عسكرية ولو محدودة، قد تعالج خطرا بدأ يداهم إسرائيل وتسكته، وقبل تاريخ 15 الشهر الجاري ليس من صالح إيران أن ترد وأن تفتح مواجهة، لأن هذا التاريخ بالنسبة للإسرائيليين محرج ومؤلم وغير متوقع ومضر، ولكن إسرائيل ستحاول جر إيران لمواجهة ولو لأيام على الحدود، وقد يبدو هذا الربط غريبا، وقد يقول قائل إن مسيرة العودة لا شيء أمام مواجهة مع إيران بالنسبة لإسرائيل، والإجابة إن هذا السؤال المحبط هو ما تريد إسرائيل أن نعتقد به، إن مسيرة العودة بالنسبة لإسرائيل خطر وجودي على "إسرائيل الدولة"، بينما إيران بحكم أنها دولة فلا يمكن لها أن تحقق خطرا وجوديا على إسرائيل بالمعنى المباشر وبالشكل المباشر، الوجود الإيراني في سوريا هو خطر وجودي على اعتداءات إسرائيل المتوقعة منذ عشرات السنوات على منشئات إيران النووية، وليس على إسرائيل الدولة.