السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل نصوم أو نتظاهر بالصيام/ بقلم: رانية غوشة

2018-05-08 12:18:12 PM
هل نصوم أو نتظاهر بالصيام/ بقلم: رانية غوشة
رانية غوشة

 

كم منا نظر إلى كوب قهوته الصباحية اليوم يرتشفها ويتحسر على مفارقتها بعد أسبوع لشهر كامل؟ كم منا أعد مائدة إفطاره الصباحي يتغزل بالجبنة والزعتر وكأس الشاي بالنعناع ويسلم على فطوره الصباحي بلوعة الفراق لشهر؟

كم منا أصبح يدخن ضعفا من السجائر اللعينة تعويضا عما سيفوته في سويعات الصيام وكأنه يعد مخزونا من النيكوتين استحياطا ؟

نعم أنا أرتشف أكواب الماء وأتساءل كما سيكون صعبا غيابها عني نهارا؟

هل منا من يستطيع أن يفارق هذه المتع المادية من طعام ومتع أخرى لست بصدد ذكرها الآن ولكنكم طبعا تعرفونها ...

لماذا هذا الشعور بالحزن والفراق والرهبة والخوف الذي ينتابنا قبل رمضان؟

هل هذا هو المقصد من شهر الصيام؟

هل هو كما نقنع أنفسنا شعورا مع الفقراء والمحرومين ونقنع أولادنا الصغار بهذا - كما تعلمون فهذا النقاش مستبعد عن أولادنا الكبار، فهو لا يرقى إلى قناعاتهم المختلفة.

وهل نحن في توافق مع أنفسنا عندما ينتهي شعورنا مع الفقراء والمحتاجين لحظة انطلاق مدفع الإفطار وحتى قبل الآذان؟ سفر مليئة ممتلئة تلتهمها معداتنا بدقائق معدودة نقضي ساعات في إعدادها وتجميلها ووضع إضافات عليها لا تخطر حتى ببالنا في الأيام العادية ونقنع أنفسنا أننا صيام.

نعم أعتقد أننا متظاهرون بالصيام، فليس المتظاهر بالصيام من يقول لك إنه صائم ويأكل خلف الأبواب، بل هو أقرب إلى ما نحن عليه.

لقد فقدنا في غمرة استعباد شهواتنا المادية لنا المعنى الحقيقي أو حتى محاولة البحث عن هذا المعنى الحقيقي للصيام.

"ولعلكم تشكرون" هذا ما وعدنا رب العباد في آية الصيام. هل نشكر على حرماننا من هذه المتع أم نشكر على تذوقنا متعا نحرم أنفسنا من مجرد التفكير بها. ألا نحاول استبدال هذه المتع المادية الفانية بمتع روحانية؟ ألا نتذوق لذة الإيمان بمعزل عن الملذات الفانية؟

هل نكرس دقائق وسويعات تأملية في هذا الكون وأننا مغادرون وبأي حال مغادرون؟

هل نتكرم على أنفسنا بأن نعيش متجردين ونقارب طبيعتنا الإنسانية دون تجميل أو تكذيب؟

هل نسمح لخلايا أجسادنا بالتمتع بنعم معنوية لا مادية فانية؟ نعاند أنفسنا ونعاند كل حقيقة مادية تؤكد على أهمية الصيام لسعادة خلايا أجسادنا كما يسميها البعض بتجرد من أي معنى ديني عملية "ديتوكس"؟

هل نتنازل عن إدماننا الجدي بالعمل لنغرق متأملين جمال سورة يوسف ومريم وإبراهيم عليهم السلام وتعشق آذاننا صوت عبد الباسط رحمه الله في سورة البقرة؟

ألا نمتع عضلاتنا في سجود وركوع وتقرب بدل أن نلهث على أجهزة تنحيف نخسرها بإصبع تويكس تذهب لذته بكوب ماء؟

ألسنا أكثر إقناعا لأبنائنا كبارا وصغارا بأن الصيام أكثر من حرمان من متع لسويعات تنتهي بمائدة تكذب كل ادعاءاتنا؟

 

بلغنا الله وإياكم هذا الشهر الكريم، وأعاننا على تذوق متعه الروحانية وأن نغرق في جمال هذه الأيام العزيزة، وأن نأنس لقربنا من ربنا عز وجل وأن ندعو وندعو وندعو أن تبلغنا رحمته ومغفرته وان نكون من عتقائه ورفقاء أنبيائه في فردوس النعيم.