السبت  04 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل تبايع حماس "داعش"؟! بقلم: أنور الخطيب

2014-12-09 06:53:43 AM
هل تبايع حماس
صورة ارشيفية

 هذا العنوان سيرٌ في حقل ألغام، كالألغام المزروعة في المنطقة العربية ولا يعرف أحد متى تنفجر، كمحاولة فهم ما يجري في المنطقة، ضمن التحالفات المنطقية وغير المنطقية بين القوى اللاعبة على المسرح العربي، وهو مسرح أقل ما يمكن وصفه بأنه عبثي بامتياز مع سبق الإصرار والترصّد، ولكن يمكن وصفه أيضا بالسوريالي، وفي أحسن الأحوال بالضبابي. ومحاولة الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، كأن تكون بنعم أو بلا، شأنها شأن محاولة توصيف المشهد في المنطقة العربية. هذا المشهد المعقّد، أو الذي أرادوه معقداً، في إطار تنفيذ سياسات يراها البعض شيطانية، ويراها آخرون سياسات خلاص من الاستبداد. وبين الشيطنة والاستبداد شعرة قذرة يتم (تسريحها) وتجديلها في مطابخ ليست في البيوت العربية.

حركة حماس حركة مقاومة فلسطينية، هكذا توصّف نفسها، إلا أنها أيضا، حركة إسلامية بامتياز، وخطاباتها المعلنة لا تظهر تعارضا بين الوطني والإسلامي، كما تفعل خطابات المتطرفين الإسلاميين الذين يرون أن الجهاد الحقيقي يكون في سبيل الله، وليس في سبيل الوطن، ولهذا، ينظر بعض المتطرفين إلى حركة حماس على أنها ليست حركة إسلامية إلا إذا أعلنت ولاءها للتيارات السائدة حاليا؛ كجبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي بات يعرف اختصاراً بـ"داعش". وهذا الإعلان ليس هيّنا على حركة مثل "حماس"، التي تعمل على أرض فلسطينية، وتواجه عدواً تاريخياً ومصيرياً، والصراع معه صراع وجود وليس صراع حدود. ثم أن الحركات الإسلامية المتطرفة (وقد أدرجتها دول كثيرة على لائحة الإرهاب)، يخلو خطابها الديني والسياسي والعسكري من أي عداء للكيان الصهيوني، وهذه النقطة هي خط أحمر عند معظم الفلسطينيين، الذين يرون في الكيان عدواً، ولا بد من الجهاد ضده، ويرون أنه جهاد مشروع لاسترداد الأرض. الأرض التي ينظر إليها فكر (جبهة النصرة وداعش والحركات الأخرى) على أنه يمكن الهجرة منها والالتحاق بـ(المجاهدين)، الذين يعتبرون الكرة الأرضية كلها هي أرض المسلمين.

حركة حماس الفلسطينية، التي تؤمن بفكر إسلامي، تحاول المزاوجة بين الوطني والديني، لكنها انحازت إلى الجانب الإسلامي عندما فاز د. محمد مرسي بكرسي الرئاسة في مصر، ولم تتصرف بحيادية ودبلوماسية، ولم يخف السيد إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فرحته الكبيرة بذاك الفوز، واعتبره ، أي الفوز، آية من آيات الله، بل إن السيد هنية شبّه دخول د. مرسي إلى السجن، بدخول سيدنا يوسف "عليه السلام"، وقد قال لحشد جماهيري في غزة في شهر حزيران/ يونيو 2012 بالحرف الواحد: (كانت باسم الله مجراها، وباسم الله مرساها، ورست على مرسي الآن.. وانتخاب د. مرسي من الآيات الربانية .. انتخاب الأخ الدكتور محمد مرسي في ليلة الإسراء والمعراج.. وهي بشارة خير للقدس والأقصى وللمرابطين في بيت المقدس.. وعجباً لأمر سجون مصر، دخلها سيدنا يوسف عليه السلام، وسجن فيها بضع سنين، ثم خرج منها عزيزاً ولمصر ملكا.. وأدخل فيها مرسي، وخرج لمصر عزيزيا ورئيسا فيها... المستقبل هو لنا.. وهو محجوز للإسلام والمسلمين ولهذه الأمة..)، وقراءة هذا التصريح بعمق تجعل حركة حماس تلتحق بوضوح بالإخوان المسلمين.

ومنذ لحظة وصول الدكتور محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة في مصر،  توطدت العلاقة مع حركة حماس، أو لنقل كشفت عن عراها المتينة، وقام السيد هنية في شهر تموز/يوليو بزيارة إلى مكتب الإرشاد التابع لحركة الإخوان المسلمين في المقطم في مصر، بهدف لقاء المرشد العام للأخوان محمد بديع. ثم أعلن السيد هنية بعد لقائه بالدكتور مرسي مجموعة من (البشائر) لمواطني القطاع، تتعلق بفتح المعابر والكهرباء والغاز، ومن بينها أيضا أنه تم الاتفاق على زيادة عدد الشاحنات الحاملة للوقود القطري من 6 إلي 10 شاحنات يوميا إلى قطاع غزة، وكذلك موضوع القنصلية المصرية المغلقة في غزة وغيرها، الأمر الذي أوحى بأن غزة عادت للحضن المصري، ولكن ليس من باب عودة القضية الفلسطينية إلى الأولوية المصرية في عهد الدكتور مرسي، ولكن من باب (الأخوة الإسلامية)، وهذه الأخوة انعكست على خريطة الصراع في سوريا، إذ أخرج النظام السوري قيادات من حركة حماس، وتوجهت إلى قطر، وأصبحت حماس في الخندق الذي يسعى إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، إلا أن حركة حماس لم تعلق على تصريحات الرئيس السابق محمد مرسي حين أعلن في شهر حزيران/ يونيو 2012 أمام آلاف المصريين قطع العلاقات مع النظام السوري، بما في ذلك إغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، وطالب مجلس الأمن الدولي بفرض حظر جوي فوق سوريا (وهذا ما يطالب به الآن الرئيس التركي أردوغان، الذي ربطته علاقات متينة مع الرئيس السابق محمد مرسي ويراوغ في علاقته بالتنظيمات الإسلامية)، ودعا الدكتور مرسي في ذلك اليوم إلى الجهاد ضد الرئيس السوري (غير الشرعي). وخلاصة القول في هذا السياق أن المعارك التي دارت في مخيم اليرموك في سوريا لا تزال غامضة، وقد أدت إلى تدمير المخيم بالكامل وتشريد سكانه وقتل وجرح المئات منهم، بل إنه حدث اقتتال بين الفلسطينيين داخل المخيم. 

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن ردة فعل المناصرين لحركة حماس في لبنان على تصريحات سالم زهران، مدير مركز الارتكاز الإعلامي في بيروت، التي حذر فيها من قيام حركة حماس بلعب دور في لبنان يشبه الدور الذي قامت به في سوريا، ردة الفعل تلك كانت خطيرة للغاية، حيث هاجموا سالم زهران ومن يقف خلفه أي (حزب الله)، ومن المعروف أن حزب الله يقاتل إلى جانب النظام السوري في لبنان. رغم أن السيد زهران كان واضحاً، وطالب بإخراج فضل شاكر ومعه عدد من المتطرفين المطلوبين للدولة اللبنانية.  

وعودة إلى علاقة الرئيس مرسي بحركة حماس، لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس مرسي عندما عزل من منصبه واستلم الرئيس عبد الفتاح السيسي مكانه، نشط تنظيم أنصار بيت المقدس وشن هجمات ضد الجيش المصري في سيناء، وقال الدكتور مرسي من سجنه، أنه يستطيع إيقاف تلك الهجمات خلال يوم واحد إذا ما عاد إلى الحكم. ولم يعد الدكتور مرسي، وقبل فترة أعلن تنظيم بيت المقدس مبايعته لـ"داعش". ولا بد من الإشارة السريعة إلى أن الإعلام المصري اتهم حركة حماس بمساعدتها لأنصار بيت المقدس، الذين يطلقون على أنفسهم (ولاية سيناء)، في إطار خلافة أبو بكر البغدادي.

قبل أيام قليلة، نشرت صحيفة الحدث الفلسطينية تحقيقا أشارت فيه إلى وجود علم "داعش" في غزة في أكثر من مكان، وأن "داعش" أصدر بيانا ضد عدد من المثقفين الفلسطينيين اتهمهم بالردة ونعتهم بأوصاف قبيحة، ويقول التحقيق أن حركة حماس لم تتحرك لمنع هذا الأمر.

هل تبايع حماس "داعش"، في الأيام القادمة؟

سؤال يقفز كاللعنة في نظر البعض، وكالبشارة في نظر البعض الآخر، حتى وإن كانوا قلة، لكن إذا ما حدث هذا، فإن غزة ستتحول إلى سوريا جديدة، أو ليبيا جديدة، والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني سيكون دمويا، وربما يتدخل الجيش المصري لحماية أراضيه، خاصة أن محكمة مصرية اصدرت حكما يعتبر "داعش" منظمة إرهابية"، ومن غير المؤكد ردة الفعل الإسرائيلية على تلك المبايعة الافتراضية حتى الآن، فالجيش الإسرائيلي يدعم (المجاهدين) في سوريا، وتقول بعض التقارير أنه يجهزهم ويسهل تحركاتهم للوصول إلى منطقة (شبعا) في جنوب لبنان، إمعانا في نشر الاقتتال المذهبي، ونشر الفوضى في المنطقة، ناهيك عن استقبال جرحاهم في مستشفياته.

ويبقى السؤال مطروحاً بقوة، خاصة إذا لم تنجح المصالحة الحقيقية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ويتم ترجمتها على الأرض بشكل فعلي، على الرغم من أن هذه المصالحة لن تكون كفيلة بمنع ظهور "داعش" في غزة. وفي حالة ظهورها سيتم إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد، وستعود القضية الفلسطينية إلى نقطة الصفر.