الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عُقودٌ من القَلَقِ والاكتئاب.. فهل نحنُ مجتمعاتٌ قَلِقَة؟!

بقلم: رائـــد دحبـور

2018-08-24 05:52:23 PM
عُقودٌ من القَلَقِ والاكتئاب.. فهل نحنُ مجتمعاتٌ قَلِقَة؟!

ما هو القلَق ؟.. وكيف ينشأُ مُسَلْسلُ القلَقِ، وكيف يَسْتَبِدُ بالشَّخصيَّةِ القَلِقَةِ ؟.. وما هي إجراءَاتُ وقف مسلسل القلق، والتحرر من عبوديَّة العواطف المتطرِّفة ؟.

على اعتبار أنَّ المجتمع – وفق أحد التعريفات الجزئيَّة لعلم الاجتماع الحديث – هو نسيج عضوي من الأفراد ومن منظومة العلائق والصِّلات الاجتماعيَّة البنيويَّة التَّفاعليَّة المختلفة والمتعددة المظاهر بينهم؛ فإنَّ تشخيص ظاهرة القلق بكونها ظاهرةً وسِمَةً فرديَّة لا ينفي أنَّها قد تطبع شخصيَّات المجتمعات الكليَّة أو الجمعيَّة بآثارها وتداعياتِها.

وإذا كانَ جُملَةٌ من الباحثين في مجال علوم النَّفس والباحثين في مجال العلوم الاجتماعيَّة؛ قد وصفوا القرن الماضي – القرن العشرين – عالميَّاً بِقَرْنِ القلق؛ فإنُّهم يصفون هذا القرن الَّذي نحنُ فيه الآن – بِقْرنِ الاكتِئاب الَّذي قاد إليه قلقُ القرن العشرين الَّذي مضى زمنيَّاً لكنَّ ظلاله الثَّقيلة المتمثِّلة بالأزمات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والسِّياسيَّة لم تَزَلْ ماثلَةً حاضرة في كثيرٍ من سياقات الحاضر الرَّاهن، كما المستقبل !!.

ولإنْ كانت كثيرٌ من المجتمعات على مستوى قارَّات العالم الخمس قد تجاوزت محنة القلق الجَمْعِيِّ والنَّخبوي حول راهنِها ومستقبلها ومصائِرها – وإنْ بقيتْ مشكلة القلق على المستوى الشَّخصي قائمة فيها وسمةً من سمات الحياة المعاصرة - إلَّا أنَّنا وكجزءٍ من المجتمعات الشَّرقيَّة، ونحن العرب والفلسطينيين بشكلٍ خاص – ما زلنا ضحايا القلق الشَّخصي والجمعي في آنٍ معاً، وضحايا القلق من الحاضر وعلى المستقبل على حدٍّ سواء. 

ولكن، كَيْفَ ينشأُ مُسَلْسَلُ القلَقِ وصولاً إلى تصنيف الشَّخصِيَّةُ بالشَّخصيَّة الْقَلِقَة، ومن ثمَّ تصنيف المجتمعات كمجتمعات قلقة؛ وكيْفَ تَنمو تلك الشَّخصيَّةِ في بنياننا الشُّعورِي والإدراكي؛ وتَسْتَبِدُّ ببنيانِنا العاطفي؛ مِمَّا يجعَلُ مِنَّا ضحايا للقلق المُزْمِن وللأرَق المَرَضي؛ وعبيداً للعواطفِ والأفكارِ المُسْتَنِدة إلى المشاعر المُتَطرِّفة في سياقِ نَظْرَتِنا ومواقِفِنَا وتقييمِنا لِمُجْرَياتِ حياتِنا الشَّخْصِيَّة وللحياةِ بشكلٍ عام ؟!.

إنَّ حالة القلق المُزْمِن تنشأ  - بالإجمالِ – نتيجةً لسيطرة المشاعِر والأحاسيس الدَّاخليَّة على آليَّةِ واتِّجاهات التفكير المنطقي، ولا شكَّ أنَّ وسائل التربيَّة والبيئة التربويَّة الاجتماعيَّة بوجهٍ عام، إضافةً إلى القابليَّة الشخصيَّة المتعلِّقة بالسِّمات الشخصيَّة الانفعاليَّة ذات صلة وثيقة بولادة ونمو تلك المشاع؛ حيث تمثِّلُ تلك المشاعرُ قاعدةً لتوليدِ الأفكار القَلِقَةِ وتَسْبِقُها وتقومُ بتوليدها وإعادة إنتاجها من جديد في مسلسلٍ لا تنتهي حلقاته؛ والَّتي ما أنْ تكادُ تنتهي حتَّى تبدأ من جديد.

 إنَّ فهمَ المشكلةِ – أيَّ مشكلةٍ كانت – والإحاطة بأسبابها الجوهريَّة وبدواعيها المُخْتَلِفة يُمثِّلُ أكثر من نصف الحل؛ ويفتحُ المجالَ واسعاً لعلاجها، وإذْ ذاك؛ فإنَّه ينبغي التَّدقيق جيداً بأسباب وبتفاصيل مشكلة القلق العميق المُزْمِن وفهمها على الوجه الصَّحيح؛ وذلك يمثِّلُ أكثر من خطوة واحدة؛ بل يمثِّلُ العديدَ من الخُطوات في سبيلِ علاجها.

تَفِرِضُ علينا ظروف الحياة وتحدِّياتِها بشكلٍ عام؛ وظروفنا الشَّخصيَّةِ أحياناَ على وجه الخُصوص؛ ومُقْتَضياتِ وشروط الحياة المدنيَّة الحديثة؛ ومُتَطَلَّباتها الكثيرة وتوفيرِ احتياجاتها المُتَعدِّدة؛ مستَوَياتٍ مُتفاوِتَةٍ من الضُّغوط الماديَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة، وتفرض استجابات انفعاليَّة وعاطفيَّة متفاوتة وحدِّيَّة أحياناً. وتأتي ضغوط العمل وتحدِّياته وتوفير شروط الحياة الكريمة في ظل طغيان الأنماط الاستهلاكيَّة الحديثة – على سبيل المثال - في سياق تلك الضُّغوط؛ مِمَّا يتخِذُ مظاهرَ متَعَدِّدةٍ من الضُّغوطِ العصبيَّةِ والنَّفسيَّة؛ وأحد أبرز مظاهر تلك الضُّغوط يتجلَّى بالشُّعورِ بالقلق؛ ويتطوَّر ذلك الشُّعور إلى مرحلة تؤدِّي إلى نشوء مسلسل القلق؛ وبما يعني وقوعنا ضحايا للأرَقِ المُزْمِنِ؛ مِمّاَ يحرِمُنا من النَّومِ المريح؛ أو حتَّى يحرِمُنا من الاستمتاعِ بما لدَيْنا من أسبابِ ودواعي السَّعادَةِ أو الرَّاحةِ؛ أو حتَّى من مُجَرَّدِ الاستمتاعِ بأوقاتنا بالشَّكل الصحيح.

يؤدِّي إدْمانُ القَلَقِ إلى تشكِّلِ ما يُعْرَفُ بالشَّخْصِيَّةِ الْقَلِقَةِ والتَّشاؤُميَّة ذي النَّظرَةِ السَّوْداويَّة؛ ويؤدِّي إلى نُشوءِ مظاهرَ مُتَعَدِّدةٍ من حالاتِ الاكتِئاب بدرجاتٍ مُتَفاوِتة؛ والى الإغراقِ في حالاتٍ من الفوبْيـا – الخوف المَرَضي الحاد - من بعضِ الأشياءِ والظَّواهر العاديَّة؛ والى الوقوعِ في حالاتٍ من الوسواسِ القَهْريِّ؛ وهو إحْدى أهمِّ أسبابِ الشُّعور بالاضطِراباتِ النَّفسيَّةِ؛ وفقدان الشُّعور بالاستقرار النَّفسيِّ والعاطِفيِّ؛ وفقدان التَّوازن، وما يتبع ذلك من الانفعالات المرتبطة بمظاهِرِ النَّرْجِسِيَّة المُتصلة بالإشفاقِ والخوفِ الدَّائِمِ والكبيرِ المبالغ فيه على الذَّات ومكانتها وأمانِها في بيئة العلاقات الخاصة والعامة، ويجد ذلك مظهراً له عبر الإصرارِ على استدرارِ واستجلابِ تعاطُفِ الآخَرين؛ والشُّعور بالعجزِ والإحباطِ الشَّديد والإفراط بالتَّحسس الدَّائم تجاه أبسط الأمور؛ والشُّعور الدَّائم بالخوفِ من الفَشَل أو من المُستَقْبل.

باختِصار.. يُعتَبَرُ إدمانُ القلق أحد أسوأِ المداخل لوِقوعِنا في دائرَةِ العُبودَيّةِ لعواطِفِنا ومشاعِرِنا الدَّاخِليَّة؛ في الوقتِ الَّذي ينبغي لنا فيهِ ألَّا نكونَ عبيداً لِعَواطِفِنا المُتَطَرِّفة.

فما هو القَلَق.. ؟؟:

إنَّهُ بمثابَةِ جِهاز الإنذارِ الدَّاخلي في أدْمِغَتِنا وفي دائِرَتِنا العَصَبِيَّةِ؛ وفي عَقْلِنا العاطِفِيِّ والباطِن؛ وفي عقلِنا المنْطِقي والإدراكيِّ على حدٍّ سواء.

يُمْكِنُنا تصنيفُ القلقِ – بالإجمال - بأنَّهُ إحدى مظاهر إجراءَات الوِقاية الذَّاتيَّة داخلَ عقلِنا الباطن وكذلك داخل عقلنا العاطفي والإدراكي؛ وإحْدى حالات الدِّفاع التِّلْقائي العاطِفي والشُّعورِي تجاه احتمال الأخطار والمخاطر الَّتي قد تُحيقُ بنا في مختلف جوانب الحياة.

ومركزُ نشوءِ وتوَلُّدِ الشُّعور بالْقَلَقِ هو: الدَّائرةُ العصبيَّة المسؤولة عن توليد مشاعر الخوف والحذر والَّتي يمكن اعتبارها بمثابة " جهاز الإنذار داخل الدِّماغ " المرتبط والموصول بالحواس الَّتي تنقل فعل المؤثِّرات الخارجيَّة؛ أو المُتَّصِلُ بالأحاسيس الدَّاخِلِيَّة الَّتي تُكَثِّفُ أثر المشاعر المُتَدفِّقة بِشَكْلٍ انْفعالِيٍّ؛ مِمَّا يؤدِّي إلى توليد الأفكار المرتبطة بالخوف والقلق؛ وهذا أمرٌ عادِيٌّ بل وضروريّ في سياقه الطَّبيعي وضمنَ منسوبٍ معقول ومنطقي ومعتدل.

وإنْ لمْ يكَنْ بالإمكان - بل لا ينبغي -  تعطيل عمل جهاز الإنذار الدَّاخلي؛ بِشَكْلٍ تام؛ والمُتَمَثِّلِ بمشاعر الحذّرِ والخوفِ والقَلق كمشاعرٍ تُعتبَرُ في صميم تكوين الدّاَئرةِ العصبيَّة لدَيْنا كما لدى أصنافِ الثَّدِيَّاتِ بالإجمال والّتي تنشأ بفَضْلِ وُجودِها الحالة الوِقائيَّة والدِّفاعيَّة لدَيْنا في التَّنَبُّهِ للأخطار والابتعادِ عن أسبابها؛ إلَّا أنَّنا يَجِبُ أنْ نَعْمَلَ دائماً وباستِمْرارٍ على ضّبْطِ ذلك الجهاز والتَّخفيفِ من شِدَّةِ وَحِدَّةِ تَحسُّسِه للأشياءِ وللمُؤَثِّراتِ؛ بحيثُ لا ينْطَلِقُ بالزَّعيقِ الحادِّ المُتَصاعِدِ والمُسْتَمِرِ المُزعج لأتْفَهِ الأسباب الهامشِيَة في حياتِنا اليَوْميَّة؛ مِمَّا يَجْعَلُنا انْفعاليين في سلوكِنا وردّاَتِ فِعْلِنا؛ ويُقَوِّضُ من بيئة استقرارنا النَّفسي والعصبي والعاطفي؛ ويُفقِدُنا القدرة والتَّوازن في مواجهة مشاكِلِنا.

 فالقلقُ إذنْ وفي إحدى جوانِبِه؛ هو ذلك النَّمَطُ من توليدِ الأفكار في العقل الإدراكي الواعي – لدى الإنسان على قاعِدة المشاعر الاستباقيَّة - والَّذي يمكننا السَّيطرة عليه وضبط مساراته واتِّجاهاتِه إذا أحْسَنَّا القبض على الأفكار المرتبطة بالشُّعورِ بالقلق في الّلَحظةِ المناسبة وهي في بدايتها وقبل أنْ تتطوَّرَ إلى مشاعر مُتَطَرِّفة؛ وفي ذات الوقت يَرتبطُ ذلك النَّمط من توليدِ الأفْكارِ بعَقْلِنا الَّلاواعي وبعَقْلِنا العاطِفي والَّذي يحتَفِظُ بالصُّور المركونة في ذلك الجزءِ من الذَّاكرة العميقة المُسْتَتِرة داخلَ مكنون عَقْلِنا الباطن والَّتي لها أبلغ الأثر في صياغة حالتنا المزاجيَّة على وجه الخصوص وفي تحديدِ ردودِ أفْعالِنا التِّلْقائيَّة؛ والَّتي تقعُ خارج دائرة إرادَتِنا في الغالب في حالِ استسلامِنا التَّام والنِّهائي لقوَّة تَدَفُّقِ تيار الأحاسيس والمشاعر الدَّاخليَّة؛ ولقُوَّةِ تداعي الصُّور وتكرارها من الذّاَكرةِ العاطفيَّة الَّتي هي مصدَرُ تلك الصُّور ومستودعها في آنٍ معاً. وقد تمَثِّلُ بعضُ المواقف والتَّحدِّيات الَّتي نواجهها قرينةً لازِمَةً ومدعاةً لاستدعاءِ أنماطاً كثيرةً من الصُّورِ المُخْتَزَنَةِ في عمق ذاكرة العقل الباطن واللَّاشعور دون أنْ نُدْرِكَ ذلك؛ مِمَّا يُعمِّقُ من مشاعر القلق حتَّى خارج سياقات الأسباب الواقعيَّة والمباشرة الَّتي استَدْعَتْهُ.

كيفَ يَنْشَأُ القلق، مسلسل القلق ؟؟.

ترتَبِطُ مشاعر وأفكار الخوف والقلق – بالتَّحديد - بعمليَّةِ حسابِ المخاطر والتَّحسب من نتائج الأعمال أو الحالات أو الأوضاع الخاصَّة أو العامَّة الَّتي نعيشها أو نواجِهُها والَّتي من الممكن أنْ تؤثِّرَ في حالة الاستقرار العاطفي أو النَّفسي أو المادي الَّتي نَنْشُدَها؛ ويجِبُ هنا التأكيد على أنَّه في حالات الخوف والقلق فإنَّ المشاعر والأحاسيس الدَّاخليَّة تسبقُ تولُّد الأفكار الإدراكيَّة المنطقيَّة في الغالب؛ وبالتَّالي فإنَّ عملية الإدراك في هذه الحالة تَنْشَأُ نتيجة مُحَفِّزات المشاعر والأحاسيسِ والانفعالات الدَّاخليَّة وليس العكس؛ بعكس ما يحصل عادةً في بيئة ومناخ الشُّعور بالرَّاحة والاسترخاء بعيداً عن الضُّغوطِ العصبيَّة أو الظَّرْفيَّة الضَّاغطة.

إذَنْ؛ فنحنُ نعيشُ حالات القلق الظَّرْفيَّة – أيْ المُرْتَبِطة بحالَةٍ ما أو بِظَرْفٍ ما – كشعورٍ طبيعيٍّ تِلقائي وقائي دِفاعي  يؤدِّي إلى تولُّد الأفكار المُتَّصِلة به؛ وفي حال بقيت تلك المشاعر ضمن شروطها الظَّرْفيَّة وفي إطارِها المحدودِ والصَّحيح ؛ودون مبالغة، فإنَّ إنهاءَ آثارِها وتأثيراتِها العميقة والحادَّة يَبْقَيانِ تحت السَّيْطرة إلى حدٍّ بعيد ولا يُؤدِّي ذلك إلى حالةٍ مُزْمِنَةٍ من الأرَقِ الدَّائم؛ وإذْ ذاك فإنَّ الشعور بالقلق ينتهي بانتهاءِ أسْبابِه المباشرة والآنيَّة.

ولكنْ؛ قدْ يطغى الشُّعورُ الكَثيفُ والحادِّ بالقلقِ –  في الحالات المرَضِّية المتصلة بسيطرة مسلسل القلق والامتثال لسياقاته غير المنطقيَّة - وذلك لمجرَّدِ سببٍ بسيط أو حادثٍ روتيني من أحداث الحياة اليَوْمِيَّة؛ أو نتيجةً لحالةٍ ظَرْفيَّة محدودَةِ في زمانِها ومكانِها وحَجْمِها؛ مِمَّا يُؤدِّي إلى استدعاءِ وتداعي الصُّوَر في العقل الباطن؛ وربطها بشكلٍ غيرِ منطقيٍّ وباسْتِمْرارٍ بالأحداث والتفاصيل الجُزئيَّة الهامشِيَّةِ اليوميَّة؛ مِمَّا يُفْضي إلى وُقُوعِنا ضحايا لمُسَلْسَلِ القلق؛ الَّذي يؤدِّي في المحصلة إلى إدمانِ القلق؛ وبالتَّالي نُصبِحُ شخْصِيَّاتٍ قلقة على الدَّوام !!.

مُسَلْسَلُ القَلَقْ !!.

إنَّ استمرار تولُّدِ تلك الأفكار المرتبطة بحالة الشُّعورِ بالقلقِ واجترارها وتواترها والتركيز المبالغ فيه عليها؛ دونَ محاولة التَّصدي لها وقطع سِلْسِلَتِها؛ سَيُؤدِّي إلى مزيدٍ من مشاعر القلق مِمَّا يولِّدُ مزيداً من الأفكار القَلِقة؛ وهكذا دوالَيكَ؛ حتَّى نقعَ ضحايا لدائرَةٍ مُفرَغةٍ ودوَّامَةٍ لا تنتهي من تداعي المشاعر والأفكار القلقة؛ وهو ما يُمكِنُنا تسميتُه بدوَّامَةِ القلق وحلقة القلق المُفْرَغة أو – مُسَلْسَلِ القلق - الَّذي لا ينتهي؛ تتداعى فيه الأفكار وتتوالد على غيرِ هُدىً وفي مسالك مُتشَعِّبة وضِمْنَ دوائرَ لولبيَّة ما أنْ تكادُ تنتهي حتَّى تبدأَ من جديدٍ في دورَةٍ تَتَجَدَّدُ باستمرار بفعلِ طاقة المشاعر والأحاسيس الدَّاخليَّة؛ الَّتي تُحاوِلُ أنْ تَرْكُنَ الى الرَّاحةِ الزَّائفة على قاعدةِ البقاء في دائرة القلق كحالَةِ دفاعٍ عاطفيٍّةٍ داخليَّة... ذلك يُشبه حالة الإدمان؛ وكأنّ عَقْلنا العاطفي والباطنُ يرتاحُ لإدمان المشاعر والأفكار القَلِقة؛ مِمَّا يَدْفَعُ بنا في النِّهايةِ للوقوعِ في حالة الأرَقِ المُزْمِنِ؛ ولأنْ نَنْكَفِيءَ على ذواتِنا ونكونَ عبيداً لِعواطِفِنا ومشاعِرِنا الدَّاخليَّة غير المُبَرَّرَة؛ عاجزينَ عن مُواجهة مشاكلنا الشَّخْصِيَّة ومُعْضلات الحياة بعقلٍ إدراكيٍّ راشدٍ؛ وهو ما يُوقِعُنا في حالةٍ من الإحباطِ الشَّديد والكآبةِ الحادَّة؛ ويدْفَعُنا إلى اتِّخاذِ خُطواتٍ احترازيَّة وإجراءَاتٍ سلوكيَّة دفاعيَّةٍ ووقائيَّةٍ مَرَضِيَّة؛ كمَظْهَرٍ سُلوكيٍّ عمَلِيٍّ من مظاهر حالتنا العاطفيَّة الدِّفاعيَّة الدَّاخليَّة.

والشَّخْصُ الَّذي يَلْتَمِسُ الشُّعور بالرَّاحةِ وحلِ المشاكل من خلال تركيز أفكاره واهتمامه عبرَ زاويةِ ومداخِلِ القلق يُصبِحُ شخصيَّةً قَلِقة مُتَوَجِّسةٍ حَذِرةٍ بشكلٍ مبالَغٍ فيه؛ وهو يقعُ ضحيَّةً لمزيدٍ من الخوفِ والقَلَق ويدْخُلُ بالمزيدِ من المشاكل من ذات الباب الَّذي أرادَ من خلاله وبواسِطَتِه الخروجُ من مشاكله !!.

ولِنَأخذْ – وعلى سبيل المثالِ – شخصاً يُبالِغُ في قَلَقِهِ تجاه العَدْوى بالأمراض - حتَّى البسيطةِ والخفيفة مِنْها - ومن المايكروباتِ والجراثيم النَّاقلةِ للأمراض؛ إنَّ ذلك يدْفَعُهُ الى المُبالَغةِ بالاهتمام بجانِبِ النَّظافةِ بإفراطٍ كبير؛ ويَصْبِحُ الاهتمامُ بتعقيمِ الأدوات والأشياء همُّهُ الأكبر وإحدى أهم اهتماماتِه وأوْلَوِيَّاتِه؛ ويُصْبِحُ لَدَيْهِ حذرٌ شديد من مُلامسَةِ الأشياءِ؛ أو حتَّى من مُصافَحَةِ النَّاس؛ أو من مُلامَسَةِ اقرَبَ النَّاسِ إلَيهِ أو الاحتكاكِ بهم؛ أو حتَّى أكلِ الطَّعامِ أو شُرْب المشروباتِ الَّتي يُعِدُّونها لَهُ !!... مِمَّا يُوقِعَهُ في حالةٍ من حالاتِ الوِسْواسِ القَهْريِّ المُرْتَبِطُ  بالنَّظافَة... وينطَبِقُ ذات الشَّيءِ على مسألةِ الخوفِ والقلقِ من الحشراتِ حتَّى غيرِ المؤذيَةِ منها؛ أو الخوف والقلق أثناءَ ركوبِ الطَّائرات أو حتَّى القِطار والحافلات.

إنَّنا هنا لا نخلِطُ بين مظاهرِ الفوبيا والوسْواس القهري؛ وبين مظاهرِ القلق بمقدارِ ما نُحاوِلُ إثبات أنَّ هناك مجرَّدُ خيطٍ رفيع بين شتَّى مظاهر الإضطراب النَّفسي والعاطفي؛ وأنَّها تنتمي بشكلٍ أوْ بآخَر الى ذات الدَّائرة العصبيَّة في عقولنا وأدْمِغَتِنا؛ وأنَّها تُفْضِي الى بعْضِها وتَتَداخلُ فيما بَيْنها في حُدودِ الدَّائرة العصبيَّة والعاطفيَّةِ في مساحةِ ومربَّع ومنطقة الشُّعورِ بالقلق الَّذي يُمَثِّلُ إحْدى مُكَوَناتِ بُنياننا العصبي وعَقْلِنا العاطفي وحتَّى الإدراكي المَنْطِقي.

كيفَ ينشأُ مُسَلْسَلُ القلق داخل الدّاَئرة العصبيَّة ويُسيطِرُ على عمليَّة تفكيرنا ويُعَكِّرُ حالتنا المزاجيَّة ؟؟ :

قدْ يجد أحد الأشخاص نَفسَهُ وقد وقع في مسلسل القلق لسببٍ بسيط؛ يتعلَّق بتعطُّل سيَّارته مِمَّا يستدعي منه إصلاحها في ظَرْفِ ضائقةٍ ماليَّة يمرُّ بها؛ أو الى تعطُّل إحدى أجهزة المنزل الأساسيَّة؛ أو مرض الزَّوجة أو أحد الأبناء مِمَّا يستدعي الذَّهاب الى الطَّبيب وشراء الدَّواء الضَّروري؛ إنَّ ذلك يقودُ تفكيره وعلى الفور الى المشكلة الأساسيَّة الأكثر عمقاً؛ وهي الضَّائقة الماليَّة؛ فيبدأ بالتفكير بأسبابِها؛ وآثارِها المُحْتَمَلة؛ يقوده ذلك الى التفكير بمنحى المتطلَّبات اليوميَّة للمنزل وللزوجة والأولاد؛ ثمَّ ينتقل الى التفكير بأكثر من مشكلة مُستقبليَّة ترتبط  بشكلٍ أو بآخر بضرورة توفُّر الدَّخل المالي الكافي والوافر؛ تعليم الأولاد على سبيل المثال؛ ضرورة توفير مسكن أكثر اتِّساعاً وراحة؛ ثمّ يتشعَّب تفكيره بأكثرِ من اتِّجاه؛ وتبدأ الأفكار القلِقة تَتَوَلَّد وتَتَدَاعى من كلِّ حدَبٍ وصَوْب حتَّى وإنْ لم تكن ترتبط بالمشاكل الماليَّة؛ وتبدأ صور تحدِّيات الماضي والمستقبل تَتَقافزُ داخل عقله مُسْتَدْعِيَةً معها الشُّعور العميق بالإحباط والعجز واليأس؛ ثمَّ يعود الى الإنتباه الى المشكلة الجزئية – تَعَطُّل السَّيارة أو تعطُّل إحدى أجهزة المنزل أو مرض أحد أفراد الأسرة – لتعود أفكار القلق تتولَّد وتتداعى؛ وهكذا دوالَيْك؛ في مسلسلٍ لاينتهي؛ وضمن حلقةٍ مُفْرَغَةٍ تدورُ لولَبِيَّاً بلا توقُّف.

إليكم هذا المثال  عن آليَّةِ تولُّد مسلسل القلق والَّذي يسوقه البروفيسور " دانيال جولمان " من جامعة هارفرد والَّذي عمِلَ صحَفيَّاً مُتخَصِّصاً في علوم المخ والسُّلوك لدى جريدة " نيويورك تايمز " لمدَّةِ إثني عشر عاماً:

يقول " دانيال جولمان " في سياقِ هذا المثال واصِفاً حالةَ أحدِ الأشخاص؛ وهو يتفَحَصُ سيَّارته:

 "كلَّا... لا أُصَدِّق !! مُحرِّكُ السَّيارَةِ لا يبدو في حالةٍ جيِّدة... ماذا لو وَجَدْتُ نفسي مُطالباً بإصلاحه...أنا لا أملِكُ الإمكانيَّة الماديَّة لعمَلِ ذلك... سأجِدُ نفسي مُطالباً بسحبِ مبلَغٍ من المال الَّذي خَصَصْته لدراسةِ إبني جيمي في الجامعة... ماذا لو لم أتَمَكَّن من تسديدِ مصروفاتِه الجامعيَّة ؟؟... آهٍ من ذلك التقرير السَّيء الَّذي وصلَني من المدرسة في الأسبوع الماضي عن علاماتِ جيمي... ماذا لو انْخَفضَتْ درجاته أكثر وأصبح عاجِزاً عن الإلتحاقِ بالجامعة ؟؟... يبدو مُحَرِّك السَّيارة في حالَةٍ سَيِّئة.... !! ".

يُعَلِّقُ " دانيال جولْمان " على هذا المثال في كتابه الشَّهير ( الذَّكاء العاطفي )؛ قائلاً:

"وهكذا يظَلُّ العقلُ القَلِقُ ينسِجُ دائرة مُفرغة من المآسي الَّتي لا تنتهي؛ حيثُ يقودُ كلُّ مُسَبِبٍ للقلق الى مُسَبِّبٍ آخر؛ ويُعاوِدُ إدراجه ثانيةً.

المثال السَّابق هو المثال الَّذي طَرَحَتْهُ ( إليزابيث رومير ) و ( توماس بوركوفيك ) من جامعةِ ( بِنْسِلفانيا ) من خلالِ بحثِهِما عن القلق الَّذي نَقَلَ الموضوع من دائرةِ الفَنِّ العَصَبِيِّ الى دائرة العلم.

ليس هناك بالطَّبع وسيلة فوريَّة لإيقافِ مشاعِرِ القلق بشأنِ مُشْكِلَةٍ ما – بمعْنى أنَّ إعْمالِ الفكر البنَّاء الَّذي يمكنُ أنْ يبدو في صورَةِ قلق قد لا يُساعِدُ على ظهورِ الحل.

إنَّ الإستجابة الَّتي تكمنُ وراءَ القلق هي الإلتِفات والإنتباه الى خَطَرٍ مُحْدِقٍ وهو ما لَعِبَ لا شك دوراً أساسيَّاً في البقاءِ على مدى التَّاريخ؛ عندما تُنَبِّه المخاوِفُ العقْلَ العاطِفيّ؛ فإنَّ جُزءً من القلق النَّاجِمِ سوفَ يُركِّزُ الإنتباهَ على الخطَرِ المُحْدِق مِمَّا يُجبِرُ العقْلَ على حصرِ نفسِهِ في طريقةِ مُواجَهَةِ هذا الخطر مع تجاهل كلَّ ما عداهُ في الوقت الرَّاهن.

إنَّ القلق – في الأصْلِ – هو عبارةٌ عن تدريبٍ للخطأ الَّذي يمكنُ أنْ يقع وكيْفيَّةِ مواجهته؛ ومُهِمَّةُ القلق هي العثورُ على حلولٍ إيجابيَّةٍ لمواجهةِ مخاطرِ الحياة بتجنُّبِ المخاطِرِ قبلَ ظهورِها.

ولكِنَّ الصعوبةَ تكمنُ في القلق المتَكَرِّر المُزْمِن، أيْ ذلك النَّوعُ من القلق الَّذي يُواصِلُ إعادةَ تدويرِ نَفْسِهِ بدونِ أنْ يصل – أو ينتهي - إلى أيِّ حلٍّ إيجابيٍّ.

إنَّ تحليلاً دقيقاً للقلق المُزمِن سوف يُثْبِتُ أنَّ سَبَبَهُ يكمُنُ في حدوثِ سطوٍ عاطِفيٍّ سَلْبِي. سوفَ تبدو العوامل المثيرة للقلق في هذه الحالة؛ وكأنَّها تنبُعُ من لا شيء؛ أو كأنَّها خارج حدودِ السَّيْطَرة مِمَّا يُولِّدُ  تَدَفُّقاً للقَلَقِ بعيداً عن كلِّ منطقٍ إلى درجةِ أنْ يُحْبَسَ الشَّخْصُ داخِلَ دائرةٍ مُغْلَقةٍ جامدَةٍ من المخاوف.

عندما تزدادُ حدَّةُ هذه الدَّورة من القلقِ وتتواصل؛ فإنَّها تَتَخَطَّى الحدود؛ وتتحوَّلُ الى سَطْوٍ عَصَبيٍّ مُكْتَمِلُ الجوانب يتمثَّلُ في أنواع القلق المرضي مثل الفوبيا والوسواس القَهْرِيِّ ونوبات الفزَع. في كلِّ حالَةٍ من الحالات السَّابقة تجلَّى القلقُ في صورَةٍ مُخْتَلِفة.

بالنسبة للفوبيا يقتصر القلق على مواقف معينة وهي تلك التي يخافها الشخص، امّا في حالة الوسواس القهري فإن القلق يتمثل في رغبة محمومة على تجنب خطر محدق ،أما في حالة نوبات الفزع فإن القلق يمكن أن يتركز في الخوف من الموت ؛ أو الخوف من أحتمال الإصابة بنوبات الفزع ذاته .

في كل هذه الحالات يكون القاسم المشترك هو الخروج القلق عن دائرة المقبول ".. الى هنا كلام  " دانيال جولمان ".. ( المصدر – كتاب الذَّكاءُ العاطفي – الفصل الخامس – صفحة 103 – منشورات  مكتبة جرير- الطَّبعة الثَّانية 2010).

 

إجراءَاتُ وقفِ مُسَلسل القَلَق؛ أو محاولة السَّيطرة على مظاهر الْقَلَق المَرَضِيّ :

 1: كما أشَرْنا في البداية؛ فإنَّ أولَ تلك الإجراءَات يتمَثَّلُ في تجاهِلِ الإحساس المُتَكَرِّر بالْقَلَق – والَّذي يأتي دونِ مبرر واقعي أو دون التَّعَرُّض الفعلي للمخاطر – وتَجَنُّب التَّرْكيز على فكرة القلق والإصرار على محاولة نِسْيانِها؛ وصَرْفِ النَّظر إلى التفكير بأمورٍ أكثر أهميَّة؛ أو صرف التفكير إلى جوانب أكثر إشراقاً وجمالاً في الحياة. ومحاولة فهم مُشكِلاتنا بواقعيَّة وفي حدودها الطَّبيعيَّة؛ والتَّحلِّي بالحكمة والشَّجاعة في مواجَهَتِها.

 2: عدم التَّرَدُّد في طلب المساعدة من الأقارب أو الأصدقاء؛ أو الُّلجوء إلى استشارة المُخْتَصِّين والأطباء النَّفسيين المُتَخصِّصين في هذا المجال؛ وعدم التَّحرُّج من مراجعة العيادات النَّفسيَّة.

3: التَّعَوُّد على ممارسة رياضة التأمُّل الذِّهني بالجوانب الأكثر إيجابيَّة في أنْفُسِنا وفي الحياة؛ ومحاولة التأمُّل بتركيز النَّظر إلى عُمْقِ الأزهار – على سبيل المثال – أو النَّظر بتركيز إلى المشاهد الطَّبيعيَّة؛ أو التأمُّل بِعُمقٍ بمشهدِ النُّجوم في السَّماء أو بأيِّ مشْهَدٍ جميل... إنَّهُ باختصار التَّأمُل الإيجابي الحِسّي والذِّهني.

4: الاستِرْخاء وتوفير أجواء الهدوء؛ وأجواء التَّفاعل الاجتماعي الإيجابي؛ والخُروج برحلاتٍ ترفيهيَّة؛ أو زيارة الأماكن الَّتي تُشيعُ أجواء الرَّاحة؛ أو زيارة أماكن الاستجمام كالمنتزهات أو الشَّواطىء.

5: محاولة الوقوف على أسباب القلق المُزْمِن؛ والابتعاد عنها قدر الإمكان؛ وإعطائها حجمها الحقيقي دون مبالغة.

6: ممارسة الرِّياضة وخصوصاً رياضة المشي في الأجواءِ المفتوحة؛ أو الانهماك في ممارسة النَّشاطات والأعمال المُفيدة؛ ومحاولة التركيز على المهارات الَّتي لدينا ومحاولة تعزيزها وتطويرها.

7: الإطِّلاع على المؤَلَّفات الّتي تتناول موضوع وعلم التنمية البشرية وعلوم النَّفس؛ وعلى المجلَّات والدَّوريَّات المتَخَصِّصة في علوم التنمية البشريَّة والإرشاد النَّفسي. والُّلجوء إلى محاولة تعزيز مهارة وعادة القراءَة بشكلٍ عام؛ وخاصَّةً القراءَة في مجال الرِّواية والرِّواية العالميَّة والأدَبْ الواقعي منها تحديداً؛ لما فيها من فائدةٍ في الإطِّلاع على التَّجارب المتنوِّعة للأمم؛ وفي تجليةِ النَّفس الإنسانيَّة ومحاولة فهم أبعادِها على ضوء التجارب الحياة الواقعيَّة.

8: التركيزُ على الأفكارِ التَّعويضيَّة في النَّفسِ بِصِدْقٍ ووعي واعتِدال – ودونَ تطرُّف – كفكرة الإيمان باللَّه تعالى؛ وما يستتبع ذلك من اعتقاد بأنَّه - جلَّ وعلى – مصدر الخير، وما يترتَّب على قيمة الإيمان من امتثال للقِيَم الإنسانيَّة الرَّفيعة والأخلاق القويمة؛ والتركيز على التَّقدير العالي لِقِيَمِ الصَّبرِ والتَّحَمُّل؛ ومحاولة إعطاء أكبر مساحة ممكنة في النَّفس للأمَل والثِّقة بالمستقبل.

وفي الخلاصة: ووفق الاشتقاق الجزئي الذي أشرنا إليه في البداية لتعريف المجتمع؛ فإنَّ مواجهة ومعالجة ظاهرة القلق على المستوى الشَّخصي وعلى مستوى الأفراد، ومحاولة السيطرة على العواطف المسيطرة المتطرِّفة، وفق إجراءَاتٍ سلوكيَّة ووجدانيَّة وتفكيريَّة إدراكيَّة إراديَّة ؛ سيكون له أبلغ الأثر في معالجة ظاهرة القلق المزمن كظاهرة تطبع السلوك الجمعي للأفراد في المجتمع؛ وبما يجعل منه ظاهرة تطبع شخصيَّة المجتمعات التي تُضحي - بفعل العديد من العوامل والظُّروف الصعبة -  مجتمعات قَلِقَة ومُكْتَئِبة.