الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أمريكا والقيادة الفلسطينية.. رحلة الذهاب والإياب/ بقلم: نبيل عمرو

2018-09-18 10:31:10 AM
أمريكا والقيادة الفلسطينية.. رحلة الذهاب والإياب/ بقلم: نبيل عمرو
د. نبيل عمرو

 

كنت أول من التقى الرئيس ياسر عرفات ساعة عودته من زيارته الأولى للبيت الأبيض، سألته كيف تقيم الرحلة؟

نظر إلى أحد أعضاء الوفد وقال له: جاوب.

قال عضو الوفد، لقد انتهى عهد وبدأ عهد جديد، كنا نقبّل الأيادي لكي يؤمن لنا سفير أو وزير أو رئيس لقاءً مع أدنى مستوىً أمريكي حتى ولو برتبة سكرتير ثالث في سفارة.

أمّا الآن فلم نعد بحاجة لأحد، إن باستطاعتنا أن نطلب لقاءً في البيت الأبيض لمجرد اتصال هاتفي قبل أربع وعشرين ساعة.

 نظرت إلى الرئيس لأرى هل يوافق على ما قاله عضو الوفد ولو بلغة الجسد، أم أنه سيعترض، علّق على ما سمع بلهجته المصرية الخالصة "مش للدرجة دي".

لم آت على ذكر عضو الوفد الذي كان متحمسا إلى هذا الحد، خشية إحراجه وهو الذي يخوض معركة كلامية حامية الوطيس مع الإدارة الأمريكية ليست المنحازة لإسرائيل فحسب، وإنما المعادية أكثر من إسرائيل للفلسطينيين.

تكلفة رحلة الذهاب إلى البيت الأبيض كانت باهظة، وتكلفة الاحتفاظ بعلاقات مع أمريكا كانت أكثر من باهظة، ولا لزوم لإعادة التذكير ببنود الفاتورة، فالكل يعرفها منذ أول تنازل قدم قبل أكثر من عقدين من الزمن.

كان الرهان الفلسطيني على مجرد العلاقة مع أمريكا مصيريا بحكم الحاجة الفلسطينية إلى تسوية، وبحكم اعتناق نظرية السادات بأن تسعة وتسعين بالمائة من أوراق الحل هي بيد أمريكا.

كان الفلسطينيون وهم يركضون وراء حلمهم يغضون الطرف عن الاحتكار الأمريكي المطلق لعملية التسوية بينهم وبين إسرائيل، فما حيلتهم حين يوافق العرب جميعا على هذا الاحتكار وتقبل أوروبا دور الممول المالي دون أن يكون لها أي قدر من الحضور السياسي سوى إطفاء الحرائق إن اشتعلت أو ترويض الفلسطينيين لقبول ما لا يقبل، وما حيلتهم كذلك حين صنعت أمريكا تمثالا من التمر أسمته اللجنة الرباعية، وضمت روسيا وأوروبا والأمم المتحدة وأخذت من الفلسطينيين ما أراد الإسرائيليون، وحين جاء دور إسرائيل لتقديم ما عليها وهي باقي بنود خطة خارطة الطريق؛ ألغى الأمريكيون الخطة وأكلوا تمثال التمر الذي صنعوه، وصارت الرباعية منذ ذلك الحين نسيا منسيا.

أمريكا قوة عظمى في أي مكان، دمرت دول وقوضت كيانات وأبادت شعوب، وتكرست كآلهة القوة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وهزمت الاتحاد السوفياتي بعد حروب باردة وساخنة، وأدّبت يوغسلافيا ودمرت العراق وفعلت الكثير مما نتذكر ولا نتذكر على هذه الشاكلة، إلا أنها وهذا ما لم يقرأ جيداً تتحول إلى دولة هامشية عديمة التأثير حين يتصل الأمر بحل سياسي يستفيد منه الفلسطينيون ولا يرضى عنه الإسرائيليون.

وقبل ترمب الذي يستحق الوصف بأنه الضمير المعلن لأمريكا في أمر الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد شهدنا كيف هزم نتنياهو أوباما وكيري في قلب واشنطن، وكيف جعل أحد أهم وزراء الخارجية الأمريكيين مجرد متوسل أمامه لإنجاحه في مسعاه لتحريك -مجرد تحريك- عملية السلام مع الفلسطينيين، وذكرنا هذا بتوسلات كلينتون لنتنياهو حين زار فلسطين يوم الجلسة التاريخية التي ألغى فيها المجلس الوطني بعض النصوص من ميثاقه لمصلحة وعود التسوية، فأحضر له ياسر عرفات زوجتي أسيرين مريضين في السجون الإسرائيلية، وطلب منه التدخل للإفراج عنهما كبادرة حسن نية أو كحلوان للزيارة، فوعد الرئيس الأمريكي بأن يعود إلى غزة ومعه الأسيرين المحررين، وحين عرض الأمر على نتنياهو قال له.. آسف. فعليك طلب الأمر من القضاء الإسرائيلي.

رحلة الذهاب إلى البيت الأبيض ومن خلال الوقائع كانت باهظة التكاليف، والاحتفاظ بالعلاقة مع البيت الأبيض كانت أكثر من باهظة، أما رحلة الإياب ولنسمها المغادرة فكانت قصيرة أي بعدد الساعات التي أقلت بها الطائرة ممثلنا إلى هناك عائدا إلى رام الله.