الحدث ــ محمد بدر
على مدار سنوات استخدمت إسرائيل وجود السيد نصرالله في مكان محصن ومخفي كدعاية تروّج من خلالها لأمرين مهمين؛ الأول: الردع الإسرائيلي الذي يجبر قيادات المقاومة السياسية والعسكرية على تكييف حياتهم الشخصية من خلال التهديد الإسرائيلي، والثاني: إظهار العدو بصيغة خائفة هشة متوجسة.
يعتبر الإسرائيليون أن السيد نصرالله هو خطيئة أفعالهم، وأن صعود نصرالله لقيادة حزب الله كان نتيجة عملية لاغتيال إسرائيل للقائد السابق للحزب السيد عباس الموسوي، ويشير الإسرائيليون إلى أن نصرالله أكثر رديكالية وجذرية من سلفه، كما أنه أقوى خطابا وفعالية وتأثيرا سواء في المنطقة أو في لبنان، بالإضافة لعلاقاته القوية والوطيدة مع الحرس الثوري الإيراني وقوى المقاومة.
خلال عدوان 2006 على لبنان، حاولت إسرائيل الوصول للسيد نصرالله وحددته كهدف من ثلاثة أهداف في العدوان، واستهدفت إسرائيل خلال العدوان مبان سكنية مأهولة ومغارات وقائمة طويلة من الأهداف بقنابل تخترق الأرض للوصول لنصرالله، ومع الفشل الاستخباراتي العسكري المنسق بين الموساد والاستخبارات العسكرية والشاباك في الوصول له، فإن هدفا من أهداف العدوان لم يتحقق، وهو ما استدعى أن يقوم وزير جيش الاحتلال بتوبيخ قادة أجهزته الأمنية بحسب ما كشف المراسل العسكري لموقع ويللا. وفي تاريخ 29/9/2009 اعتبرت يديعوت أحرنوت في تقرير لها أن حزب الله تفوق على استخبارت الجيش الإسرائيلي، وهو ما أشار إليه الخبير الأمني الإسرائيلي رونن برغمان بالقول: "في حرب لبنان الثانية كان عدم الوصول لنصرالله بمثابة هزيمة عملية"، ولكن الحساب مع نصرالله ظل مفتوحا، ومسألة اغتياله أصبحت غير خاضعة إلا اعتبار المعلومة الاستخبارتية، حتى بعد انتهاء العدوان. خلال العدوان خرج حزب الله موجها خطابه للشعب اللبناني والأمة العربية والحزب من خلال تسجيلات مصورة وأحيانا من خلال تسجيلات صوتية، وحين فشلت إسرائيل في اغتياله؛ اعتبرت مجرد عدم خروجه بشكل مرئي مباشر يشكل انتصارا، أو على الأقل هكذا يروجون.
بالأمس، وخلال الاحتفال بذكرى اغتيال الإمام الحسين، تحدث نصرالله عن وصول صواريخ دقيقة للحزب وبذلك رفع أمين حزب الله مستويات الردع، وهو ما استدعى سيل من التهديدات من قبل الإسرائيليين ردا على هذه الجزيئية، فقد دعاه نتنياهو للتفكير عشرين مرة قبل إطلاق هذه الصواريخ الدقيقة، وبدا المشترك أن الطرفين يهددان بالمفاجأت.
ولكن التهديد المبطن الأكبر؛ هو حديث نصرالله عن خروجه من مكانه المحصن وهذه أقوى رسالة حملها الخطاب، وعمليا رفع نصرالله مستويات الردع، وبعبارة أخرى يريد نصرالله أن يقول للإسرائيليين: "أنا مكشوف.. فهل تجرؤون على استهدافي؟!".
وعلّق أبرز المحللين الإسرائيليين "تسيبي حسكيلي" على حديث نصرالله، بالقول: "لا أعلم مدى خطورة أن يخرج نصرالله من مكانه المحصن وأن يقول أنا هنا. لكن حديثه يندرج في إطار التهديد". وقد تناول الإعلام العبري حديث نصرالله حول خروجه من مكانه المحصن بحوالي 30 مادة إعلامية ما بين خبر وتقرير وتحليل خلال أقل من 24 ساعة. وإذا كان الإسرائيليون اعتبروا أن عدم الوصول لمكان تواجد نصرالله فشلا استخبارتيا، فإن خروجه من هذا المكان يعني فشلا عسكريا ضمنيا؛ أي ردع حقيقي للجيش هذه المرة.