الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السيد أزرق في السينما للقاص أحمد جابر | بقلم الكاتبة: وفاء ابريوش

2018-11-01 07:10:38 PM
السيد أزرق في السينما للقاص أحمد جابر | بقلم الكاتبة: وفاء ابريوش
غلاف مجموعة: السيد أزرق في السينما

مجموعة قصصية تراوحت بين القصة القصيرة و القصيرة جدّا، في عنوانها حديث لبق عن شخصيّة ما لُقّبت بالسيّد، و قد سمّاه القاص بـ "أزرق" و يتصف اللون الأزرق بأنّه لونٌ عقليّ، له صفات إيجابية مثل: الذكاء، التواصل، الثقة، الطمأنينة، الواجب، المنطق، الحكمة، التأمل و الهدوء. كما له من الصفات السلبيّة: البرد، العزلة، قلّة العواطف و الجفاء (1).

إذ قد تكون هذه سمات عامة للمجموعة، أو خاصّة بشخصية وحيدة قد سُّلّط عليها الضوء أثناء وجودها في السينما، فيبدو أنَّ الرّاوي يحكي عن شخصية في عمق العتمة تراقب الشّاشة المضيئة، إذا نحن أمام بحثٍ في الظّلمة و الجوانيّة بإنارة خافتة أو معدومة، و هذا يحيلنا إلى أننا قد نكون أمام قصص غاية في الغموض و الغوص في النفس البشرية.

على الغلاف رسم للفنان كامل قلالوة لإنسان باللون الأزرق، حول رأسه المصقول بالأبيض دوّامة دائرية لا تنغلق على ذاتها، إنما تنبعث إلى فضاء مجهول، قد يكون هذا المجهول هو البداية إلى ما في عقل الرّسم، فالدائرة لا تمنح الإنسان مسارا محدّدا أو زاوية معيّنة.

"الفراغ: هو ببداهة احتياج الممكن الذي هو الكون إلى المؤثّر الساحر في حدوث الكون و بقائه " (2). وهناك ما يحيلك إلى الجُسيم وضدّه، و أظنّ أنّها المادة العلمية التي ارتكز عليها أحمد جابر في تناول شخصياته و أحداثه و كلّ يخصّها؛ فتراه يعيد كافكا ص11 إلى الحياة، بل و يرشده إلى المكتبة، سيكون دليلا لإطلاع كافكا على الكُتّاب الذين أتوا من بعده كما يُريه إصداراته التي طلب من صديقه ماكس حرقها فخذله؛ ليقف بعدها على الحياد، فيبدأ كافكا بمحاكمة نفسه بقسوة على بعض مؤلفاته، ليجزم في النهاية أنّ الموت كان سلامه الوحيد.

أحمد جابر يبحث في البعد الميتافيزيقي للأحداث و الأشخاص، بلغة رمزية فارهة، بقلق منضبط نحو فكرة معيّنة، كأنما منح ذاته مكانا برزخيًّا لا مرئيًّا، ينظر بعين ثاقبة إلى الحياة و ما بعدها أو يعكس المسار الزّمني و يحاول إعادة ترتيب الوجه الآخر لردود الفعل الإنسانية الطبيعية و الغرائبية منها.

ثيمة قصصه تتراوح بين: الاختباء، الهروب، العتمة، المرايا، الفراغ، العدم، و المواجهة، يأخذ مشاهده بحرفيّة و يُدهشك بأنّ هذه الزّاوية التي ترى منها ليست الزّاوية الحقيقيّة للمشهد كما في قصّة "فتاة تعيد نفسها"، بل يتجاوز تحديد إسقاط العين على صورة ما إلى مشاهد سريالية، يرينا فيها جابر الرّاوي جهرة، و يخاطب القارئ مباشرة في ذكاء فذّ و تشويق هائل، و تسلسل يخترق باطنه و يحاور نقصانه و اكتماله كما في قصّة "نقصان".

مادة مجموعة السيّد أزرق في السينما هي الصّراع، الذي ينتهي بتقبّل الآخر أو رفضه، أو الصراع مع الذّات و الطبطبة على كتفها أو الهروب منها، و قد تجلّى ذلك في قصص: لا أكرهك، لوحة خالدة، الكاتب ك، و يؤكّد ذلك قوله ص 31: "لكلّ إنسان ظلّ و هذا الظلّ هو تفكير الباطن، هو الذي اعتاد على الظّلال، و التي تعني أنّ الأجسام تراودها خيالات و أفكار و قد وصل إلى فرضية أنه لا يستطيع أحد ألا يفكّر في شيء، حتى إذا قرّر عدم التفكير، فإنه في تلك اللحظة يفكّر في العدمية ذاتها". كما يُقعّد جابر لافتراضاته نحو الكون و الزمكان و الإنسان، مؤكّدا على مبادئ سابقة مثل "الكارما " في قصته مكارثي و التي يسرد في جزء منها " إذا وُجد في جيب القتيل ورقة تقول أنا قاتل زوجتك.. ليصرخ في النهاية لست أنا من قتل أخي".

القاص تجاوز الماضي و الحاضر و بحث في فكرة غدا، و عكس الزّمن، نظر إلى ما بعد الوجود و استمع إلى ما بعد السكوت، افترض و خلق كينونة جديدة للأشياء، هو دقيق لدرجة حساب الأمور بالدقائق بل و تقدير الاحتمالات التي ستوصله إلى مراده كما في قصّة "الشبّاك الخامس".

في النهاية لا شك أنّنا أمام موهبة فذّة تطوّع الخيال و الافتراض و تعكس شخصيتها المستقلة، في موهبة نخبويّة إذ لن يجيد أيّ قارئ فك شيفرة المعنى و الهدف في هذه الكتابة الحداثية و الفلسفية، كل أمنيات التوفيق للكاتب أحمد جابر.

(1): الدلالات النفسية للألوان /آلاء أبو علو

(2): ترينيه كسوان توان /مقابلة في جريدة المستقبل