الحدث - إبراهيم أبو صفية
يطل علينا اليسار الفلسطيني من جديد في تحالف "ائتلافي" يضم خمسة فصائل تحمل الفكر اليساري وهي (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية، وحزب فدا، وحزب الشعب، والمبادرة الوطنية)، إضافة لقوى وشخصيات ديمقراطية، إذ إن هذا الائتلاف هدفه الأساسي عدم النقاش بالفكر اليساري والعقيدة الشيوعية، أو أي مدرسة يسارية سيتبناها، بل يسعى إلى ضخ تجمعه بما يخدم القضية الفلسطينية، ومواجهة التغول "الإسرائيلي" والأمريكي.
يحمل الائتلاف عدة مبادئ أبرزها التمسك بالبرنامج الوطني المتمثل بحق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس، واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. إضافة إلى تعزيز الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن، وقطع العلاقات السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة، والتمسك بخيار المقاومة بكافة أشكالها، وتصعيد الضغط الشعبي والجماهيري لإنهاء الانقسام، والضغط كذلك من أجل إنهاء الحصار، وتبني حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات، والضغط على مؤسسات م.ت.ف من أجل النهوض بدورها إزاء جماهير الشعب الفلسطيني في بلدان اللجوء والشتات.
وفي تأريخ مسيرة اليسار الفلسطيني؛ نجد بأنه انقسم على نفسه منذ بدايات التأسيس، وقد اتهمت الأحزاب اليسارية نفسها بالتقاعس وكذلك انقلابها على الجوهر اليساري والعقيدة الشيوعية، فانشقت الأحزاب اليسارية وتأسست فصائل أخرى جديدة، مثلا انشقاق الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية، ويتهم اليسار أنه لم يُقيّم خطواته ومسيرته النضالية وهذا ما دفعه للتراجع، وبعد انتكاسة سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات، وظهور الإسلام السياسي في الساحة الفلسطينية والمنطقة العربية، انهارت قوى اليسار وتقوقعت على ذاتها، لتعود اليوم لتلتقط الأنفاس من جديد مشكلة هذا التجمع الائتلافي الذي يضم أيضًا قوى غير يسارية.
وقبل الحديث عن هذه الشطحات والذهاب نحو التفكّر، ما هي الأيديولوجية لهذا التجمع رغم أن غالبيته قوى يسارية؟
بين عمر عساف عضو اللجنة التحضيرية للتجمع الوطني الديمقراطي لصحيفة الحدث، أن هذا التجمع لم يصل لمرحلة التحالف بل هو تجمع يحتوي على قوى يسارية وطنية ديمقراطية، وأن مصطلح اليساري "هنا غير مستعمل لوجود حراكات وتجمعات وقوى وطنية واجتماعية، مشيرًا إلى وجود حراكات شعبية مثل حراك (وطنيون لإنهاء الانقسام، الحراك الوطني الديمقراطي)، إضافة لفعاليات وشخصيات ومؤسسات غير حكومية.
وأضاف عساف أن هذا التجمع قائم على ورقة سياسية تتضمن المهمات الوطنية والاجتماعية وحقوق المواطنين، وحقوق النقابات وضمان الحريات مثل حرية الصحافة حرية القضاء، وكذلك ما يعاني منه المجتمع الفلسطيني، مؤكدًا إن هذا التجمع يحمل القضايا الوطنية مثل التصدي لصفقة القرن، وممارسات الاحتلال، إضافة للسعي للتخلص من اتفاقيات ألزمت الساحة الفلسطينية، مثل اتفاق أوسلو وما تبعه.
وأشار عساف إلى أن هذا التجمع يتطلع لأن يتصدر المشهد وأن يقود الشارع الفلسطيني والنضال الوطني والاجتماعي. مبينًا أن أي قوى سياسية تسعى لأن تطرح نفسها وأن تكون بديلاً وتنافس وتحظى على تمثيل جماهيري واسع ووازن كبير في حصول أي انتخابات مستقبلية.
وقال إن الاستنتاجات التي وصل إليها هذا التجمع أن أي قوى منفردة لا تستطيع أن تحل وتكون قوى موازية، إذ إن أي قوى منفردة تسعى أن تكون بديلاً يواجهها الضغوط، وهذا التجمع يساعد ويساهم على ذلك.
وأردف أن هذا التجمع من الممكن أن ينسق مع أي حزب سياسي أو قوى فلسطينية في مجالات محدد، حيث إن هناك أساسًا سياسيًا واجتماعيًا ممثلاً بورقة المبادئ، وأن أي قوى لا تتقاطع مع هذه المبادئ ويلتقي معها التجمع تصبح مقبولة للتنسيق معها. موضحًا أن منظمة التحرير هي الجبهة العريضة التي يجب أن تجمع الكل الفلسطيني وتواجه صفقة القرن.
وفي ما يخص من بناء أيدولوجية قد تكون يسارية لهذا التجمع خصوصًا أن اليسار العريضة الأوسع فيه، وأن يسمح لليسار مناقشة المبادئ اليسارية والشيوعية؛ بين عساف أن العالم اليوم عاد ليناقش الإرث اليساري والأفكار الاشتراكية بعد 30 سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي، إذ يؤكد البعض على صحة هذه الأفكار والعلمية النظرية الاشتراكية ويطالب بالعودة لها، ولكن هذا التجمع يتحدث عن المبادئ التي تنسجم مع الواقع الفلسطيني.
وبدوره بين قيس أبو ليلى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، أنه تم الاتفاق في اجتماع اللجنة التحضيرية على برنامج مشترك بين القوى اليسارية الخمسة إضافة لشخصيات ديمقراطية وفعاليات وطنية، وأن هذا التجمع على وشك الوصول للمصادقة النهائية على أسس وبرنامج العمل.
وأضاف أبو ليلى أن هذا التجمع يهدف إلى حماية منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها من خلال إنهاء الانقسام والوحدة وتفعيل مؤسسات المنظمة وتشغيلها، مشيرًا أن هذا التجمع يسعى لشق الطريق لاستراتيجية جديدة كفاحية تحرر الحركة الوطنية من القيود والالتزامات والاتفاقيات، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي وتصعيد المقاومة والضغط على طرفي الانقسام وتنفيذ التفاهمات بشأن المصالحة الوطنية.
وأوضح أن نشوء هذا التجمع كقطب ثالث في الساحة الفلسطينية يعد عاملاً إيجابيًا باتجاه الوحدة وتفعيل دور المنظمة والتصدي لصفقة القرن والاحتلال. حيث إن هذا التجمع لا يسعى أن يكون بديلاً وموازيًا، بل يهدف إلى توحيد الساحة الفلسطينية والذهاب لتحصين المجلس الوطني وإجراء انتخابات تقوم على التمثيل النسبي.
وأردف أبو ليلى أن يوم الأحد القادم 23/12 سيكون اجتماع موسع بين الضفة الغربية وقطاع غزة للمصادقة النهائية على برنامج العمل المشترك، يتبعه مؤتمر صحفي للإعلان عن هذا التجمع وأهدافه.
وفي ذات السياق أعتبر الكاتب والمحلل السياسي د. عادل سمارة، أن هذا التجمع غير منسجم مع ذاته، موضحًا أن اليسار الفلسطيني لا يلتقي في القضايا الوطنية، فمثلا حزب الشعب يعترف "بإسرائيل" بينما الجبهة الشعبية غير معترفة وتطالب بفلسطين كل فلسطين، وأنه لا يوجد موقف مشترك من فلسطين كفلسطين وليس الضفة فقط.
وأضاف سمارة أن هذا التجمع فقط ينجح في تحقيق أمور مطلبية وعمل نقابي، أما في القضايا الوطنية الكبيرة لا يوجد عوامل مشتركة.
وحول مبادئ التجمع، بين سمارة أنه إذا لم تجمع كل هذه التجمعات والقوى الوطنية على أن فلسطين كاملة هي للفلسطينيين، فإن أي قضايا أخرى لا تعتبر ذات معنى كبير، وأن ما يحمله هذا التجمع من مبادئ لرفع الانقسام، فإن الانقسام لن ينتهي بسبب أن كافة الأطراف متمسكة بمواقعهما، وفيما يخص صفقة القرن فإن الكل ضد هذه الصفقة ولكن بأي معنى أن تقف ضد هذه الصفقة هل بالعودة للمشروع الوطني الذي يطالب بكل فلسطين أم بحلول مرحلية وقيام دولة في الضفة الغربية؟.
وأردف سمارة أن اليسار الفلسطيني ليس كله في أزمة والبعض لا يعتبر نفسه بأزمة، وفقط الجبهة الشعبية التي تعاني من أزمة بين مواقفها وبين الراسخة وبين ممارسة عملها، فهي تنادي بكل فلسطين بينما تغازل السلطة واتفاق أوسلو.
وأخيرًا إن الساحة الفلسطينية تعيش في أزمة تجمعات وقوى وطنية لا تستطيع القفز للأمام والخروج من المأزق الذي تمر به، ولكي تستعيد القضية الفلسطينية عافيتها وتبدد هذه الثنائية يجب العودة للمشروع الوطني الفلسطيني والسماح بالتعددية السياسية فهي بحاجة لجميع طاقات الشعب الفلسطيني مهما كانت صغيرة أو كبيرة.