السبت  10 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تقرير مؤسسة الحق بشأن: الاستدعاءات والاعتداءات التي استهدفت تجمعاً سلمياً لحركة فتح ومقر تلفزيون فلسطين في قطاع غزة

2019-01-06 06:49:57 PM
تقرير مؤسسة الحق بشأن: الاستدعاءات والاعتداءات التي استهدفت تجمعاً سلمياً لحركة فتح ومقر تلفزيون فلسطين في قطاع غزة
تدمير مقر تلفزين فلسطين في غزة

 

الحدث المحلي

 

أولاً: سياق الأحداث

. بتاريخ 30/12/2018، ومنذ ساعات الصباح، استدعى جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة العشرات من قيادات وكوادر حركة فتح إلى مقرات الجهاز في محافظات قطاع غزة، وقد جاءت تلك الاستدعاءات على خلفية قيام الحركة بالتحضير للعديد من الفعاليات التي دعت لها بمناسبة إحياء الذكرى 54 لانطلاقة الحركة في محافظات قطاع غزة؛ على أن تبدأ الفعاليات بإيقاد شعلة الانطلاقة في ساحة الجندي المجهول وسط غزة في تمام الساعة الخامسة من مساء اليوم الاثنين بتاريخ 31/12/ 2018 وتنتهي بتنظيم مهرجان مركزي لإحياء ذكرى الانطلاقة بساحة السرايا وسط مدينة غزة يوم الاثنين الموافق 7|1|2019 في تمام الساعة 12:30 ظهراً.

2. أكد د. عاطف أبو سيف المتحدث باسم حركة فتح في قطاع غزة "للحق" أن جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة أبلغ عدداً من قادة وكوادر حركة فتح بمنعهم من القيام بأية تجمعات سلمية وأنشطة للحركة تتعلق بالذكرى 54 لانطلاقتها وإيقاد الشُعلة. وأضاف أبو سيف أن عناصر من الأمن الداخلي قاموا بتهديد أصحاب المطابع من طباعة أية منشورات أو بوسترات تتعلق بفعاليات إحياء الانطلاقة. وقد حصلت "الحق" على إفادة  خطية من أحد أصحاب المطابع في غزة تؤكد أن أفراداً من الأجهزة الأمنية قد أجبروه على توقيع تعهد خطي بعدم طبع أية لافتات أو صور  تخص الفعاليات المذكورة وأن المنع قد تكرر مع عدة مطابع في قطاع غزة.

3. وثقت "الحق" العديد من الإفادات الخطية وحصلت على نماذج عن الاستدعاءات التي وجهها جهاز الأمن الداخلي في غزة واستهدفت العشرات من قيادات وكوادر حركة فتح في القطاع، وقد تطابقت الإفادات في طبيعة الانتهاكات التي تعرضوا لها، حيث أكد العديد منهم أنهم تلقوا استدعاءات مكتوب وشفهية بتاريخ 30/12/2018 للحضور إلى مقر الأمن الداخلي غرب مدينة غزة "قصر الحاكم" وغيره على خلفية التجمع السلمي المنوي تنظيمه مساء يوم الإثنين 31/12/2018 وأكدوا في إفاداتهم الخطية الموثقة أنه قد جرى احتجازهم لساعات طويلة في مقرات الأمن الداخلي والتحقيق معهم حول التجمع السلمي والفعاليات التي يجري التحضير لها بذكرى الانطلاقة وخاصة إيقاد الشعلة، وتم الإفراج عنهم في ساعات متأخرة من مساء ذات اليوم، بالتزامن مع إبلاغهم باستدعاءات ثانية للحضور صباح اليوم التالي الاثنين الموافق 31|12|2018 إلى مقرات الأمن الداخلي ذاتها ، وقد جرى احتجازهم مجدداً حتى مساء ذات اليوم للحيلولة دون قيامهم بالمشاركة في التجمع السلمي.

4. تطابقت العديد من الإفادات الخطية التي وثقتها "الحق" لعدد من قيادات وكوادر وأنصار حركة فتح بشأن نمط من الانتهاكات التي مورست عليهم وتمثل في اقتيادهم مباشرة إلى مكان احتجاز معروف لدى الأمن الداخلي باسم "الباص" وهو عبارة عن غرفة مساحتها خمسة أمتار مربعة، فيها كراسٍ حديدة قصيرة؛ تشبه كراسي رياض الأطفال، ومرصوصة على شكل كراسي الباص. ومع مرور الوقت أصبحت أعداد المحتجزين داخل "الباص" نحو ثلاثين شخصاً وأُجبروا جميعاً على الجلوس على تلك الكراسي داخل "الباص" ومع ازدياد عدد المحتجزين قام أفراد الأمن بإجبارهم على الجلوس على كراس مماثلة في ممر طويل أمام "الباص" واحتجاز مَن تبقى منهم داخل زنازين صغيرة بجوار غرفة "الباص" ساعات طويلة في طقس بارد جداً طيلة فترة الاحتجاز.

5. بتاريخ 31/12/2018، وحوالي الساعة 15:00 مساءً، نظمت حركة فتح التجمع السلمي في ساحة ميدان فلسطين (منطقة الساحة) وسط مدينة غزة، وتجمع المئات من قادة وكوادر الحركة رجالاً ونساءً في ساحة ميدان فلسطين للمشاركة في فعالية إيقاد الشعلة التي كان مقرراً أن تكون بساحة الجندي المجهول، غير أن الأجهزة الأمنية بغزة سمحت فقط لعناصر ما يُسمى التيار الإصلاحي في حركة فتح الذي يقوده محمد دحلان بالتواجد في ساحة الجندي المجهول وإيقاد الشعلة. وعند حوالي الساعة 16:00مساءً هاجم العشرات من أفراد الشرطة بغزة بالزي الرسمي المشاركين في التجمع السلمي بالهراوات والعصي واعتدوا عليهم بالضرب العنيف، وساندهم أفراد بملابس مدنية، ما أوقع عدداً من الإصابات في صفوف المشاركين والمشاركات في المسيرة السلمية نُقل بعضهم للمستشفى لتلقي العلاج من جراء الاعتداء بالضرب المبرح وخاصة من المشاركات من النساء.

6. وثقت "الحق" العديد من الحالات التي جرى الاعتداء عليها بالضرب من المشاركات في المسيرة السلمية وبخاصة من قبل الشرطة بغزة؛ حيث تم الاعتداء بالضرب على السيدة هند صبحي هاشم أبو ندى (41 عاماً) سكان منطقة الفالوجة بجباليا وأُصيبت بكدمات ورضوض وجرح في الرأس نُقلت على إثرها للمستشفى للعلاج، وجرى الاعتداء على السيدة بثينة حمدي خليل السويسي (62 عاماً) سكان حي الزيتون وهي عضو قيادة إقليم شرق غزة ومفوضية المرأة وقد تعرضت للضرب بالهراوات على الأكتاف واليدين والقدمين، كما وجرى الاعتداء بالضرب بالهراوات على السيدة رغدة شحيبر وأصيبت برأسها ووجهها، وتعرضت السيدة سهام قلجة للضرب على يديها وقدميها، وتعرضت السيدة يسر الأطرش للضرب على يديها وصدرها، وجميعهن أعضاء قيادة منطقة بإقليم شرق غزة بحركة فتح، وقد جرى فض المسيرة السلمية بالقوة خلال ساعتين تقريباً من بدء انطلاقها.

7. بتاريخ 4/12/2018، وعند حوالي الساعة 9:30 صباحاً، اقتحم 5 أفراد غير ملثمين وبملابس مدنية، يحملون بأيديهم بلطات وشواكيش، مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية "مقر تلفزيون فلسطين" الواقع بالطابقين الرابع والخامس من عمارة أبو العوف، بشارع جامعة الدول العربية، في حي تل الهوا غرب مدينة غزة. وقام المقتحمون بتحطيم مكاتب وأجهزة وكاميرات ومقتنيات تلفزيون فلسطين الخاصة بالبث التلفزيوني ولم يكن أي من موظفي التلفزيون متواجداً وقت الاقتحام وقد حضرت الشرطة إلى المكان وفتحت تحقيقاً بالحادث.

8. في إفادته "للحق" أكد المواطن نائل أبو العوف، صاحب العمارة التي تقع فيها هيئة الإذاعة والتلفزيون، ويسكن في الطابق الثاني من العمارة بأنه عند حوالي الساعة 9:30 من صباح اليوم الجمعة الموافق 4|1|2019 وخلال تواجده داخل شقته بالطابق الثاني أسفل مقر تلفزيون فلسطين، سمع صوت تحطيم وتكسير في الطوابق العلوية، وصعد لاستطلاع الأمر، فشاهد خمسة أشخاص غير ملثمين وبملابس مدنية، يحملون بأيديهم بلطات وشواكيش، وكانوا يحطمون ويدمرون كل ما تقع عليه أيديهم داخل مقر تلفزيون فلسطين الواقع في الطابقين الرابع والخامس من العمارة. حيث حطموا أبواب وطاولات مكاتب التلفزيون والكاميرات وأجهزة الصوت وأجهزة الكمبيوتر وشاشات التلفزيون وغيرها، وعندما سأل هؤلاء الأشخاص عن هويتهم وسبب تدميرهم ممتلكات مقر التلفزيون، أخبروه بأنهم ممن جرى قطع رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية بالأمس، وأنهم من أنصار التيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان، ثم غادروا المكان، واستمر الاعتداء نحو ربع ساعة.

9. تشير التوثيقات والمتابعات الميدانية المستمرة "للحق" إلى أن حملة الاستدعاءات والاعتقالات التي ينفذها جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة بحق قيادات وكوادر ونشطاء حركة فتح قد ازدادت وتيرتها منذ يوم السبت الموافق 5/1/2019 وبخاصة في محافظتي غزة وشمال غزة؛ حيث ما زال العشرات منهم محتجزين في مقرات جهاز الأمن الداخلي في محافظات قطاع غزة وذلك على خلفية تحضيرات حركة فتح للمشاركة في المهرجان المركزي لانطلاقة الحركة المقرر عقده يوم الإثنين الموافق 7/1/2019 في ساحة السرايا وسط مدينة غزة.

ثانياً: موقف وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة

10. بتاريخ 31/12/2018 صدر تصريح صحفي عن السيد إياد البزم المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة على إثر الأحداث نُشر على موقع الوزارة "نستغرب من الافتراءات التي تدعيها حركة فتح وناطقوها بوجود اعتقالات لعناصرها في غزة، ونؤكد أنه لا يوجد لدينا أي معتقلين من حركة فتح، وقد جرى استدعاء 38 شخصاً من محافظات قطاع غزة كافة في إطار إجراءات المحافظة على النظام والهدوء، ومنع تفاقم الاحتكاك الداخلي بين عناصر حركة فتح وأي أعمال تخل بالأمن العام، وتم إخلاء سبيلهم جميعاً في حينه. وندعو الإخوة في حركة فتح إلى التحلي بروح المسؤولية، ووقف حملة التضليل والهجوم على الأجهزة الأمنية".

11. بتاريخ 5/1/2019 صدر بيان عن وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة حول ما حدث في مقر تلفزيون فلسطين بغزة نُشر على موقع الوزارة وجاء بالآتي "بعد وقوع الحادث في مقر تلفزيون فلسطين في قطاع غزة صباح أمس الجمعة، باشرت الأجهزة الأمنية التحقيق في الحادث، بالرغم من عدم تعاون إدارة التلفزيون مع الأجهزة الأمنية، وامتناعها عن تقديم المعلومات والتفاصيل المتوفرة لديها حول الحادث، وقد أسفر التحقيق عن الآتي: أولاً: قام عدد من الأشخاص بالدخول لمقر التلفزيون في منطقة تل الهوى جنوب مدينة غزة صباح أمس الجمعة وتحطيم بعض محتوياته. ثانياً: من خلال التحقيق وتتبع كاميرا المراقبة تم التعرف على هوية الأشخاص وعددهم خمسة وهم ينتمون لحركة فتح وجميعهم من موظفي السلطة الفلسطينية الذين قطعت رواتبهم مؤخراً وتبين أن أحدهم يعمل موظفاً في تلفزيون فلسطين وقد تم قطع راتبه الشهر الماضي. ثالثاً: قامت الأجهزة الأمنية باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الأشخاص الخمسة حيث تم توقيفهم جميعاً ومن خلال التحقيق معهم تبين أن الدافع الأساسي لما قاموا به هو قطع رواتبهم من قبل السلطة. رابعاً: تستنكر وزارة الداخلية والأمن الوطني ما تم فور وقوع الحادث من توزيع للاتهامات الباطلة هنا وهناك وشن حملة إعلامية تحريضية بالرغم من معرفة إدارة تلفزيون فلسطين بالأشخاص الذين قاموا بالفعل حيث أنهم دخلوا المقر مكشوفي الوجه وعرّفوا عن أنفسهم وأحدهم موظف من موظفي التلفزيون نفسه. خامساً: إن وزارة الداخلية والأمن الوطني لن تسمح لأحد بالعبث بحالة الاستقرار الأمني في قطاع غزة وستتخذ كل الإجراءات اللازمة في سبيل ذلك".

ثالثاً: التوصيف والتحليل القانوني للأحداث

12. إن الاستدعاءات التي تستهدف العشرات من أنصار حركة فتح من قبل جهاز الأمن الداخلي في غزة تجري دون أوامر قضائية، بما يشكل انتهاكاً للمادة (11) فقرة (2) من القانون الأساسي والتي أكدت على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون". وبذلك، فإن ما يجري من تقييد للحرية الشخصية دون أوامر قضائية ينتهك أحكام القانون الأساسي.

13. إن ما ورد في التصريح الصحفي للمتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني بغزة السيد إياد البزم بتاريخ 31/12/2018 يؤكد وقوع الاستدعاءات، ولا يستند إلى أساس قانوني، لأن استدعاء العشرات من قيادات وكوادر حركة فتح جاري منذ صباح يوم الأحد الموافق 30/12/2018 أي قبل يوم من الموعد المقرر للمسيرة السلمية بتاريخ 31/12/2018 لإحياء ذكرى انطلاقة حركة فتح، ولم تكن هناك أية أعمال مخلة بالأمن العام، وبالتالي فإن ما ورد في مضمون التصريح من أن "الاستدعاءات جرت في إطار  إجراءات المحافظة على النظام والهدوء ومنع تفاقم الاحتكاك الداخلي بين عناصر فتح وأي أعمال تخل بالأمن العام" غير مبرر ولا أساس له.

14. إن الحق في التجمع السلمي هو حقٌ دستوريٌ أساسيٌ مكفولٌ في القانون الأساسي الذي أكد في المادة (26) فقرة (5) على حق الفلسطينيين في عقد الاجتماعات العامة والتجمعات في حدود القانون. ومكفولٌ في الاتفاقيات الدولية التي انضمت اليها دولة فلسطين بدون تحفظات، الملزمة للسلطة القائمة في قطاع غزة، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد في المادة (21) على الحق في التجمع السلمي بالآتي "يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم". 

15. بإجراء الفحص ثلاثي الأجزاء الذي يرد على الضوابط الواردة على الحق في التجمع السلمي في المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومطابقتها على التصريحات العامة والفضفاضة التي أدلى بها المتحدث باسم وزارة الداخلية والأمن الداخلي في غزة السيد البزم نجد أنه لا أساس قانوني لتلك التصريحات، وبالتالي فإن انتهاك الحق في التجمع السلمي يكون مؤكداً في المستوى الأول من الفحص الثلاثي.

16. يؤكد المقرر الخاص في الأمم المتحدة المعني بالحق في حرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات في تقريره الصادر في 21/5/2012 بأنه في الحالات التي يتم فيها تنظيم اجتماعات عامة دون التقدم بإشعار كتابي مسبق فإن هذا الإجراء لا يُفقد التجمع صفته السلمية، ولا ينبغي أن يُحَل التجمع تلقائياً، وينبغي عدم التشدد والتشبث بالجانب التنظيمي البحت المتعلق بالإشعار وخصوصاً إذا لم يُلحق التجمع ضرراً بالنظام العام، وإن عدم التقيد بالإشعار لا ينبغي أن يكون سبباً في فرض عقوبات جزائية أو إدارية أو غرامات على المنظمين (فقرة 29 من التقرير). وقد أكدت المبادىء التوجيهية بشان حرية التجمع السلمي على أنه ينبغي اعتبار التجمع سلمياً إذا كانت لدى منظميه نوايا سلمية معلنة، وينبغي أن يكون ذلك مُفترضاً، ما لم تكن هناك أدلة دامغة وواضحة بأن المنظمين أو المشاركين يعتزمون الاستخدام أو الدعوة إلى العنف الوشيك، وعبء الإثبات يقع على عاتق السلطة العامة (الفقرة 25) أي السلطة القائمة في قطاع غزة والحالة تلك،

17. إن الاستدعاءات التي ينفذها جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة وتستهدف العشرات من قيادات وكوادر حركة فتح تأتي على خلفية الفعاليات السلمية التي أعلنت عنها الحركة للاحتفال بانطلاقتها، وهذا ما يتضح من سياق التصريح الصحفي الذي أدلى به السيد البزم على خلفية الأحداث، ويتضح من العديد من الإفادات الخطية التي وثقتها "الحق" لقيادات وكوادر من حركة فتح جرى استدعاؤهم، كما وتشير الإفادات الموثقة بأنه قد جرى التحقيق معهم داخل مقرات جهاز الأمن الداخلي على خلفية الفعاليات السلمية التي دعت إليها حركة فتح للاحتفال بانطلاقتها. وبالتالي، فإن الاستدعاءات التي جرت تشكل "احتجازاً تعسفياً" حسب تصنيف الفريق العامل في الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي الذي يعتبر أن الحرمان من الحرية الناجم عن ممارسة عدد من الحقوق والحريات التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومن بينها الحق في التجمع السلمي الوارد في المادة (21) من العهد المذكور يعد من حالات الاحتجاز التعسفي (صحيفة الوقائع رقم 26) ما يعني وقوع انتهاك للمادة (9) من العهد التي تحظر الاحتجاز التعسفي.

18. إن قانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998 النافذ في قطاع غزة يُلزم بموجب المادة الخامسة منه (إجراءات الحماية) السلطة القائمة في القطاع بالنص الصريح باتخاذ ما يَلزم من إجراءات الحماية للمسيرة السلمية على أن لا يترتب على تلك الإجراءات أيّ مسّ بحرية المجتمعين وسير التجمع السلمي كما ورد في النص. 

19. حيث أن الحق في التجمع السلمي يعد شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي وفقاً للمادة (19) من القانون الأساسي المعدل والمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاصة بحرية التعبير عن الرأي وهذا ما يتضح في التعليق العام رقم (34) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بشأن المادة (19) من العهد الدولي سالفة الذكر، فإن ما جرى يشكل انتهاكاً للحق في حرية التعبير عن الرأي. 

20. إن احتجاز العشرات من أنصار حركة فتح في المكان المعروف لدى جهاز الأمن الداخلي بــ "الباص" وهو عبارة عن غرفة بمساحة خمسة أمتار مربعة تحتوي على كراس حديدية قصيرة تشبه كراسي رياض الأطفال مرصوصة على شكل كراسي الباص ولفترات زمينة طويلة، يندرج في إطار المعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة وفق المادة (16) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة التي انضمت إليها دولة فلسطين ويشكل جريمة في القانون الأساسي وقانون العقوبات النافذ في غزة.

21. إن تلك الاعتداءات تُشكل جرائم دستورية موصوفة في المادة (32) من القانون الأساسي المعدل التي أكدت صراحة على أن كل اعتداء على أي من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتستتبع تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر.

22. لا توجد دلائل لدى "الحق" تثبت تورط السلطة القائمة في قطاع غزة وأجهزتها الأمنية بالاعتداء الذي استهدف مقر تلفزيون فلسطين الواقع في الطابقين الرابع والخامس من عمارة أبو العوف بشارع جامعة الدول العربية في حي تل الهوا غرب مدينة غزة. وفي المقابل، ينبغي على السلطة القائمة في القطاع أن تُجري تحقيقات جزائية فعّالة وشفافة تؤدي إلى محاسبة مرتكبي هذا الاعتداء، واتخاذ إجراءات الحماية الكفيلة بعدم تكراره.

رابعاً: الاستخلاصات والتوصيات

23. تتحمل السلطة القائمة في قطاع غزة مسؤولية عمليات الاحتجاز التعسفي التي تجري بحق العشرات من قيادات وكوادر حركة فتح بذكرى انطلاقتها، وانتهاك الحق في التجمع السلمي والحق في حرية التعبير  عن الرأي، والحالة تلك، وهي جرائم موصوفة في القانون الأساسي وقانون العقوبات النافذ وقانون الاجتماعات العامة، وعليها أن تقوم بمحاسبة مرتكبي تلك الجرائم، وإنصاف الضحايا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرارها.

24. تطالب مؤسسة الحق السلطة القائمة في قطاع غزة بتمكين أنصار حركة فتح من ممارسة حقهم الدستوري والقانوني المكفول في الاتفاقيات والمعايير الدولية بتنظيم التجمع السلمي المقرر إقامته يوم الإثنين الموافق 7/1/2018 في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، ووقف حملة الاستدعاءات والاعتقالات التي لا زالت مستمرة بحق كوادر وأنصار حركة فتح، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية حقهم في إقامة التجمع السلمي (المهرجان المركزي للإنطلاقة) واحترام حقهم في التعبير عن الرأي بحرية وإنفاذه، وتحذر "الحق" من تكرار الاعتداءات والجرائم التي ارتكبت بحق المشاركين/ات في فعاليات إحياء ذكرى الإنطلاقة وإيقاد الشُعلة.

25. لا يوجد لدى "الحق" ما يثبت تورط السلطة القائمة في قطاع غزة وأجهزتها بالاعتداء الذي استهدف مبنى التلفزيون بالقطاع (تلفزيون فلسطين) وينبغي اتخاذ التدابير الفعّالة لمحاسبة المعتدين وضمان عدم التكرار.

26. إن انتهاك الحق في التجمع السلمي وعمليات الاحتجاز التعسفي التي جرت في عدة محافظات في قطاع غزة واستهدفت أنصار حركة فتح، وما سبقها من انتهاك للحق في التجمع السلمي وعمليات احتجاز تعسفي جرت في عدة محافظات بالضفة الغربية واستهدفت أنصار حركة حماس منذ منتصف شهر كانون الأول 2018 تدلل على مستوى التدهور الخطير الحاصل في حالة حقوق الإنسان وتشير إلى أن المواطنين الفلسطينيين بات يتم التعامل معهم كرهائن في ظل استمرار حالة الانقسام وتفاقمها وارتفاع مؤشر الانتهاكات وبخاصة في الآونة الأخيرة.

27. إن مؤسسة الحق تُطلق تحذيراً من خطورة ما آل إليه حال حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة ومن التبعات الخطيرة مع استمرار وتصاعد عمليات التحريض المتبادل وفي مستويات مختلفة بين طرفي الانقسام وما يرافقها من تصعيد وتعبئة حزبية وتوتير للأجواء، وآثارها الخطيرة، وتدعو طرفي الانقسام إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والقانونية في حماية الحقوق والحريات، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات، وتحقيق سبل الانتصاف الفعّال.

28. تؤكد "الحق" على ضرورة العمل على تحديد موعد لإجراء الانتخابات العامة والمتزامنة للرئاسة والمجلس التشريعي، والمجلس الوطني، على أساس قانون انتخابي ومحكمة لقضايا الانتخابات محل توافق وطني، وبغياب المحكمة الدستورية، وتهيئة بيئة انتخابية حرة ونزيهة وشفافة للعملية الانتخابية، والقبول بنتائج الانتخابات.