الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شَبحُ الشّتاتِ الفِلَسطينيّ/ بقلم: سام بحور

2019-05-16 02:50:37 PM
شَبحُ الشّتاتِ الفِلَسطينيّ/ بقلم: سام بحور
سام بحور

 

إحذر! لدى فلسطين سلاح خفي للتنمية الشاملة، وهو متمثل في مغتربي الشتات، لكن المشكلة تكمن في أننا غير قادرين على التواصل معهم كما ينبغي.

يتمتع هذا السلاح بإمكانات ضخمة من حيث قدرته على أن يشكل جسراً بين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال وبين الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج، وقدرته على ضخ الاستثمار الخارجي المباشر بهدف تنمية اقتصادنا، وقدرته على إثراء المشهد الثقافي الفلسطيني من خلال إضافة صبغات أخرى إلى نسيج شعبنا.  

كلنا نعلم بوجود مجتمع الشتات وبأنه لم يتم الوصول إليه بشكل كامل حتى الآن لدرجة أن هناك مفهوم شائع بأن هذا المجتمع كالشبح من حيث أنه قائم لكننا لا نلمس وجوده وأنه مستعد لتقديم العون لكنه لا يقدم المساعدة وأنه جزء منا دون أن يكون فعلاً كذلك،... وما إلى ذلك.

أما أنا فأتخذ موقفاً مغايراً.

بداية ، يمكن القول أن مجتمع الشتات لا يشبه مجتمعات الشتات لديكم، وهو حال العديد من الأمور التي تخص الواقع الفلسطيني، فالغالبية العظمى من الفلسطينيين، وليس جميعهم، الذين عاشو في الخارج لم يتخذوا قرار الهجرة بمحض إرادتهم؛ وذلك لأن تجريدهم من أرضهم في فلسطين، والاحتلال العسكري للضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، إلى جانب السياسة الإسرائيلية الممنهجة في فرض العيش داخل بيئة جغرافية ممزقة، قد دفعت جميعها بالفلسطينيين إلى الشتات وأثرت بقوة على وجودهم حيث هم موجودون وعلى الكيفية التي ينظرون فيها إلى وطنهم.

لذا، لنتعرف أولاً على المقصود بالشتات. يعرّف أحد الباحثين الشتات ببساطة على أنه ذلك الجزء من الشعب المشتت في دولة أو أكثر خارج وطنهم ويشعرون بارتباط مرحلي مع وطنهم (1). وإذا ما أضفنا إلى هذا التعريف ما أشرنا له سابقاً من أنه حصة الأسد في الشتات الفلسطيني – حيث يشكلون مجتمع اللاجئين الفلسطينيين بتعداد يفوق 5 مليون لاجئ – ممن هجّروا لأسباب سياسية وفي انتظار العودة إلى وطنهم، يمكن القول بكل ثقة بأن هناك شعور بارتباط مرحلي لدى أبناء شعبنا. ولكن، ونظرا لكون الدافع للشتات الفلسطيني سياسي بالأساس، ولأن الكثير من المهجرين يعيشون في مخيمات لجوء تحت ظروف مزرية، فلا يمكن الافتراض بأن بقاء أولئك الذين هجروا مؤخرا أكثر من مرة (مثل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان) تحت هذه الظروف اللاإنسانية يخدم وطنهم. بل إن العديد منهم ينتظر الحصول على المساعدة الفلسطينية، كما هو واضح في العديد من برامج المنح ومشاريع التنمية التي توفرها فلسطين لبعض المهجَّرين. وحتى لا يساء فهمي، لا يعجز جميع اللاجئين الفلسطينيين عن المساهمة في تنمية فلسطين، بل إنه بمقدور العديد منهم أن يساهم فعلا في أعمال التنمية، ولكنني أخصُ بالحديث هنا الجزء الأكبر من هذه المجتمعات.

وبما أنني أحد الأشخاص الذين ولدوا في المهجر وعادوا إلى فلسطين بعد توقيع اتفاق أوسلو، فغالبا ما يتم استدعائي لورشات واجتماعات لمناقشة الأساليب الممكن من خلالها فهم مجتمع الشتات. وعلى مدى أكثر من خمسة وعشرين عام، لطالما بدأت هذه الاجتماعات من نقطة الصفر وركزت في عملها على المستقبل الذي يرسمه أو يمكن أن يرسمه الاستثمار في مجتمع الشتات، ليصب في صالح فلسطين. ولكنني على يقين من أن نقطة البداية هذه غير سليمة، على الرغم من إيماني الراسخ بأهمية الاستثمارات من مجتمع الشتات، لأن من وجهة النظر الاستثمارية فان الصلة هذه قائمة بالأساس وتجري على قدم وساق.

هذا الذي نصفه بأنه شبح الشتات هو في الواقع ليس شبحا على الإطلاق إذا ما نظرنا إلى سيناريو الأعمال والاستثمار في فلسطين، حيث  أن المؤسسات التي تقود الاستثمار المؤسسي في فلسطين، مثل الشركة العربية الفلسطينية للاستثمار) أيبك(، وباديكو القابضة، وريتش القابضة، وأيضا شركة قمت بتأسيسها عام 2000 ولم تعد لي علاقة بها، وتدعى شركة مغتربي فلسطين للاستثمار حصدت جميعها ثمار نجاح الأعمال التي بادر إلى إنشائها مجتمع الشتات الفلسطيني، كما يشترك العديد من الأشخاص في ذات المجال. أسعدني مثلا لقائي قبل بضع سنين في رام الله بمدير مشروع التنمية الدولية لبيرزيت والذي كان نتيجة جهود جمعية بيرزيت (في الولايات المتحدة الأمريكية)، والذي يهدف إلى تعزيز الاستثمار في مدينة بيرزيت. كما تحدث إليّ رجل أعمال من الجالية الفلسطينية مؤخرا عندما ألقيت خطابا في مدينة فورت واين – إنديانا، لأنه يعمل بكل جدية على جلب البضائع الفلسطينية إلى السوق الأمريكي. وهناك عدد لا حصر له من الأمثلة على الأعمال التجارية التي تجريها الجالية الفلسطينية في الخارج.

من الممكن أن نعزوا السبب في فقدان حلقة الوصل مع مجتمع الشتات إلى أي شيء إلا قلة الفرص الاستثمارية. أهلنا في الشتات ليسو أجانب وإنما جزء لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني، وهم بحاجة إلى أن نتعامل معهم على هذا الأساس.

نشرت منظمة شؤون الشتات عام 2011 كتيّب بعنوان مجموعة الأدوات الاستراتيجية لمجتمع الشتات العالمي(2)، والذي يشير إلى محاولات من دول في بعض الأحيان لإشراك أكبر عدد ممكن من أهلنا في الشتات، وغالباً ما يتم ذلك من خلال بوابات إلكترونية. لكن، وبالرغم من أنه يمكن اعتبار العديد من الأشخاص إحصائيا ضمن مجتمع الشتات، لا يشعر جميعهم بالحنين أو بالانتماء الشديد لوطنهم. وقد فشلت مبادرات عديدة لمجتمع الشتات بسبب عدم تحديد الأفراد الذين لديهم حافز ورغبة شديدة لدعم مشروع ما لمدة طويلة، ولمجابهة الظروف الصعبة وإضافة المصداقية لها. هذا هو لغز "بعرض الميل وعمق إنش واحد" مقابل "بعرض إنش وعمقه ميل واحد". وهذه الفئات ليست متفاوتة بنفس القدر وينبغي على الدول أن تقرر أين سينصب تركيزها. وهنا يكمن اللغز في التوجه إما نحو تنفيذ المشاريع واسعة النطاق ولكن السطحية منها، أو في التوجه نحو المشاريع ضيقة النطاق بالرغم من جذريتها. ولا يتناقض هذان الصنفان من المشاريع مع بعضهما البعض، ولكن على الدول التركيز على أحدهما فقط.

لذلك، علينا بداية أن نتعرف على شتاتنا. وليس من المقبول، بعد كل هذا الوقت، أن نفتقر لقاعدة بيانات تدار بشكل مهني لجميع الفلسطينيين. وقد أوضحت وجهة النظر هذه سابقا بأن بناء قاعدة البيانات تلك ستشكل المهمة المثالية للجنة الانتخابات المركزية التي تمتلك تجهيزات وخبرة جيدة، ولكن سيترتب بذلك على القيادة السياسية توسيع نطاق صلاحيتها (ليشمل أهلنا في الشتات). وعندها سيتوجب علينا أن نكون انتقائيين كما ذكرتُ آنفاً. لن يشارك بالضرورة كل فرد أو تجمع لفلسطينيي الشتات وليس المطلوب أن يتم ذلك. المهم هو أن نعرف الفرد الذي يمكنه أن يسهم في تنمية فلسطين وذلك الجزء من العالم الذي يقيم ذلك الفرد فيه. ويمكننا أن نرى فعلياً الأثر الذي تركته هذه المشاركة في قطاع الأعمال – ولا أنكر أن  هناك مجال للتوسع هنا، ولكن علينا الآن أن نقدم التسهيلات اللازمة لمجتمع الشتات كي يترك بصمته في المجال السياسي، والحوكمة، والتعليم، والصحة، والثقافة، على سبيل المثال لا الحصر. وبهذا، سيكون الإبقاء على سجلات تحفظ أعداد وبيانات الفلسطينيين رسالةَ واضحة وجلية لإدارة ترامب، بأنه قد يكون بإمكانهم العمل على تجريدنا من حقوقنا ما شاؤوا، إلا أنه ما من قوة في العالم أجمع يمكنها منعنا من معرفة وعدّ شعبنا الفلسطيني حيثما حَلَّ.

إنتبه مرة أخرى! الشتات عينه علينا ويستمر في الانتظار.

 

 

 

 (1)أنوبام شاندر، "سندات المغتربين،" مراجعة قانون جامعة نيويورك، عدد 7، تشرين الأول/أكتوبر 2001.

(Anupam Chander, “Diaspora Bonds,” New York University Law Review, Vol. 7, October 2001.)

 

 (2)مجموعة الأدوات الاستراتيجية لمجتمع الشتات الدولي، منظمة شؤون الشتات، 2011، متاحة عبر:http://diasporamatters. com/downloads/the-global-diaspora-strategiestoolkit/.

(The Global Diaspora Strategies Toolkit, Diaspora Matters, 2011, available at http://diasporamatters. com/downloads/the-global-diaspora-strategiestoolkit/)