الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

البحث عن “الثلاثة” في أواني الطبخ وخزائن الملابس

2014-06-24 00:00:00
البحث عن “الثلاثة” في أواني الطبخ وخزائن الملابس
صورة ارشيفية

نابلس- جميل عليان

تنفجر عدة قنابل صوت في محيط المنزل في مخيم بلاطة قرب نابلس، «بم.بم.بم.» وهو أحد المشاهد المتكررة التي تسبق عمليات الاقتحام الليلية في الضفة الغربية، التي تشهد منذ أكثر من أسبوع عمليات عسكرية متواصلة، يشرف عليها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو شخصياً.

وعندما يدخل الجنود إلى غرف المنزل الضيقة المكتظة بساكنيها، تبدأ عمليات التفتيش الهستيرية، لكن أياً من سكان المنازل في حارات المخيم يفهمون إلى ماذا يرمي التفتيش العشوائي في حاجياتهم.

والتفتيش الذي يجريه آلاف الجنود في الضفة الغربية ينصب على الأغراض الخاصة: خزائن ملابس، خزائن لجمع الأحذية، رفوف أواني المطبخ، وحاجيات السكان التي يستخدمونها بشكل يومي.

وأيضا في مكان لا يخطر على بال أحد: في عبوات بلاستيكية صغيرة وضعت فيها بعض الخضار والفواكه! وعندما يستفـذ الجيش وقته في مهمة التفتيش يخرج.

وتجري عمليات التفتيش عن ثلاثة مستوطنين فقدت آثارهم يوم الجمعة الماضي على هذا النحو في معظم المناطق التي يقتحمها الجيش، فلا هدف محدد في عملية بحث قال مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية إنها ستشمل كل حجر في الضفة الغربية.

لكنها في مخيم بلاطة شملت أكثر من الحجر، فقد فتش الجنود عبوة مسحوق غسيل بحثاً عن الثلاثة المفقودين، والذين تتهم إسرائيل حركة حماس بخطفهم، فيما لم يعلن أي فصيل فلسطيني مسؤليته عن ذلك.

وتضحك سيدة المنزل بقوة وهي تلملم ما نثره الجنود على الأرض، ويظهر حتى الآن إفلاس معلوماتي في كل العمليات التي نفذتها وحدات مختلفة من جيش الاحتلال في الضفة الغربية، وقالت: «خربوا كل شيء. هل يعتقدون أن المستوطنين موجودون داخل الثلاجة!» 

وتجري في مناطق نابلس والخليل أوسع عمليات التفتيش التي يشارك فيها آلاف الجنود من وحدات المشاة، إضافة إلى وحدة مظليين شوهدت تعمل في جبال الخليل.

ورغم أن المستوى السياسي الإسرائيلي حدد أهدافه الأولية من وراء العلمية العسكرية المتواصلة منذ أسبوع، وهي ما سميت بـ «عودة الأخوة الثلاثة»، إلا أن عملياتها انصبت على البحث عن السراب.

في مخيم بلاطة، وهو واحد من أكبر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، تظهر عمليات التفتيش والمداهمة الليلية أنها تصب في البحث عن ناشطين في الفصائل، أكثر من كونها بحثاً عن مفقودين إسرائيليين.

ومنذ عملية السور الواقي التي نفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية عام ٢٠٠٢، لم تشهد محافظات الضفة الغربية عمليات عسكرية واسعة ومتواصلة كالتي تجري هذه الأيام، لكن الاجتياح الناعم لمناطق تسيطر عليها السلطة الفلسطينية لا يبدو في طريقه للانتهاء قريباً، فذاته رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كرر أكثر من مرة تصميم جيشه على العمل الحثيث حتى عودة المستوطنين الثلاثة.

ورغم أن أهداف الجيش تتراوح بين مكونات مطابخ العائلات الفلسطينية، مثل العبوات البلاستيكية الصغيرة، وبين كهوف الخليل الأثرية، إلا أن اقتحام مدن الضفة الغربية من الممكن أن يجر المنطقة إلى مزيد من التصعيد.

أما بالنسبة لسكان مخيم بلاطة والمناطق التي تجري فيها عمليات التفتيش، لا يعدو دخول الجيش إلى منازلهم سوى عمليات ترويع اعتادوا عليها خلال السنوات الماضية.

وحتى الآن يظهر بنك الأهداف الإسرائيلية خاوياً، لكن العمليات العسكرية مستمرة في كل مكان، وتحاول إسرائيل من خلال عمليات الاعتقال الواسعة التي تنفذها في الضفة الغربية الضغط على حركة حماس كما تقول.

وحسب إحصائية صدرت مساء أمس عن نادي الأسير الفلسطيني، فإن نحو 388 مواطناً على الأقل اعتقلوا خلال الأيام الماضية. هذا العدد يشمل المواطنين الذين أوقفوا لعدة أيام، والذين اعتقلوا وما زالوا محتجزين حتى الآن. وتركزت عمليات الاعتقال في الثلاث محافظات الكبيرة، فقد تم تسجيل اعتقال 132 شخصاً في محافظة الخليل، والتي تتركز فيها عمليات الاعتقال، بينما وصل عدد معتقلي محافظة نابلس 76، ورام الله 48.

وقال وزير المالية الإسرائيلي، يائير لبيد، إن الحملة العسكرية في الضفة الغربية لها ثلاثة أهداف: «إعادة المستوطنين المختطفين، وتدمير حماس، بالإضافة إلى تفكيك حكومة الوحدة الفلسطينية».  وتابع لبيد في مقابلة أجرتها معه القناة الثانية الإسرائيلية مساء الجمعة: «يجب علينا إدارة عملية عسكرية بعقلانية، خاصة ونحن نقترب من شهر رمضان، لذلك أنا أقف ضد الاحتكاك مع الفلسطينيين».  

 وأشار لبيد إلى أن «العملية العسكرية في الضفة والخليل معقدة، مع التأكيد على أننا لا نسعى لانتفاضة جديدة». وقال لبيد: «إن إسرائيل وأمنها متأكدان 100 % أن حماس هي من يقف وراء عملية الخطف». 

بالنسبة لسكان الضفة الغربية فإن ما يجري لا يتعدى كونه عقاباً جماعياً، ففي مخيمات نابلس لم تظهر عمليات التفتيش إلا ردود فعل هستيرية من قبل جيش مجهز يتحرك ليلاً تحت وابل من إطلاق مكثف للنيران والقنابل الصوتية.

وفي مشهد عسكري مطلق، لم يظهر منه حتى الآن إلا عمليات عسكرية متواصلة في مختلف المحافظات الفلسطينية الشمالية، وقصف جوي متقطع على قطاع غزة، تظهر الخيارات أمام جيش الاحتلال مواصلة البحث حتى في المكاتب الصحافية وفي المحلات التجارية، فيما تظهر الخيارات أمام الحكومة الفلسطينية محدودة، تعتمد على النداءات الدولية.

وخلال زيارته للخليل التي تجري فيها أوسع عمليات التمشيط، قال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله: «إن الحكومة كثفت اتصالاتها مع دول العالم والمؤسسات الدولية والرسمية، للضغط على إسرائيل وإلزامها برفع حصارها العسكري المفروض على أبناء شعبنا، وخاصة في محافظة الخليل، ووقف كافة الانتهاكات والاعتداءات التي تقوم بها قوات الاحتلال».

لكن بعد ساعات قليلة من نداء رئيس الحكومة، ضاعفت قوات الجيش الإسرائيلي من عملياتها التي أسفرت حتى الآن عن استشهاد طفل وكهل، فيما يرقد شاب آخر في أحد المشافي الإسرائيلة وهو يعاني سكرات الموت.

ويحاول الجانب الفلسطيني الرسمي إبداء توازن في تصريحاته اليومية، فمن تصريح مباشر للرئيس محمود عباس رافض لعملية اختفاء محتملة للمستوطنين، إلى تصريحات أخرى تدعو الأطراف الدولية للضغط على إسرائيل لوقف عملياتها، والتي يديرها على الأرض وزير جيشها.

ويظهر الشارع الفلسطيني بعيداً عن التصريحات السياسية، فاختفاء ثلاثة إسرائيليين يعني بالنسبة له عملية تبادل أسرى محتملة في المستقبل، أو على الأقل تخفيف الضغوط على الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، والذين يخوض بعضهم إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ أسابيع.

أما بالنسبة للشبان الذين يرشقون سيارات الجيش الإسرائيلي بالحجارة، فإنهم يرون الأمر بعيداً عن الأمنيات السياسية أو تهديدات قادة العسكر الإسرائيلين بعملية طويلة قد تصل إلى أشهر. في الليل تختفي السيارات الفلسطينية على غير العادة خلال السنوات الماضية من الهدوء النسبي، وتدخل سيارات الجيش المصفحة، مثلما يحدث كل ليلة عندما تدخل إلى مركز مدينة نابلس والخليل، ودون أن تظهر هذه المرة أية انتماءات واضحة لراشقي الحجارة نحو سيارات الجيش الإسرائيلي، تبدو الفصائل الفلسطينية في حالة من عدم يقين مما يجب أن تقدمه.

وفي أكثر من شريط فيديو وزعته وكالات ومواقع إخبارية محلية، يظهر شبان يصيحون مطالبين الجيش بالتقدم في مركز مدينة رام الله، ولا يظهر أي من الشبان يحمل أية راية لأي فصيل فلسطيني من اليمين أو اليسار. وأبلغ مواطنون في بلدة بيت فوريك قرب نابلس، والتي اقتحمتها قوات كبيرة من سلاح المشاة الإسرائيلي، أن الجيش بدأ بتجميع السكان بشكل عشوائي في مدارس البلدة.

وقال شاب فضل عدم ذكر اسمه: «كانوا مشاة... كان جيشاً كبيراً، لا نعرف عن ماذا يبحثون في أسرة الأطفال... هذا جنون!»

وتتعزز قناعات في الشارع الفلسطيني بأن ما يجري ليس عملية بحث عن مختطفين، بقدر ما هي عملية إعادة ترتيب جغرافية الضفة الغربية، عبر تقطيع أوصالها وبناء المزيد من المستوطنات فيها.

ودعت زهيرة كمال، الأمينة العامة للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا، إلى: «عقد اجتماع عاجل للقيادة الفلسطينية يحضره أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وقادة فصائل العمل الوطني والإسلامي، ورئيس حكومة الوفاق الوطني، والوزراء وعدد من الشخصيات والكفاءات الوطنية المستقلة وذوي الاختصاص، من أجل البحث في سبل مواجهة حملة التصعيد الحالي، والذي كثفته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أبناء شعبنا الفلسطيني في المحافظات الشمالية والجنوبية، متذرعة بحادثة اختفاء الإسرائيليين الثلاثة».

وقالت كمال: «الحملة تتجاوز السبب الذي يسوق لها، وهو اختفاء الإسرائيليين الثلاثة، وهناك مخطط إسرائيلي معد مسبقاً لذلك قبل حادثة الاختفاء، تهدف من ورائه إسرائيل إلى الإجهاز على ما بقي من فرص لحل الدولتين، ويستهدف تقويض حكومة الوفاق الوطني التي تم تشكيلها».

في المدن الفلسطينية لا أحد يلقي بالاً لما قد يقدمه السياسيون من تصريحات يومية، بقدر الانتظار لما قد ينجم عن عمليات الجيش الإسرائيلي اليومية التي تحولت إلى سلسلة من الحقائق الدرامية، بعد أن بثت وكالات الأنباء صوراً لجنود الاحتلال يفتشون مطابخ وأسرة حضانات أطفال، بحثاً عن ثلاثة مختفين ما زال مصيرهم مجهولاً.

 

نائماً على الأرض، ظهر الطفل نبيل مليطات (سنة ونصف) من بلدة بيت فوريك، خارج سريره الذي كان يخضع لحظتها لعملية تفتيش عن «الأخوة الثلاثة»، وهو اسم العملية التي تنفذها قوات الجيش الإسرائيلي للعثور على المستوطنين الثلاثة.