الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل سيؤدي رد إيران على اغتيال قاسم سليماني إلى حرب؟

2020-01-04 08:55:14 PM
هل سيؤدي رد إيران على اغتيال قاسم سليماني إلى حرب؟
قاسم سليماني

 

الحدث -جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للخبير في شؤون الشرق الأوسط بمعهد مركز الأمن الأمريكي الجديد إيلان غولدنبرغ وتساءل فيه عن ماذا ستفعل إيران بعد عملية اغتيال قاسم سليماني التي نفذتها طائرات بدون طيار أمريكية في بغداد.

ويضف الخبير غولدنبرغ بأن قاسم سليماني قائد فليق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني كان أحد أكثر الشخصيات نفوذاً وشعبية في الجمهورية الإسلامية وأحد أعداء الولايات المتحدة. مؤكداً أن الرجل قاد الحملة الإيرانية لتسليح وتدريب الجماعات المسلحة في العراق، المسؤولة عن مقتل حوالي 600 جندي أمريكي خلال الفترة 2003-2011، وأصبح بعد ذلك المروج الرئيس للنفوذ السياسي الإيراني في العراق، ولا سيما خلال جهوده في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وأشار  غولدنبرغ إلى أن سليماني قاد أيضاً الحملة الإيرانية لتسليح ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بما في ذلك بنشر أكثر من 50000 مقاتل من الجماعات المسلحة الشيعية في سوريا. وكان أيضا حلقة الوصل بين إيران وحزب الله اللبناني، وساعد بتزويد الحزب بصواريخ ومعدات من شأنها أن تهدد "إسرائيل".

ويؤكد الخبير الأمريكي بأن سليماني هو من قاد أيضاً استراتيجية إيران بتسليح جماعة الحوثي في اليمن، ولكل هذه الأسباب وأكثر من ذلك، كان سليماني بطلاً في عيون الإيرانيين والمنطقة برمتها.

وباختصار، قامت الولايات المتحدة باتخاذ خطوة تصعيدية كبيرة في اغتيال أحد أهم وأقوى الرجال في الشرق الأوسط.

يوضح الخبير بأن إدارة الرئيس ترامب أعلنت بأن كان ارهابياً وان اغتياله كان عملاً دفاعياً أوقف هجمات وشيكة. مؤكداً أن هذه التصريحات سواء كانت صحيحة أو غير ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تكن لتشعر بأنها مضطرة للتصرف ضد الجنرال الإيراني إن لم يكن بسبب السياسة الطائشة التي اتبعها ترامب منذ توليه الحكم. ففي مايو 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني واعتمد سياسة "أقصى ضغط" التي تتمثل بفرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.

ولمدة عام، ردت إيران بضبط النفس في محاولة لعزل الولايات المتحدة دبلوماسياًوكسب تنازلات اقتصادية من أطراف أخرى وقعت على الاتفاق النووي.

يضيف الكاتب بأن النهج المقيد لم يسفر عن فوائد مادية. وبحلول أيار/مايو 2019، اختارت طهران بدلاً من ذلك خرق الاتفاق وتصعيد التوترات في جميع انحاء المنطقة. أولاً جاءت هجمات الألغام الإيرانية ضد سفن الشحن الدولي في مايو ويونيو. ثم أسقطت إيران طائرة أمريكية بدون طيار، كادت أن تفتح صراعاً واسعاً مع الولايات المتحدة. في سبتمبر/أيلول، ضربت الصواريخ الايرانية منشأة ابقيق النفطية في المملكة العربية السعودية، ويمكن القول انها أهم منشأة من البنية التحتية النفطية في العالم. وبدأت جماعات مسلحة شيعية في إطلاق صواريخ على القواعد الامريكية في العراق، مما أدى في النهاية إلى مقتل مقاول أمريكي الأسبوع الماضي. وقد أوصلتنا الضربات الانتقامية الامريكية في نهاية المطاف إلى اغتيال سليماني.

يرى الكاتب بأن السؤال الأكثر أهمية الآن هو كيف سترد إيران، إن سلوك الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى الأشهر القليلة الماضية وعلى مدى تاريخها الطويل يوحي بأنها قد لا تسارع في الانتقام. وبدلاً من ذلك، فإنها ستختار بعناية وصبر النهج الذي تراه فعالاً، وستحاول على الأرجح تجنب نشوب حرب مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الأحداث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية تبرهن على أن خطر سوء التقدير مرتفع بشكل لا يصدق.

ويوضح الخبير أن سليماني لم يكن يعتقد أن الولايات المتحدة ستصعد بشكل كبير حتى يكون بموقف ضعيف على مرمى حجر من القوات الأمريكية المتمركزة بالعراق. من جانبه، كان ترامب مصمماً على عدم البدء بحرب جديدة في الشرق الأوسط - ومع ذلك، نحن هنا على حافة الهاوية.

يضيف الخبير بأنه يجب على الولايات المتحدة على الأقل أن تتوقع أن تجد نفسها في صراع مع الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، التي استهدفت القوات الأمريكية والدبلوماسيين والمدنيين الأمريكيين. والعراق هو المسرح الذي وقعت فيه الضربة الامريكية والتالي هو المكان الأكثر عقلانية لإيران للرد فورًا. وعلاوة على ذلك، قامت الجماعات المسلحة بتصعيد أنشطتها بالفعل خلال الأشهر الستة الماضية، وهم حسب وصف الخبير أكثر الوكلاء تجاوباً مع إيران، وبذلك سيكونوا متحفزين للغاية خاصة أن أبو مهدي المهندس أحد كبار قادتهم قد قتل في الغارة الأمريكية إلى جانب سليماني.

يتساءل الخبير إذا ما كان الوجود الأمريكي في العراق لا يزال قابلاً للاستمرار والحياة، فإن هذا السؤال سيقى مفتوحاً، كما أن الوضع الأمني الذي زاد تعقيداً بالتأكيد، ليست هي المشكلة الوحيدة، مؤكداً أن عملية الاغتيال تعتبر انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، والتي تمت من جانب واحد ودون موافقة الحكومة العراقية، بحيث يتعرض المسؤولون العراقيون لضغوط سياسية هائلة لإخراج القوات الأمريكية.

ينوه الخبير بأن كثير من العراقيين لا يحبون الولايات المتحدة أو إيران، ويريدون استعادة وطنعهم، ويخشون أن يوضعوا في خضم المواجهة بين واشنطن وطهران، ويمكن أن تتحول الوضع الراهن إلى أسوأ سيناريو لهؤلاء المواطنين. 

أعرب الخبير عن اعتقاده بأن انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي "تحت النار" يمكن أن يشكل مخاطر حقيقية. ولا تزال مهمة التصدي لتنظيم "الدولة الإسلامية" أمراً مستمراً، وإذا اضطرت الولايات المتحدة إلى مغادرة العراق، فإن هذا الجهد قد يتعرض لضربة خطيرة. مشيراً إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" ما زال يحتفظ بوجود تحت الأرض ويمكنه الاستفادة من فوضى الانسحاب الأمريكي أو الصراع الأمريكي الإيراني لتحسين موقعه في العراق.

يتضف تداعيات الاغتيال لن تقتصر بالضرورة على العراق. حزب الله اللبناني، الذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع إيران ومن المرجح أن يستجيب للطلبات الإيرانية، ويمكنه مهاجمة أهداف أمريكية في لبنان.

يذكر الخبير غولدنبرغ حتى إذا قررت إيران تجنب تصعيد كبير في لبنان، فإن نشطاء حزب الله موزعون في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ويمكنهم مهاجمة الولايات المتحدة في أماكن أخرى من المنطقة. وبدلاً من ذلك، قد يختار حزب الله شن هجمات صاروخية على الأراضي "الإسرائيلية"، على الرغم من أن هذا الرد قد يكون أقل احتمالاً. فحزب الله نفسه يريد تجنب حرب شاملة مع إسرائيل من شأنها أن تدمر لبنان، وقد أعلنت إدارة ترامب اغتيال سليماني، مما يزيد من احتمال توجيه ضربة انتقامية إلى الولايات المتحدة مباشرة.

يرى الخبير الأمريكي أنه بإمكان إيران شن هجمات صاروخية ضد القواعد الامريكية في السعودية والامارات أو ضد المنشآت النفطية في الخليج. وقد فاجأت دقه الهجمات الصاروخية التي شنتها إيران على منشأة ابقيق النفطية في أيلول/سبتمبر الولايات المتحدة وبقية العالم، على الرغم من أن إيران حاولت إبقاء الهجوم محدوداً ورمزياً.

وفي ظل المناخ الحالي، يمكن لإيران أن تختار أن تصبح أكثر عدوانية، معتبرة أنها حققت نجاحاً كبيراً في توجيه ضربات صاروخية مع تجنب الانتقام خلال الأشهر الستة الماضية.

يضف الخبير بأنه يجب علينا أن نتوقع من إيران تسريع برنامجها النووي بشكل كبير. فمنذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018، كانت إيران مقيدة تماماً في ردها النووي. وبعد عام من البقاء في الصفقة، في مايو 2019، بدأت إيران في انتهاك تدريجي للاتفاق من خلال اتخاذ خطوات صغيرة كل 60 يوماً. حيث تنتهي المدة الزمنية المقدرة بـ 60 يوماً الأسبوع المقبل، ومن الصعب تخيل ضبط النفس في أعقاب اغتيال سليماني. على الأقل ستستأنف إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 19.75%، وهي خطوة مهمة نحو اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة.

وقد هددت إيران مؤخراً بالذهاب أبعد من ذلك بالتخلي عن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أو طرد المفتشين. ستكون هذه خطوات خطيرة للغاية، وحتى هذا الأسبوع معظم المحللين اعتقدوا أن طهران لن تقوم بذلك فعلاً. الآن قد يكون هذا الخيار على الطاولة.

يعتقد الخبير الأمريكي: ولعل الشيء الأكثر استفزازا الذي يمكن أن تقوم به إيران هو القيام بهجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية، أو محاولة قتل مسؤول أمريكي رفيع المستوي بمكانة سليماني. سيكون هذا الخيار بالنسبة لإيران أكثر صعوبة من الانسحاب، وقد تعتبره إيران اجراء متناسب.

يشير الخبير إلى أن آخر محاولة إيرانية لشن همات على الولايات المتحدة كانت عام 2011، عندما أحبطت المخابرات الأمريكية عملية اغتيال السفير السعودي في واشنطن. وفي هذه الحالة، اكتشفت "المؤامرة" في وقت مبكر وأحبطت بسهوله بسبب ضعف الأداء الإيراني.

ينوه الخبير بأن إيران أقل قدرة خارج منطقة الشرق الأوسط من داخلها، وهو تقييم تدعمه محاولات التفجير الايرانية الفاشلة في الدنمارك وفرنسا هذا العام. لذلك، في حين قد تحاول إيران شن هجوم داخل الولايات المتحدة، فانها ستحتاج إلى أن يحالفها الحظ حتى تنجح.

إذا كانت أداره ترامب ذكية، فإنها ستفعل كل ما في وسعها لتشديد الإجراءات الأمنية على المنشآت الأمريكية وحماية الأميركيين، واستيعاب بعض الضربات الحتمية القادمة. كما ينبغي عليها التواصل مع إيران من خلال شركاء الولايات المتحدة الذين تربطهم علاقات جيدة مع النظام الإيراني، مثل عُمان، لمحاولة التهدئة، مع تحديد خطوط حمراء واضحة لتجنب سوء التقدير الإيراني.

وأخيراً، ينبغي أن يكون ترامب راضٍ عن إعلان النصر والتباهي بأنه حصل على اليد العليا على إيران من خلال قتل سليماني؛ وليس القيام بمزيد من الأعمال العسكرية. ولكن يبدو أن هذا النوع من ضبط النفس يتعارض مع طبيعة ترامب. وحتى لو أظهر ضبط النفس غير المعهودة في الأسابيع القادمة، فإن رغبة إيران في الانتقام، والزخم السياسي الذي بدأت الرغبة في توليده بالفعل، قد يسحب حتماً الولايات المتحدة وإيران إلى صراع كبير.