الثلاثاء  30 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

كيف يمكن تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط؟

2020-01-05 08:27:42 AM
كيف يمكن تجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط؟
أمريكا وإيران

الحدث - جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالاً للنائب السابق بمجلس الأمن القومي والسياسة الدولية بمركز التقدم الأمريكي كيلي ماجسمن، وتحدثت فيه عن كيفية تجنب التصعيد بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

ترجح الباحثة ماجسمن، بأنه قد يكون قرار اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني هو أكثر القرارات أهمية في السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما وستنعكس تداعياته خلال الأيام أو الشهور أو حتى السنوات القادمة، ولكن ما سيحدث بالضبط يعتمد على ما ستقوم به إدارة ترامب بعد ذلك.

وقد أوضح كبار المسؤولين الأمريكيين بأن عملية الاغتيال ما هي إلا محاولة "لردع العدوان الإيراني المستقبلي"، كعمل دفاعي أو وقائي لإبطال هجوم وشيك. مضيفاً أن ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو خرجو بتغريدات تذكرنا بلافتات "أنجزت المهمة" التي تم نشرها في الأسابيع الأولى من حرب العراق. ولكن ما كان صحيحا آنذاك في العراق صحيح الآن: فالأزمة لن تنتهي هنا.

قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني

ترى الباحثة أنه ستتكشف الإجراءات الانتقامية الإيرانية بمرور الوقت، وغالباً بطرق لا يتوقعها أحد، ولن تقتصر على العراق أو حتى على الشرق الأوسط. مشيرة إلى أنه يجب على إدارة ترامب الاستعداد لمجموعة كاملة من الحالات الطارئة: الهجمات الإلكترونية، والهجمات في الخارج وعلى الأراضي الأمريكية، ومحاولات اغتيال المسؤولين الأمريكيين، والمزيد من الهجمات على حقول النفط السعودية.

تعتقد الباحثة أنه من المرجح أن تتخذ إيران المزيد من الخطوات الاستفزازية بشأن برنامجها النووي: في الواقع، كان من المتوقع بالفعل أن تعلن طهران عن أحدث تحرك لها بعيدًا عن الاتفاق النووي لعام 2015، وهي خطة العمل الشاملة المشتركة.

ترى ماجسمن أن ترامب بحاجة إلى استراتيجية تقوم بأكثر من الرد على تحركات إيران التكتيكية، ويجب عليه أن يقرر كيف يريد حل هذه الأزمة. وينبغي أن يكون هدف الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو تخفيف التصعيد وتجنب حرب أوسع نطاقاً، والقيام بذلك بطريقة تجعل الأميركيين أكثر أمناً على المدى الطويل.

تحقيقًا لهذه الغاية، توضح الباحثة أن إدارة ترامب ستحتاج إلى إرسال رسائل واضحة ومتسقة وليست استفزازية لا داعي لها، بينما تعمل بهدوء لضمان سلامة المواقع الدبلوماسية الأمريكية الضعيفة. كما وينبغي على واشنطن التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة، وعليها محاولة فتح قناة دبلوماسية لطهران، من خلال طرف ثالث إذا لزم الأمر. وأي شيء أقل من هذا يخاطر بإغراق الولايات المتحدة في مغامرة أخرى مكلفة في الشرق الأوسط.

لا خيارات جيدة

على المدى القريب، فإن كان رد إيران على اغتيال سليماني سيؤدي إلى اتخاذ قرارات حاسمة، هل تواصل الولايات المتحدة ضرباتها الانتقامية؟ أم أنها ستتصاعد لحدود القيام بعمليات نشر كبيرة وعملية عسكرية أمريكية إضافية؟ أم أنها محاولة لتخفيف التصعيد، مثلاً عن طريق فتح قناة دبلوماسية؟

سيتعين على إدارة ترامب أن تقرر أفضل السبل للدفاع عن الموظفين الأمريكيين في المراكز الدبلوماسية الضعيفة في الخارج، وما إذا كانت ستقوم بإجلاء المواطنين الأمريكيين من مواقع معينة. فبعض التحركات مثل إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط، سيسير على الخط الفاصل بين الردع والتصعيد. ويمكن أن يساء تفسير أي تحرك.

ترى ماجسمن أنه في كل مرحلة من مراحل اتخاذ قرار، سيختار ترامب الخيارات السيئة من بينها فقط، وقد ترك نفسه بلا قنوات دبلوماسية، ومجتمع دولي منقسم، وكونغرس متشكك. كما سيكون من المستحيل الحفاظ على مستوى منخفض من التأجيج، لأنه من المرجح حدوث مزيد من الحسابات الخاطئة من كلا الجانبين، كما يشهد التاريخ الحديث على انتقام الولايات المتحدة من الهجمات التي تدعمها إيران ضد أهداف أمريكية في العراق. لكن تخفيف التصعيد سيكون مهمة صعبة نظراً للخطاب المتبجح من كلا الجانبين، وعدم وجود قنوات اتصال دبلوماسية مع الحكومة الإيرانية. وهذا يعني أن هناك مزيدا من التصعيد الذي يمكن أن يصل إلى حرب تقليدية واسعة النطاق.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تضيف الباحثة أن: كل هذه القرارات ستتكشف بخلفية الاضطرابات الإقليمية؛ يدرس البرلمان العراقي الآن طرد القوات الأمريكية من البلاد، وهي خطوة من شأنها أن تعيق القتال ضد "الدولة الإسلامية"، وتفتح على المدى القريب الطريق لمزيد من النفوذ الإيراني في العراق على المدى الطويل.

تشير الباحثة إلى أنه من أجل التعامل بفاعلية مع تداعيات اغتيال سليماني، ستحتاج إدارة ترامب إلى الدعم المحلي، ولكن الرئيس بدأ عملية الاغتيال دون استشارة الكونغرس أو إعداد الجمهور أو حلفاء الولايات المتحدة لما قد يأتي بعد ذلك. وخلال الأيام القادمة، سيحتاج ترامب وفريقه إلى كسب ثقة الشعب الأمريكي وإقناعهم بأن التقارير الاستخباراتية بررت القرار. ولن تكون هذه مهمة سهلة بالنسبة لأي رئيس بعد حرب العراق، ولكنها ستكون مهمة صعبة بشكل خاص على ترامب المسبب للانقسام المتعمد.

ووفقا للباحثة، سيكون ترامب مضطرا إلى تقديم إثبات "لفعلته"، مع توضيح خطة إدارته بوضوح لتجنب حرب أخرى في الشرق الأوسط لا يريدها الشعب الأمريكي. وسيتعين عليه القيام بكل ذلك بينما تنصب جهوده على مساءلته الوشيكة التي تنبع من قراره بوضع المصالح السياسية الشخصية فوق الأمن القومي الأمريكي.

ونظراً لافتقار ترامب إلى التماسك في السياسة الخارجية ومقاومته للتخطيط لما بعد التغريدة التالية، فإن مهمة التخلص من هذه المتاهة ستسقط على الأرجح على عاتق الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين. بمعنى آخر، للحصول على خيارات وخطط سياسية قوية، سيحتاج ترامب بشدة إلى العديد من أعضاء مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات التي هاجمها وقوضها باستمرار طوال السنوات الثلاث الماضية.

تعتقد الباحثة أن ترامب سيحتاج أيضاً لدعم الكونغرس، فشل الإدارة الأمريكية في التشاور مع قيادة مجلس النواب ومجلس الشيوخ أو مجموعة الثمانية - المؤلفة من قادة مجلس الشيوخ ومجلس النواب ورؤساء اللجان ذات الصلة قبل الغارة الجوية أمراً لا يغتفر.

تنوه الباحثة أنه كان لدى ترامب وقت للإحاطة الإعلامية، خاصة مع مجموعة الثمانية كون لديها سمعة في تجنب التسريبات. سيحتاج ترامب الآن إلى إطلاع الكونغرس وإقناع أعضائه بالكامل بأن لديه استراتيجية سليمة، ومبررات قانونية مناسبة، وخطة مطبقة لإبقاء الأمريكيين في مأمن في الداخل والخارج. وأي توسع خطير لهذا الصراع سيتطلب من الإدارة الأمريكية الحصول على إذن من الكونغرس، ففي العام الماضي أوضح أعضاء في الكونغرس من كلا الحزبين أنهم لن يسمحوا بالحرب على إيران دون إذن من الكونغرس، وسنوا تشريعات بهذا الغرض.

الكونغرس الأمريكي

تذكر الباحثة بأن ترامب قد لا يحب العمل مع دول أخرى، ولكنه لا يستطيع تجنب ذلك الآن، فهو بحاجة إلى حلفاء الولايات المتحدة "فضلاً عن الصين وروسيا" لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول الهجمات الانتقامية المحتملة ودعم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذا عززت إيران تطوير أسلحة نووية.

كما أن قيام فرنسا -وليس روسيا والصين- بإدانة اغتيال سليماني ليست علامة جيدة. ووفقاً للباحثة لا يوجد تحالف من الراغبين في الوقت الحالي بمعاقبة إيران أكثر من ذلك، ومن الواضح أن استراتيجية "أقصى ضغط" لا تحقق النتائج المرجوة. للأسف، ترامب غير قادر على الاستفادة من فائض من النوايا الحسنة في جميع أنحاء العالم. وتعتبر معظم الحكومات الأخرى أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إيران بمثابة جرح ذاتي ، بدءاً بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الايرانية. كما أن العلاقة عبر الأطلسي ضرورية لاستراتيجية إيران الفعالة، وهي في أضعف حالاتها منذ عام 2003، وبعد كل شيء لا يزال ترامب في حرب جمركية مع الدول الأوروبية.

حقائق جديدة

ترى الباحثة الأمريكية أن هذه الأزمة قد تستهلك بسهولة رئاسة ترامب، وقد يجد نفسه قريبًا رئيسًا للحرب وليس رئيسًا مناهضاً للحرب، وينبغي على ترامب أن يتصل بالرئيس السابق جورج دبليو بوش لمعرفة ما يحدث لارثه عندما يحفر بنفسه عميقاً بحرب غير ضرورية. وعليه أن يدعو الرئيس السابق باراك أوباما لمعرفة كيفية إخراج البلاد من مستنقع الحروب.

تعتقد الباحثة ماجسمن أن الشعب الأمريكي في الوقت الحالي أقل أمناً لأن ترامب قام باغتيال سليماني، كما أن عمليات الاغتيال التكتيكية لا يمكن أن تحل مشكلة إيران، كما ان الحرس الثوري وفيلق القدس موجدان، ومن المرجح أن تزداد هجماتها على مصالح الولايات المتحدة. كما أن البرنامج النووي الإيراني قائماً، والصفقة النووية الإيرانية بحكم الميت، وواشنطن الآن أبعد من أن تحصل على الصفقة الأفضل التي وعد بها ترامب.

وباختصار، تقف الولايات المتحدة مرة أخرى على حافة صراع عسكري متفاقم في الشرق الأوسط. ويبدو أن "ترامب" وفريقه للأمن القومي لا يدركون تماماً كل ما قد يأتي لاحقاً، وما هو على المحك. وسيكون الشعب الأمريكي هو من يتحمل هذا العبء خلال الأيام والسنوات القادمة.