الحدث- وكالات
اصدرت مؤخرا، رواية "الموريسكي الأخير" للكاتب الأردني صبحي موسى، وهي الرواية الخامسة في مسيرته الأدبية، مواكبة لإقامة الدورة السادسة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
ويرصد موسى في روايته، أحوال المسلمين الذين ظلوا في الأندلس بعد سقوط غرناطة، والذين اضطروا إلى التظاهر بدخول المسيحية بعد صدور قرار من قبل الملكين الكاثوليكيين، إيزابيلا وفرناندو، بتنصير كل من على أرض المملكة، وحرق كل الكتب العربية ومنع ارتداء الزي العربي أو التحدث باللغة العربية أو حمل ألقاب أو أسماء عربية.
أي أن الرواية تعكس تلك الحقبة التي أصبحت فيها المواطنة ببلاد الأندلس على أساس ديني كاثوليكي، وبدأت محاكم التفتيش في مطاردة كل من تشك في كونه ليس مسيحياً مخلصاً ليدخل إلى معاقل التعذيب ومصادرة الأرض والأموال وربما مواجهة الموت حرقاً.
ولعب موسى في هذه الرواية على ثنائية الزمن بين الحديث والقديم، فقد بدأت الرواية بفصل في ميدان التحرير يرصد وقائع ثورة المصريين ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك ونظامه في 25 يناير/ كانون ثاني 2011، ليكون هذا الفصل خطاً ظل يتقاطع في مساره مع الخط القديم الذي يرصد حياة الموريسكيين (النصرانيين الجدد) في الأندلس حتى تهجيرهم عنها بين أعوام 1609 حتى 1613، وذلك عبر شخصية مراد رفيق حبيب وابنة عمته ناريمان وسعيهما لاسترداد وقف العائلة الذي خصصه جدهما الملتزم عطية الله لعائلة الموريسكي ورواق المغاربة بالجامع الأزهر.
وظل هذا الخط يمتد ليرصد أحداث الثورة المصرية في ظل حكم المجلس العسكري وأحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والبرلمان (حل في 2012) حتى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم (ممثلين في الرئيس الأسبق محمد مرسي)، لنجد أنفسنا أمام لحظة تتشابه مع التاريخ القديم.
كان تفتيت الزمن وتقسيمه على عدة مسارات هو الحاكم الرئيس في رواية "الموريسكي الأخير"، فقد قام كل زمن، سواء القديم أو الحديث، على عدة أزمنة، أولها الحاضر ثم الماضي والماضي التام.
ففي الزمن القديم قام الجد محمد بن عبد الله بن جهور بكتابة يوميات وأحداث ثورة البشرات الكبرى التي شارك فيها مع والده، كما كتب أحداث الطرد التي شهدها بنفسه حتى مات في شفشاون بالمغرب بعد سنوات من الطرد.
وفي خلال ذلك جاء الماضي البسيط الذي حكي فيه عن أولى ثورات الموريسكيين في الأندلس وهي ثورة البيازين عام 1495، أي بعد ثلاث سنوات من سقوط غرناطة.
وهذه الثورة التي كانت جدة بن جهور، سبباً فيها حين خرجت بجواريها وخدمها إلى السوق فاعتدى الجنود الأسبان عليهم، مما جعل المسلمين يتجمعون لنصرتها، لم تستمر كثيراً، فسرعان ما أبدى الأسبان جانب الود وتنازل الثوار عن غضبتهم وفتحوا أبوابهم للإسبان الذين غدروا بهم وقاموا بتهجيرهم خارج البيازين وغرناطة.
ثم جاءت إيزابيلا بنفسها إلى غرناطة لتعلن قرارها بالتنصير الإجباري على كل من في الأراضي الأسبانية، ولأن الغالبية العظمى منهم كانت من المسلمين، وقلة قليلة كانت من اليهود، فقد ظهر مصطلح الموريسكيين الذي يعني النصرانيين الجدد.
أما الماضي التام، فكان ضرورة لإظهار مقارنة مع ما يحدث الآن في العالم العربي من تقسمات ونزاعات وحروب الطائفية، وكان هذه الزمن بعد سقوط الخلافة في قرطبة وظهور ملوك الطوائف واستعانتهم بالأسبان أو القشتاليين لمحاربة بعضهم بعض.
ومن ثم فقد رصدت الرواية هذه الحالة من الفوضى التي سادت قرطبة مع ظهور البربر بها، والتي انتهت بإنهاء الخلافة وتولي بني جهور الحكم، ليصبح الحزم ابن جهور وهو الجد الأول في الرواية لعبد الله بن جهور، بطل أحداث ثورة البشرات العظمى ومؤسسها، بينما ابنه محمد هو كاتبها وراصد ما حدث من بعدها حتى ثورة بلنسية التي انتهت بقرار الطرد.
وفي الزمن الحديث ثمة مستويات أيضا هي الحاضر الذي يرصد فيه مراد الموريسكي أحداث الثورة منذ 25 يناير/كانون ثاني حتى 30 يونيو/ حزيران. وهناك الماضي البسيط الذي حدث مع أسرته عقب جمع جده حبيب الله لهم في بيت واحد عرف ببيت الموريسكي، لكنهم جميعاً اختلفوا مع بعضهم حول عمادة أي منهم للبيت، وقاموا بما يمكن تسميته بثورتين على عميد العائلة.
كانت الأولى في زمن الجد سميح، والثانية في بداية عهد الجدة جنى، وفي كلا الثورتين خرجوا من بيت الموريسكي تاركين العميد وأبناءه وحدهم، لكن من خرج لم يعد من جديد ولم يعثر له على أثر.
أما الماضي التام فقد جاء على امتدادين، الأول كان امتداد الأجداد الذين أعقبوا وفاة محمد بن عبد الله بن جهور وما حدث لهم، ومن بينهم عطية الله الذي عمل ملتزماً قبيل مجيء الحملة الفرنسية، وأوقف كل ما يملكه بناء على أمر من جده عبد الله بن جهور الملقب بالعين الراعية للموريسكيين، وحبيب الله بن عطية الملتزم الذي عمل بالبحرية المصرية في حروب محمد على بالشام ووصل إلى نائب قائد البحرية، وبعد تقاعده إثر هزيمة محمد على وتوقيعه على معاهدة لندن (1840) حصل على مائتي فدان أرض، وأمره جده بأن يجمع أبناء عمومته ليقيموا معه في أرضه لكنهم رفضوا فكان مصيرهم الشتات والهوان، ثم أمره بعد سنوات وعذابات طويلة بجمعهم من جديد فبني لهم بيت الموريسكيين في القاهرة الإسماعيلية (الخديوية/ وسط القاهرة حاليا).
وتكفلت الجدة بهذا الامتداد الزمني وهي تحكي لحفيدها مراد ما حدث للموريسكيين، ومطالبتهم باستعادة وقفهم والكتابة عن تاريخهم على غرار ما كتب جده محمد بن عبد الله بن جهور.
أما الامتداد الثاني فقد تكفل به ضابط المخابرات الذي حصل على دكتوراه في التاريخ الأسباني، وفيه رصد موسى نضال ما عرف بأعقاب الموريسكيين في الأندلس من أجل التحرر والحصول على وطن قومي في إقليم الأندلس، واضعين أكثر من دستور لأسبانيا على أساس كونفدرالي يحفظ للأندلس هويتها التاريخية والموريسكية، ويمنحها علم المعتمد بن ابن عباد في اشبيلية رمزاً لهم ولثقافتهم، حتى مجيء بلاس انفانتي الذي يعد أبو القومية الأندلسية، والذي مات على يد جنود فرانكو دكتاتور أسبانيا الذي قتل كل معارضيه، والذي ترك زوجته وابنه لويس يكملان مسيرة النضال حتى أقر الدستور الأسباني بعد فرانكو حلم الموريسكيين في وطن قومي على إقليم الأندلس.
لكن لويس يعتزل السياسة ويهاجر إلى استراليا ليلتقي بأسرة ناريمان التي هاجرت أيضاً في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، لتقيم مؤسسة صحفية هناك، وفي النهاية تحمل نورهان اسم راشيل لويس بلاس انفانتي وتصبح شريكاً في وكالة إعلامية كبرى في إسبانيا، ثم تأتي لمصر ضمن مخطط دولي ساعي لصعود الإخوان وإيجاد حل لقضية الموريسكيين المسلمين والللاجئين الفلسطينيين.
في هذه الرواية لعب موسى مع التاريخ مثلما حدث في روايته "أساطير رجل الثلاثاء" التي فازت بجائزة أفضل عمل روائي في معرض القاهرة لعام 2014.
وتعد هذه الرواية أول عمل يرصد واقع الموريسكيين وثوراتهم، ليس من منطق رصد ظلال الحياة السياسية على الواقع الاجتماعي، ولكن من خلال رصد يوميات الواقع السياسي للموريسكيين من خلال الشخصيات الرئيسية التي قامت به، كما أنها أول رواية تطالب بحق الموريسكيين المسلمين في الاعتذار لهم ومنحهم المواطنة والجنسية الأسبانية على غرار ما فعلت أسبانيا مع الموريسكيين اليهود.
يذكر أن هذه الرواية كانت قد كتبت بمنحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، التي فاز بها الكاتب عام 2013 ، وأنه عكف على كتابتها على مدار عامين لتصدر في نهاية معرض القاهرة الدولي للكتاب عن الدار المصرية للبنانية.