الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فيروس كاشف للعورات | بقلم: غسان عنبتاوي

2020-04-26 12:50:28 PM
فيروس كاشف للعورات | بقلم: غسان عنبتاوي
غسان عنبتاوي

 

بغض النظر عن مصدر وباء وفيروس "كورونا المستجد" سواء كان فيروسا مخبريا أو نتاج تطور جيني طبيعي أو أنه أحد أدوات الله لمعاقبة البشر على إعراضهم عن الإيمان به والإتيان بالمفاسد، إلا أنه كشف عورة أنظمة وتحالفات العالم الرأسمالية التي تشكلت منذ عقود.

هناك شبه إجماع بين مختلف المتابعين لأحوال العالم الصحية أو الاقتصادية أو السياسية، على أن حال العالم سيكون مختلفا عما كان عليه قبل انفلات فيروس كورونا من عقلته وحصده الآلاف من المصابين بين موتى ومحجورين.

عام 2020 هو عام مفصلي مليء بالتغيرات الجذرية المحفوفة بالمخاطر وربما بالحروب الطاحنة. وهذا لا يحتاج لتنجيم أو تبصير، فكورونا ساهم بما لا شك فيه بإنهاء مفهوم العولمة واستبداله بالانغلاق والتقوقع والانعزال وتراجع الترحال الاقتصادي العابر للقارات. هذا الإجراء سيؤدي حتما إلى تغيرات في خارطة العالم وتحالفاته المعروفة فالاتحادات الإقليمية ستتفكك، وسيخبو لا محالة  نجم أمريكا التي ظهر وجه قيادتها الحقيقي والمتهور والبشع في ظل هذه الأزمة وستقود دول أخرى هذا العالم بنظام مختلف سيكون للصين خصوصا وروسيا دور طليعي فيه ولدول أخرى أثبتت أنها أكثر قدرة على حماية دولها وصون تحالفاتها بأقل أنانية وأكثر إنسانية.

إعلان حالة الطوارئ في عديد من دول العالم سيؤسس بلا رجعه لنظام جديد فيه من صفات الديكتاتورية الشيء الكثير، وسيفرض رقابة أكبر على الأفراد وآرائها ويؤسس لأنماط مختلفة وجديدة من الحياة مبنية على التباعد والانغلاق، والاعتماد على نشرات الأخبار والتعليمات الرسمية وهو يحاول التعايش مع ظروف الكساد والركود الاقتصادي والذي أثبت التاريخ أن أقصر طريق للخروج منه هو افتعال الحروب سعيا للسيطرة وتوسيع النفوذ وخدمة لمصالح الشركات المنتجة للأسلحة.  

خارطة التغيرات هذه طالت آثارها بلا شك قضيتنا الفلسطينية، فضرب فيروس كورونا كما الإعصار أوساط المدن الفلسطينية بشطري الوطن، وتجلت الآثار المباشرة لهذه الجائحة على المجتمع الفلسطيني في انكشاف ضعف الجهوزية الطبية لمواجهة الأزمات من الحروب والأوبئة وكذلك ظهرت هشاشة الاقتصاد الفلسطيني وبانت الهوة الواسعة في الموائمة ما بين السياسات الاقتصادية الصناعية والزراعية وتلك البنيوية للحكومات المتعاقبة مع متطلبات تعزيز صمود المواطن على أرضه على المدى المتوسط والبعيد. 

ونحن نخوض معركة المواجهة مع المحتل والفيروس العابر للحدود في آن واحد سيبقى على عاتق الحكومة الفلسطينية وعلى مكونات الشعب الفلسطيني أن تعيد تشكيل سلوكها وتعيد حساب أولوياتها على كل الصعد. فبدأت العائلات في ظل أزمة تفشي كورونا بتبني ثقافة الاقتصاد في المصروفات، واقتصار الصرف على الأساسيات وتراجع الإقبال على الكماليات وتعزيز التصنيع المحلي بدل الاستيراد والإقبال على استخدام التكنولوجيا في الحياة اليومية بشكل أكبر من ذي قبل، وغير ذلك من السلوكيات الجديدة. 

هذا التغير سيتطلب أيضا تعزيز شبكة الأمان الحكومية ودورها في تعزيز صمود المواطن حين تشتد الشدائد، ويتوجب تعزيز المناعة الداخلية لدولة فلسطينية تحت الاحتلال، سواء على صعيد التشريعات الحكومية أو على مستوى القوانين والأنظمة والسياسات المتبناة لتتناسب ومتطلبات المرحلة الآنية وبعيدة المدى باتجاه دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار فيها كونها مانعة صواعق وحصانة أكبر لشرائح أوسع من المجتمع الفلسطيني ضد الفقر والعوز، وستكون شبكة الأمان في تعزيز الصمود والمقاومة حين تأتي أزمنة المعارك والشدائد.

الجائحة المستجدة ليست الهم الأوحد لشعبنا في هذا الوقت العصيب، فالاحتلال لا يزال ماض بثبات نحو توسيع استيطانه ونهبه للأرض، مستغلا انشغال العالم في مواجهة الوباء الكوني ليواصل تنفيذ مخططاته في وضح النهار ونحن لا نزال نعاني من التشرذم والانقسام والفرقة وغياب الاستراتيجية الكفؤة والفعالة في مواجهة هذا الاحتلال الغاشم وسياساته التوسعية العنصرية. 

المطلوب فورا من منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده أن تشرع بعملية سريعة للمراجعة الذاتية لكل قراراتها وسياساتها التي سبقت، وأن تعمل عبر مكوناتها من فصائل فلسطينية و/أو سلطة فلسطينية وهي تكافح في مواجهة كورونا لإعادة اشتقاق السياسات الداخلية والتحالفات الإقليمية  بإعادة استقراء المشهد لتكون جاهزة للمعركة التي لم تتوقف، وهي معركة تحرير الأرض والإنسان بتوازن دقيق بين الداخلي والخارجي، وبين العام والخاص وبين الصحة والاقتصاد وبين الصمود والمواجهة. فهل ستفعل؟ وهل سنشهد تغيرا في لغة الخطاب والسياسة والنهج على الأرض؟ هل ستعود علينا هذه الجائحة بفائدة إعادة اللحمة للشعب ومكوناته وقضيته كما أعادت صور التلاحم والتكافل المجتمعي. لا شيء مستحيل، طالما بقي الأمل بأن الغد سيكون أفضل.