الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

علاقات العمل في ظل حالة الطوارئ لمواجهة جائحة فيروس كورونا للعام 2020

بقلم: المحامي رياض عيسه

2020-04-27 09:21:22 AM
علاقات العمل في ظل حالة الطوارئ لمواجهة جائحة فيروس كورونا للعام 2020
المحامي رياض عيسه

قراءة قانونية للمادة (38) من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000

المقدمة

يُعد قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 من أكثر التشريعات العربية التي تنظم علاقات العمل تميزاً، كونه يمتاز بمراعاة حقوق العمال من حيث الإجازات، ومقدار مكافأة نهاية الخدمة، وبدل التعويض المالي عن الفصل التعسفي وغيرها من المميزات الخاصة بالعمال مقارنة بغيره من قوانين العمل في العالم العربي على الأقل، حيث فرض قانون العمل الفلسطيني مجموعة من الامتيازات للعمال الفلسطينيين يمكن وصفها بالمتقدمة مقارنة بحقيقة واقع الاقتصاد الفلسطيني الذي أشبه ما يمكن وصفه بالاقتصاد الناشئ.

 وفي ضوء جائحة  فيروس كورونا برزت مجموعة من التساؤلات والاستفسارات عن مصير علاقات العمل، واستمرارها في ظل حالة الطوارئ التي أعلن عنها فخامة رئيس دولة فلسطين في 6/3/2020 لمدة ثلاثين يوماً، وتمديدها بتاريخ 3/4/2020 لمدة (30) ثلاثين يوما إضافية، ومدى التزامات أصحاب العمل في ظل استمرار حالة الطوارئ تجاه العمال، وآلية التطبيق السليم للمادة (38) من قانون العمل الفلسطيني، وهل إنهاء علاقة العمل في ظل هذه الجائحة يعتبر من قبيل الفصل التعسفي؟ وكيف يمكن استمرار علاقة العمل على ضوء توقف تأديتها وانعدام محلها وموضوعها؟ وهل يستطيع أصحاب العمل فعلا الوفاء بأجور العمل في حالة استمرار الإغلاق لمدة تزيد عن شهرين؟ وهل يستطيع أصحاب العمل التنصل من الوفاء بأجور العمال خلال فترة أول شهرين من تاريخ إعلان حالة الطوارئ وتعطيل المؤسسات العامة والخاصة والتمسك بنظرية الظروف الطارئة والقاهرة؟، وحتى وإن لم تستمر هذه الحالة لمدة شهرين، هل تستطيع الشركات والمؤسسات التي منيت في خسائر تقليص عدد عمالها؟ وهل من الممكن بقاء العلاقات التعاقدية العمالية على حالها بعد هذه الجائحة؟ بالإضافة إلى تساؤلات أخرى، وستحاول هذه القراءة المؤجرة على إجابة الأسئلة على ضوء ما ورد في المادة (38) من قانون العمل.

أولاً: إعلان حالة الطوارئ وإغلاق المؤسسات والمحافظات، وتطبيق الحجر المنزلي الإلزامي.

1.     تضمن قرار فخامة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" مرسوما بإعلان حالة الطوارئ رقم (7) بتاريخ 6/3/2020 المنشور في الوقائع الفلسطينية /الجريدة الرسمية عدد خاص رقم (21) بتاريخ 25/3/2020 في البند (3) منه تعطيل العمل في المؤسسات العامة والخاصة كلياً أو جزئياً، وتكليف رئيس مجلس الوزراء باتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتنفيذه، وعلى ضوء هذا المرسوم الرئاسي أصدر رئيس مجلس الوزراء "الدكتور محمد اشتيه" القرار رقم (1) بشأن حالة الطوارئ والمؤرخ في 6/3/2020 لسنة 2020 وكذلك القرار رقم (2) لسنة 2020 بتاريخ 18/3/2020 والقرار رقم (3) لسنة 2020 بتاريخ 22/3/2020 المتضمن إغلاق كافة محافظات الوطن ومنع التنقل منها وإليها، وبقاء جميع المواطنين في الحجر الصحي المنزلي، كما تم تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً إضافية بقرار بقانون صادر عن فخامة الرئيس محمود عباس بتاريخ 3/4/2020.

2.      أضحت المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني حديث الساعة في ظل إعلان حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس والقرارات اللاحقة لتنفيذها الصادرة عن مجلس الوزراء لمكافحة ومواجهة جائحة فيروس كورونا، والذي صنف بأنه وباء قاتل لا علاج ولا لقاح له حتى تاريخه، وعليه نحت معظم دول العالم منحى فلسطين في إعلان حالة الطوارئ وتعطيل أعمال مؤسساتها العامة والخاصة، ودعت إلى الحجر الصحي المنزلي.

3.     تحدثت تقارير عن دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود وكساد عظيم، وإفلاس شركات ومنشأت صناعية كبرى في العالم، وكذلك على المستوى الفلسطيني،، وأن سوق العمل العالمي سيفقد مليون وظيفة على الأقل بل ملايين الوظائف في هذا العام نتيجة هذا الوباء وما يمر به العالم، وفقاً لتقرير صدر وقت إصدار هذه القراءة.

4.   صرح معالي وزير العمل الفلسطيني في مقابلة متلفزة له على وكالة معا الإخبارية بتاريخ 17/3/2020 أنه لن يُسمح ولن يكون من المقبول لأي منشأة عمل بفصل أي موظف، وأن اللجنة الثلاثية المشكلة بموجب الاتفاق الذي تم بين أطراف العمل الثلاثة – الوزارة، أصحاب العمل، العمال- بتاريخ 16/3/2020 تعهدوا بذلك، وبالرجوع إلى نص هذا الاتفاق، نجد بأنه تضمن في البند ثانيا والذي نص على: "يلتزم القطاع الخاص بدفع الأجور عن شهري آذار ونيسان بنسبة 50% من الأجر، بما لا يقل عن 1000 شيقل على أن يدفع المبلغ المتبقي بعد إنتهاء الأزمة" والبند رابعا والذي نص على "تشكيل لجنة مشتركة من قبل الأطراف الثلاثة لمتابعة وعلاج كافة القضايا المتعلقة بالآثار الناتجة عن حالة الطوارئ."[1]، ولم نجد في هذا الاتفاق ما ينتقص من حقوق العمال الواردة في المادة (38) آنفة الذكر، أو من حقوق أصحاب العمل بعدم الالتزام في دفع الأجور أو إنهاء علاقة العمل بعد مضي الشهرين على الإغلاق.

5.     بتاريخ 3/4/2020 صدر مرسوم عن فخامة الرئيس قرار بقانون رقم (7) لسنة 2020 بتمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما إضافية، وهذا الأمر زاد من قلق ومخاوف أصحاب العمل الذين تكبدوا خسائر كبرى، كما هم العمال أيضاً، مما أعاد إلى الاذهان مرة أخرى التساؤلات والاستفسارات التي تمت الإشارة لها في مقدمة هذه الورقة، وجعل من الأهمية بمكان إعادة قراءة المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني وتحليلها بشكل سليم وفقاً لواقع النصوص والمعطيات الحالية، سيما وأنه لم يصدر أي قرار بقانون أو تشريع يقضي وقف العمل فيها في ظل إعلان حالة الطوارئ.

ثانياً: قراءات في نص المادة (38) من قانون العمل رقم (7) لسنة 2000.

نصت المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني على أن:

 "1-لا ينتهي عقد العمل في حالة صدور قرار إداري أو قضائي بإغلاق المنشأة أو بإيقاف نشاطها مؤقتاً لمدة لا تزيد على شهرين، وعلى أصحاب العمل الاستمرار في دفع أجور عماله طيلة فترة الإغلاق أو الإيقاف المؤقت مع مراعاة الأحكام الواردة في هذا القانون والمتعلقة بفترة التجربة". 2- "ينقضي الالتزام المذكور في الفقرة (1) أعلاه بعد مدة الشهرين وعلى صاحب العمل أن يدفع لعماله زيادة على ما سبق ذكره مكافأة نهاية الخدمة كما نصت عليها أحكام هذا القانون".

اختلفت التفسيرات القانونية حول القراءة الصحيحة للمادة (38) من قانون العمل الفلسطيني، سيما في ظل ظروف طارئة استثنائية، وقاهرة، وخاصة أن التطبيقات القضائية الفلسطينية لمثل هذه الجائحة غير واردة، مما ترك مجالا لتفسيرها على أكثر من جهة، وقراءتها بعدة قراءات، فذهب رأي إلى عدم جواز إنهاء عقود العمل، وإن قرار الإغلاق نتيجة إعلان حالة الطوارئ لا يتماشى مع القرار الإداري أو القضائي المنصوص في المادة (38)، وبالتالي فإن عقد العمل لا ينتهي، ويعتبر تعسفياً أي إنهاء لعلاقة العمل خلال فترة الطوارئ، ومن جهة أخرى ذهب فريق إلى أن إعلان حالة الطوارئ تؤدي إلى استحالة تنفيذ العقود، واعتبارها مرهقة لأن محل العقد (العمل، وتأدية العمل قد انتفى نتيجة الإغلاق) ونتيجة للقوة القاهرة بهذه الظروف، وبالتالي لا يمكن تطبيق نص المادة (38) من قانون العمل لاستحالة التنفيذ، وكلا الاتجاهين اعتمدا على نصوص وأحكام قانونية وتطبيق عملية مقارنة تم الاستناد لها عند قراءة المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني. وبالتالي فإننا نقدم هذه القراءة وفق التحليل المبين في هذه الورقة محاولين توضيحها والإجابة على الاستفسارات بشأنها:

ثالثاً: الرأي القائل بعدم جواز إنهاء علاقة العمل خلال فترة الطوارئ. 

ذهبت بعض الآراء القانونية مؤخراً إلى القول بأن القرار الإداري المشار إليه في المادة (38) من قانون العمل الساري لا ينطبق على قرارات رئيس مجلس الوزراء بشأن إعلان حالة الطوارئ رقم (1) و (3)  لسنة 2020 المذكورة أعلاه، وإن هذه القرارات حتى وإن تضمنت تعطيل الأعمال ووقفها في المؤسسات العامة والخاصة تختلف في مفهومها عن القرار الإداري المقصود في قانون العمل الفلسطيني، والقاضي بإغلاق المنشأة، وبالتالي لا يجوز في حال امتدت فترة الإغلاق عن شهرين إنهاء عقود العمل، ويتوجب استمرارها واستمرار دفع أجور العمال وعدم وقفها، وبغير ذلك يعتبر تعسفياً إنهاء أي عقد عمل من قبل أصحاب العمل.

ورداً على هذه الرأي وغيره من الآراء الأخرى التي نحت إلى هذا المنحى حول تفسير المادة (38) من قانون العمل نبين ما هو آت:

1)       ضمن التفسير الواسع لمفهوم القرار الإداري، وما تم بموجب قرارات رئيس مجلس الوزراء المذكورة أعلاه من تفويض للمحافظين وللجهات التنفيذية ذات الشأن في تنفيذ قرارات إعلان حالة الطوارئ -وهو إعلان /قرار سيادي-، فإن قرارات مجلس الوزراء تندرج ضمن القرارات الإدارية المشار لها في المادة (38) من قانون العمل الساري والتي استهدفت إغلاق منشآت الأعمال، وبالتالي تكون الغاية من الإغلاق، وتعطل العمل فيها قد تحققت فعلا.

2)      إن القرار الإداري في ظل الظروف الطارئة والظروف الاستثنائية يعتبر قرارا إداريا في مفهومه العام وفي كل الأحوال ولا يختلف عن ذلك القرار المنصوص عليه في المادة (38) وذلك بغض النظر عن اتساع صلاحية مصدر هذا القرار في الظروف الاستثنائية أو الطارئة ويخضع لرقابة الجهات والقضاء الإداري المختص ونشير بهذا الصدد إلى رأي الدكتور وسام العاني والذي قال: "إن ما تصدره الإدارة من أعمال قانونية في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية لا تخرج عن كونها قرارات إدارية وإن اتسع نطاق أثرها..." ويضيف الكاتب "... وقد انتهى مجلس الدولة والقضاء الفرنسي إلى مراقبة عنصر الملائمة في تصرف الإدارة ومدى تناسبه من حيث الشدة مع الظروف الاستثنائية، وبعكسه يلغى القرار الإداري... وإن القرارات الصادرة في حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية تخضع لمبدأ تحقيق الأهداف، أي يقصد مداهمة الخطر القائم فيراقب القضاء الإداري على مدى وجود هذا الهدف الخاص في أعمال الإدارة الاستثنائية".[2]

3)      كما نضيف أن محكمة العدل العليا الأردنية عرفت القرار الإداري الصادر في الدعوى رقم (75/2008) بتاريخ 31/3/2008 بأنه: "عمل قانوني نهائي صادر بالإرادة المنفردة والملزمة لجهة الإدارة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة، وفي الشكل الذي يتطلبه القانون، يقصد إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين، ابتغاء للمصلحة العامة"، وأما في العراق فتم تعريفه في معرض بيان القرار الإداري القابل للطعن الصادر في الدعوى رقم (75/2008) بتاريخ 31/3/2008 بأنه: "كل قرار إداري نهائي، صادر عن سلطة إدارية ومنتج لأثر قانوني". وبناء على ذلك يمكن تعريف القرار الإداري بأنه كل قرار صادر عن سلطة إدارية تتمتع بصلاحيات بموجب التشريعات، ومنتجة لأثر قانوني.

4)      وقد استثنى الفقه الإداري الأعمال السيادية من القرارات الإدارية، والتي تصدر عن الإدارة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة "كإعلان حالة الطوارئ"[3]، وإن ما قامت به الحكومة /رئيس مجلس الوزراء بإصدار قرار بإغلاق المنشآت يعتبر قرارا إداريا ذلك أنه ليست جميع الأعمال التي تصدرها الحكومة (السلطة التنفيذية) والتي تتعلق بالأمن الداخلي تعتبر من أعمال السيادة، فالرغم من إعلان حالة الطوارئ، إلا أن قرارات رئيس الوزراء رقم (1،2،3،4 ) لسنة 2020 بإغلاق المنشآت وإدارة الأزمة لمواجهة فيروس كورونا تعتبر من القرارات الصادرة تطبيقا لإعلان حالة الطوارئ وتعد قرارات إدارية عادية صدرت في ظروف طارئة استثنائية، وليست من أعمال السيادة، وهي قرارات تدخل ضمن الاختصاصات والمهام المناطة بالحكومة ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء وذلك بموجب المادة (68) والتي نصت على: "يمارس رئيس الوزراء ما يلي.... 6- إصدار القرارات اللازمة في حدود اختصاصاته وفقاً للقانون". والمادة (69) والتي نصت على: "يختص مجلس الوزراء بما يلي:.... 7-مسؤولية حفظ النظام العام والأمن الداخلي" من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل للعام 2003.

ومن هنا؛ نستنبط أن القرار الإداري الصادر بتعطيل المؤسسات العامة والخاصة لمواجهة جائحة فيروس كورونا لا يختلف عن أي قرار إداري آخر بإغلاق أي منشأة في الظروف العادية فالقرار الأول، صدر في ظروف طارئة استثنائية، والقرار الثاني صدر في ظروف عادية، والعبرة من الإغلاق قد تحققت ولا داعي للتوسع في التفسيرات في هذا الشأن لغايات تطبيق المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني الساري، ومما يفسر ويؤكد هذا الاستنتاج قرار وزارة العمل الفلسطينية الصادر بتاريخ 10/3/2020 بتطبيق أحكام المادة (38) من قانون العمل عن المنشآت الصادر قرار بإغلاقها في المحافظات التي أعلن بها حالة الطوارئ، وعدم صدور قرار بقانون أو أي تشريع يقضي بوقف العمل بالمادة (38) من قانون العمل و/أو تعديل قانون العمل أو وقف العمل به أو ببعض نصوصه خلال فترة إعلان حالة الطوارئ.

5)      كما نشير بذلك لحكم محكمة النقض الفلسطينية رقم (181 /2004) والصادر بتاريخ 2004/12/21، التي اعتبرت تخفيض أجور العمال في أوقات الإغلاق وعدم اعتراضهم على هذا التخفيض بأنه غير مخالف لأحكام قانون العمل الآمرة، وكذلك إلى حكم محكمة استئناف القدس رقم (81/ 2016) والصادر بتاريخ 30/5/2016 الذي اعتبر أن عقد العمل منتهي بحكم القانون بمرور مدة شهرين من تاريخ إغلاق منشأة العمل.

6)      كما أن هذه الاتجاه لم يراع نص المادة (41) من قانون العمل التي جاء فيها: "يجوز لصاحب العمل إنهاء عقد العمل لأسباب فنية أو خسارة اقتضت تقليص عدد العمال مع احتفاظ العامل بحقه في بدل الإشعار، ومكافأة نهاية الخدمة، شريطة إشعار الوزارة بذلك".

وبمقصود هذه المادة؛ أنه وبمجرد انتهاء حالة الطوارئ وجائحة كورونا، فسيترك خلفه آثارا سلبية كبرى على البنية الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية على الأقل، وإن أي شركة أو منشأة أعمال تعرضت إلى خسائر مثبتة بموجب تقارير محاسبية مدققة ومصدقة بشكل سليم من الجهات المختصة سوف تتمسك بتطبيق نص المادة (41) من قانون بتقليص عدد عمالها نتيجة هذه الخسائر، وإعادة الهيكلة داخلها، مما سيؤثر حتماً على استمرار علاقات العمل بشكل حتمي، وسيكون من السهل إنهاء علاقات العمل دون أن يضطر صاحب العمل إلى دفع تعويض عن الفصل التعسفي.

رابعاً: الرأي القائل باستحالة تنفيذ عقود العمل نتيجة جائحة كورونا وإعلان حالة الطوارئ.

تعالت أصوات منددة بنص المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني وأن جزءا كبيرا من أصحاب العمل لن يستطيع الوفاء بأجور موظفيه نتيجة هذا الإغلاق وتعطل وتوقف أعمالها، كما صدرت عدة تفسيرات تتبنى مبدأ استحالة تنفيذ الالتزامات التعاقدية انطلاقا من المبدأ القانوني الوارد في المادة (17) من مجلة الأحكام العدلية المطبقة في فلسطين والتي نصت على "المشقة تجلب التيسير" ونظرية الظروف القاهرة والطارئة التي تقضي باستحالة التنفيذ، والتمسك في بعض نصوص القانون المدني الأردني، ونصوص مشروع القانون المدني الفلسطيني على سبيل الاستئناس -لأنه لا مجال لتطبيقها كون الأول يخص دولة أخرى والثاني مشروع قانون لا أكثر- والتي تضمنت في بعض نصوصها أحكام تسمح بإلغاء العقود والتحلل منها عند استحالة تنفيذها أو إذا كان تنفيذها مرهقاً لأحد أطرافها، وذلك كمحاولة  للتحلل من تطبيق نص المادة (38) من قانون العمل الساري، واستحالة تنفيذها، وبالتالي عدم التزام أصحاب العمل بدفع أجور العمال عن فترة الإغلاق بحد أقصى شهرين، وهذا يدعونا إلى تحليل على هذا التفسير والرأي أو التأويل بما يلي:

1.     إن القاعدة القانونية المتعلقة بالتمسك في استحالة تنفيذ الالتزامات أو اعتبارها مرهقة وفق المبدأ "المشقة تجلب التيسير" أو نظرية الظروف القاهرة تتعلق بالالتزامات التعاقدية المتعددة في شتى المجالات ومنها عقود العمل في طبيعة الحال بالنظر الى توقف محل العقد وهو (حالة وواقعة العمل)، إلا أن هذا التفسير يتضمن مخاطرة عالية قد تعود بآثار سلبية على أصحاب العمل في حال تمسكوا به، وعدم دفع أجور العمال عن فترة الإغلاق بالحد الأقصى المذكور في المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني الساري وهي (شهرين)، وأن يصبح في حال الامتناع عن دفع تلك الأجور تحت طائلة القانون ومخالفة منهم لتعليمات الوزارة وفتح المجال للعمال والموظفين الذين لم يتقاضوا أجورهم عن فترة الإغلاق بالتمسك بواقعة الفصل التعسفي، مما يشكل عوائق إضافية أمام أصحاب العمل، سيما أنه لم يصدر قرار بقانون يتضمن وفق العمل بالمادة (38).

2.     إن الالتزام بدفع أجور العمال أثناء الإغلاق هو التزام فرضه القانون صراحة بموجب نص المادة (38) من قانون العمل الساري- الذي لم يوقف العمل بها عند إعلان حالة الطوارئ-، وليس شرطا من شروط التعاقد (العقد) حتى يتم التمسك في استحالة تنفيذه أو إرهاق أحد أطراف العقد في حال تنفيذه، وبالتالي فهو واجب التطبيق، ولا يدخل من ضمن الالتزامات التعاقدية المنظمة بموجب عقود تعاقدية كعقود التوريد وغيرها، لأنه ببساطة مفروض بنص قانوني خاص نافذ. 

3.     إن أحكام قانون العمل أحكام وقواعد آمرة لا يجوز مخالفتها كونها صدرت بموجب قانون خاص، ووفقاً للمبدأ القانوني بأن "الخاص يقيد العام"، وبالتالي فإن نصوص قانون العمل خاصة عن قواعد وأحكام مجلة الأحكام العدلية والتي تتضمن قواعد كلية عامة وهي ذات الأولوية في التطبيق استنادا للمبدأ المذكور، وبالتالي لا مجال للتحلل من هذا الالتزام بتطبيق نص المادة (38)  إلا بتعديل و/أو إلغاء و/أو وقف أحكام قانون العمل.

4.     أما بالنسبة إلى قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996، سيما المادة (50) منه والتي نصت على: "إذا أضطر صاحب العمل إلى وقف العمل بصورة مؤقتة بسبب لا يعزى إليه وليس في وسعه دفعه فيستحق العامل الأجر الكامل عن مدة لا تزيد على العشرة أيام الأولى من توقف العمل خلال السنة وأن يدفع للعامل نصف أجره عن المدة التي تزيد على ذلك بحيث لا يزيد مجموع التعطيل الكلي المدفوع الأجر على ستين يوماً في السنة"، فإنها جاءت لمصلحة صاحب العمل أكثر منها للعامل بمسألة دفع الأجور خلال فترة الإغلاق نتيجة اضطرار أصحاب العمل إلى وقف العمل بمنشآتهم، حيث أنها لم تلزم أصحاب العمل بدفع الأجور كما هو الحال في قانون العمل الفلسطيني، وبذات الوقت لم تتطرق هذه المادة إلى إنهاء عقد وعلاقة العمل عند وقف عمل منشأة العمل، وذلك على خلاف ما ذهبت له المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني، وتركت المادة (50) من قانون العمل الأردني بدلالة المادة (28) من ذات القانون -والتي تتناول حالات الفصل دون إشعار- وإن مسالة إنهاء عقد العمل عند توقف العمل أو توقفه في حالات الطوارئ للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني الأردني، سيما المادة (205) منه –هو ساري التطبيق في الأردن فقط- والتي من شأنها إنهاء العقود عند استحالة تنفيذها، وهذا الأمر خلق بعض  التفسيرات لدى أطراف العمل الثلاثة في الأردن، حيث أصدرت تعليمات على موقع وزارة العمل الأردنية الإلكتروني بتاريخ 18/3/2020 بأنه يتوجب على أصحاب العمل الاستمرار في تنفيذ عقودهم ودفع الأجور خلال فترة التعطيل تماشيا مع ما جاء في أمر الدفاع رقم (6) لسنة 2020 الصادر بمقتضى قانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992 والذي تضمن عدة قرارات من أجل الخروج من المأزق القانوني التي وضعت فيه المادة (50) من قانون العمل الأردني الوزارة، كونها لا تلزم أصحاب العمل بدفع الأجور عند استحالة التنفيذ (توقف العمل) وتضمن هذا أمر الدفاع هذا نصوص توقف العمل في المادة (50) من قانون العمل الأردني، وتمنع أصحاب العمل من إنهاء عقود العمل والزامهم بدفع أجور العمال وفق ترتيب خاص ورد في أمر الدفاع رقم ( 6) لسنة 2020، وأوجبت على  أصحاب العمل الذين يرغبون في وقف عمل منشآتهم بتقديم طلب بذلك توافق عليه الوزارة، لقاء حرمان صاحب العمل الاستفادة من برامج الحماية الاقتصادية للقطاع الخاص الذي تعمل الحكومة عليه، وعلى أن تتولى الحكومة بدعم العمال  الذين لم يحصلوا على أجورهم من خلال مؤسسة الضمان من خلال دفع أو تعويض أجور العمال في حال الموافقة على طلب وقف عمل المنشأة، وقد صرح به وزير العمل الأردني بتاريخ 16/3/2020 بعدم تسريح أي عامل تحت طائلة الفصل التعسفي، وهذا الأمر عارضه الكثير من خبراء القانون في الأردن الذين اعتبروا أن ذلك لا يتماشى وأحكام قانون العمل الأردني، ويتعارض مع ما جاء في المادة (205) من القانون المدني الأردني، وما توصلت له محكمة التمييز الأردنية من عدم مسؤولية الأطراف في حال استحال تنفيذ العقد وفقا لنظرية الظروف القاهرة والطارئة.

وبالتالي، فإن قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000، وضع نصا خاصا وصريحا عند إغلاق منشأة العمل بموجب قرار إداري كما تم تبيانه في هذه الورقة، بأن يلتزم صاحب العمل بدفع أجور العمل لمدة أقصاها شهرين، وفي حال استمرار الإغلاق تنتهي العلاقة العمالية بحكم القانون، مع احتفاظ العامل في حقوقه العمال عن فترة عمله لدى صاحب العمل، وأوجد حلا لهذه الإشكالية في نص المادة (38) من قانون العمل، ولم يحيل هذه المسالة للقواعد العامة كما فعل المشرع الأردني.

1.     كما نود الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني قد وازنت بين حقوق العمال وعدم انقطاع أجورهم لمدة شهرين كحد أقصى نتيجة الإغلاق، ومصالح أصحاب العمل حيث حفظت للعمال حقوقهم في نيل أجورهم على مدار شهرين من فترة الإغلاق وفي ذات الوقت راعت مصالح صاحب العمل الذي لا يستطيع دفع أجورهم أكثر من ذلك نتيجة إغلاق منشآته وجعلت الالتزام بدفع الأجور واستمرارية العمل منتهية بحكم القانون مع احتفاظ العمال بحقوقهم العمالية المترتبة نتيجة انتهاء عملهم وعقودهم بحكم المادة (38) من قانون العمل، ونشير بذلك إلى حكم محكمة استئناف القدس رقم (81/2016)  والصادر بتاريخ 30/5/2016 الذي اعتبر أن عقد العمل يعتبر منتهيا تلقائياً بانتهاء مدة الشهرين من تاريخ الإغلاق، وهذا المبدأ أيضاً هو حق للعامل الذي يستطيع بعد مدة الشهرين من إغلاق منشأة العمل لدى مؤسسة وصاحب عمل آخر، وقد يضطر أحياناً العامل للبحث عن عمل جديد بعد إغلاق المنشأة مباشرة أو في أي وقت، وهذا الأمر وإن كان سيزيل حملاً ثقيلاً عن أصحاب العمل، إلا أنه يلحق ضررا كبيرا بالعمال، وسيزيد الحمل على كاهل الدولة والحكومة التي يفترض منها أن توفر الحد الأدنى على الأقل من متطلبات معيشة العمال وأسرهم، وأن تدعم في ذات الوقت أصحاب العمل أيضاً الذين تضرروا من هذه الجائحة.

الخلاصة:

وعليه؛ فإن ما جاء في المادة (38) من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 هو التزام مفروض بقوة القانون والنص، وليس بقوة العقد، سيما وأنه لم يصدر أي تشريع بتعديل هذه المادة أو وقف العمل فيها عند إعلان حالة الطوارئ وحتى تاريخ هذه الدراسة، وبالتالي فإن تطبيق مبدأ استحالة التنفيذ أو عدم القدرة على التنفيذ نتيجة إرهاق أحد أطرافه لا مجال فيه للتطبيق على ضوء ما تم بيانه، وإن عدم التقيد بالنص ودفع أجور الشهرين بحد أقصى يجعل أصحاب العمل عرضة لدفع تعويض عن الفصل التعسفي في حال تم فصلهم خلال الشهرين، وإن من حق أصحاب العمل بمرور مدة الشهرين على الإغلاق اعتبار عقود العمل والالتزامات العمالية المفروضة عليهم بدفع الأجور منتهية حكماً، دون أن يكون صاحب العمل عرضة لمسألة الفصل التعسفي أو الملاحقة عنها نظرا لوضوح النص، مع احتفاظ العمال بما لهم من حقوق وامتيازات عمالية عن فترة عملهم السابق لدى أصحاب العمل مثل مكافأة نهاية الخدمة والإجازات وغيرها من الحقوق، وهذا يدعو إلى دق ناقوس الخطر وضرورة تفعيل الجهود لعدم فقدان سوق العمل الفلسطيني للوظائف وارتفاع نسبة البطالة، التي من شأنها أن تؤثر حتما على عجلة الإنتاج، والاقتصاد الوطني الفلسطيني، وتدعو إلى ضرورة تعاون أطراف العمل (الوزارة، وأصحاب العمل، والعمال) من أجل البحث عن حلول سريعة لتفادي الخسائر قد الإمكان، واستمرار عجلة الحياة، وعدم تفشي حالات الفقر والبطالة، وضرورة التدخل العاجل من مجلس الوزراء (الحكومة) لوضع حد لهذا الأمر ووضع خطط عاجلة للخروج من هذه الأزمة، وعدم الانتظار والتعاون المطلق مع القطاع الخاص الفلسطيني، وإعادة تفعيل قانون الضمان الاجتماعي وفق رؤية مجتمعية كليه كاملة لعدم الوقوع في مثل هذه الضائقة المالية الخاصة بمعاشات وأجور العامل والتزامها في تأمين الحد الأدنى من تكاليف المعيشة وتيسير أمور حياة المواطنين، وإنشاء صندوق عاجل لتعويض المتضررين من جراء هذه الجائحة سواء كانوا من العمال أو أصحاب العمل، ووضع برنامج للحماية الاقتصادية، وإعادة النظر بصورة شاملة بالسياسات المالية والاقتصادية والاستثمارية التي اتبعتها الحكومة على مدار سنوات طويلة، ووضع خطط إنقاذ وتطوير عاجلة، وتخفيض وإزالة القيود أمام عجلة الاقتصاد.

 

[1] نقلا عن الموقع الآتي : shorturl.at/zBMS2

[2] وسام صبار العاني،  القضاء الإداري، صفحة 51-56

[3] القرار الإداري من الناحية القانونية،ص4 نقلا عن الرابط الآتي:  https://bit.ly/2QXprn8