الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل يشكل انبعاج علب حفظ الطعام الحديدية خطرا على صحة الإنسان؟

عبوات الطعام الإسرائيلية "المضروبة" تغزو الأسواق الفلسطينية

2020-06-25 01:45:49 PM
هل يشكل انبعاج علب حفظ الطعام الحديدية خطرا على صحة الإنسان؟
تعبيرية

 

الحدث - جنى حسان

يلجأ الكثيرون من المستهلكين في زمن السرعة والانشغال وأوقات الأزمات الاقتصادية والعالمية، إلى استخدام الأطعمة المعلبة كحل سريع ومشبع ومتدني السعر، وقد يعتقد البعض أن معرفة تاريخ انتهاء الطعام يكفي لضمان جودته، وعدم تأثيره على صحة الإنسان، ولكن الحقيقة أن أمراً أكثر خطورة  يغيب عن أذهان المشترين، فوجود علبة طعام "مطعوجة" أو منبعجة في سلة المشتريات كفيلٌ بأن يشكل خطرا على صحة الإنسان.

وفي هذا السياق، قال مهندس التصنيع الغذائي محمود حرزالله، إن أي اختلاف في شكل العلبة، ولو كان بسيطاً، يعني أن هناك خللا ما بها، وينبغي إتلافها فوراً لما تشكله من أضرار على صحة المستهلكين.

وأوضح حرزالله لـ"الحدث"، أن المعلبات تُصنع من الصفيح، والذي يُكبس في المكبس،  ليتشكل على شكل علبة مستديرة أو مربعة، ومن ثم تُلحم الصفيحة ببعضها، وتُطلى بمادة تُسمى "الفود جريد"، وهي المسؤولة عن العزل بين الطعام والمواد المكونة لمعدن الصفيح،  تجنباً لتفاعل الطعام مع المعدن، وغالباً ما تُستخدم الزيون كمادة عازلة كزيت الخس، الذي يُستخدم مع المواد الجافة كاللحوم، في حين تستخدم زيوت أخرى للمواد السائلة كالمخللات.

وأضاف م. حرزالله، أن عملية التعليب تمر في مرحلة أخرى تُدعى "السيمنغ"، والتي تُعرف بأنها عملية تداخل غطاء العلبة مع جسمها، أي عملية إغلاقها، ومن ثم يتم قلب العلبة وغسلها مع ضغط قوي وتنشيفها للتأكد من عدم وجود عوالق بكتيرية على العلبة.

"بعد إغلاق العلبة، يتم إجراء الفحص الأخطر في عملية التعليب، ألا وهو (الأوفر لاب) والذي يعني تداخل غطاء العلبة مع جسمها، ففي هذه العملية يتم طعج العلبة بشكل خفيف بعد تعرضها لضغط علوي وسفلي، ووجود أي انقسام بينهما يؤثر على سلامة المنتج"، يتابع حرزالله.

وأشار م.حرزالله، إلى وجود فحص آخر مهم تخضع له الأغذية المعلبة، وهو فحص النتوءات، الذي يُعنى بقص التداخل بين جسم العلبة وغطائها، إذ أن المدى المسموح به في التداخل يتراوح ما بين 0.1 إلى 0.3 مليمتر، وأي زيادة فيه تضر بالمنتج، منوهاُ إلى ضرورة فحصه في المختبرات للتأكد من سلامته.

وأكد حرزالله، أن ضرب العلبة من منطقة اللحام يشكل الخطر الأكبر على سلامة المنتج، فالمادة العازلة الموجودة أسفل اللحام قد تتضرر في حال خدشها أو بعجها، لأن هذه المادة تحتوي على مواد كيميائية أسيدية كالفسفور وثاني أكسيد الكربون، فإما أن تتفاعل المواد الكيميائية مع المواد الغذائية، أو أن هذا الهتك يؤدي إلى تسريب الأكسجين إلى داخل العبوة وتسميم ما فيها، أو أن يحدث كلا الأمرين. وقد تشكل أيضاً أي ضربة على منطقة التداخل بين جسم العبوة والغطاء مشكلة أخرى، نظراً لاحتمالية دخول البكتيريا إلى العلبة وتحوصلها فيها، وقد لا تتفاعل البكتيريا مباشرة مع الغذاء، ولكنها تبقى في انتظار الظروف البيئية والجوية المحيطة لتتنشط وتسمم المادة الغذائية.

"قد تكون العلبة منتفخة نتيجة لضربة ما، ولا يلاحظها المستهلك، فيتسمم بمجرد تناولها، فانتفاخ العلبة يمنع ظهور الخلل الفيزيائي فيها، ويحجب رؤية هذا الخلل، الذي قد يكون ناتجاً عن وجود تلوث كيميائي أو جرثومة"، يستأنف حرزالله حديثه، مبيناً أي خلل في العبوة حتى وإن لم يكن في منطقة اللحام ومنطقة الغطاء من الأسفل والأعلى، فهذا لا يعني بأنها سليمة، بل على العكس تماماً، إذ أن انبعاج العبوة من أي مكان يدل على أن المادة الغذائية تمددت، وتلقائياً أصبحت ملوثة وسامة.

وأوصى مهندس التصنيع الغذائي حرزالله، بضرورة سحب وإتلاف أي مادة يظهر أي خلل في أي منطقة بها، كالانبعاج والخدش والانتفاخ والصدأ، لاحتمالية وجود تلوثٍ بها، ولما تتركه من آثار على صحة الإنسان.

أما في ما يتعلق باحتكاك مفاتيح العلب بالمعلبات عند فتحها، فإن هذا الاحتكاك، يؤدي إلى انتهاء صلاحية معدن العلبة تلقائياً، مما يعني ظهور الصدأ الذي ينتج عن تفاعل الرطوبة مع المعدن لفساد المادة المطلية، أو قد يحدث التآكل، الذي يشير إلى تهتك المادة الحامية للطعام، وتأثر هذا الطعام بالمعدن، وفقاً لحرزالله.

"أحياناً يقول المستهلكون إنهم وبعد ساعاتِ قليلة من فتح العلبة، أصبحت المواد الغذائية الموجودة فيها تبدو متعفنة، صحيح، فالحديث هنا عن علبة كانت مقفلة، فإن فتحها يؤدي إلى تغيير صلاحيتها 180 درجة، فأنا لا أعلم الظروف التي وضعت فيها هذه المواد، حتى وإن تم تفريغها"، يضيف م. حرزالله.

 وشدد حرزالله على ضرورة استهلاك المادة الغذائية فور فتحها بأي طريقة فتح كانت، وتفريغ ما تبقى منها في علب بلاستيكية أو زجاجية، أو حتى وضعها في كيس بلاستيكي، وفي بعض الأغذية، كصلصة الطماطم المعلبة، ينبغي أن يُضاف زيت زيتون عليها بعد نقلها إلى علبة مناسبة، لضمان بقاءها لفترة أطول دون تلوث، وهناك بعض المواد كالمخللات يستلزم حفظها بمحلول يتكون من الماء والملح، كما أن بعض المواد الغذائية ينبغي أن يُضاف إليها  السكر لحفظها كالمربى مثلاً، بالإضافة إلى وسائل الغلي والتعقيم والبسترة.

وفسر م. حرزالله ضرورة حفظ الأطعمة المعلبة بهذه الطريقة، بأن المواد الغذائية ترتبط بمعامل الرطوبة أو نسبة الماء فيها، والتي تؤثر على درجة حموضة الأغذية، لتنعكس في المحصلة على سلامة الطعام، فكلما كان الطعام جافاُ ورطوبته أقل كالشوكولاته مثلاً، كلما قلت احتمالية دخول البكتيريا إليه، والعكس صحيح.

ووفقاً لحرزالله، فإن هناك قوانين واشتراطات صحية مفروضة على مصانع الأغذية المعلبة باختلافها، إذ يتحتم على هذه المصانع أن تحصل على ترخيص من وزارة الاقتصاد ومؤسسة المواصفات والمقاييس، و ينبغي أن تحصل على علامة الجودة، التي لم تحصل عليها معظم الشركات والمصانع في البلاد، كما أكد على أن جميع المعلبات المستوردة يجب أن تحصل على تصريح استيراد، وتصريح توزيع، بعد أن تقوم وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد بفحص هذه المنتجات، والتأكد من مطابقتها لشروط السلامة الفلسطينية.

وشدد م. حرزالله على ضرورة فحص المستهلك للأغذية المعلبة فحصاً فزيائياً، الذي يتم من خلال تفحص العلبة من كل جوانبها والتأكد من خلوها من أي ضرر، بالإضافة إلى قراءة بطاقة البيانات والمحتوى وتاريخ صلاحية المنتج الموجودة على العبوة، والانتباه إلى التحذيرات والتعليمات المرفقة، كما ينبغي على المستهلكين متابعة ما تنشره وزارتا الصحة والاقتصاد، وجمعية حماية المستهلك ومؤسسة المواصفات والمقاييس، للتأكد من عدم شراء منتجٍ تالف.

وعلى الصعيد ذاته، أفاد رئيس مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية حيدر حجة لـ"الحدث"، أن انبعاج أو تلف العلب الحديدية المخصصة لتخزين الأغذية، يأتي نتيجة خلل أو سوء في التخزين أو الشحن أو النقل، وهو ما قد يؤثر على جودة المنتج ويلحق ضررا بالمستهلك.

وأضاف حجة، أنه بحسب المواصفات، يجب طلاء العبوات بمادة من الداخل تكون ملائمة لملامسة الأغذية ولا تؤثر عليها، لان معظم العبوات الحديدية تكون قابلة للصدأ ويفترض وجود طلاء داخلي ملائم لملامسة الأغذية.

وبحسب حجة، فإن انطعاج أو تلف أي علبة فيما يتعلق بهيكلها الحديدي الخارجي يؤدي إلى تشقق وخلل في الطبقة الداخلية، وهو ما قد يتسبب بتشكل الصدأ لهيكل العلبة الداخلي، خاصة المواد الغذائية التي تحتوي على أحماض أو تلك القابلة للتفاعل مع المعدن نفسه، وهو ما يشكل خطورة على المستهلك.

عبوات الطعام الإسرائيلية المضروبة تغزو الأسواق الفلسطينية

وأوضح حجة، أن تعرض العبوات الحديدية لضربة خلال النقل أو التخزين، قد يؤدي إلى دخول الهواء إلى العلبة، وهو ما يؤدي إلى تكاثر الأعفان والبكتيريا التي تضر بالمستهلك. مشيرا، إلى أنه يفترض عند تعبئة العبوات بالمواد الغذائية إما تفريغها تماما من الهواء أو وضع هواء خامل يمنع حدوث تفاعل بين مكونات العبوة أو بين المكونات الغذائية والعبوة نفسها.

وفي ما يتعلق بالعبوات الغذائية التالفة ذات الإنتاج الإسرائيلي، قال، إن هذه المنتجات ممنوع عرضها في الأسواق الإسرائيلية، لذلك، فإن بعض المحال تقوم بتجميع العبوات "المضروبة" أو التالفة وإرسالها للسوق الفلسطيني. مؤكدا، أن هذا الموضوع تتم متابعته مع جمعية حماية المستهلك.

صفقات وغش تجاري

من جانبه، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، أن المواطن يقع في معظم الأحيان ضحية الغش التجاري من قبل التجار والشركات المصنعة، إذ أن هذه الشركات تبرم مع التجار الراغبين في زيادة أرباحهم، صفقاتٍ من أجل التخلص من المواد التالفة لديها، ومن ثم تُباع علب الطعام التالفة عبر عرضها بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة دون اكتراثٍ لتأثيراتها الصحية، مما يدفع المواطن إلى شرائها فوراً.

وأوضح هنية أن معلبات الطعام بمجرد انبعاجها أصبحت غير صالحة للأكل، وذلك لأنها أضحت غير محكمة الإغلاق وتسرب ما فيها من مواد، مما يجعل الطعام غير صالح للاستخدام، ويترك آثاراً كبيرة على جسم المستهلك.

"أحياناَ يتم عقد هذه الصفقات عبر ما يُسمى بالمزادات الموجودة في الموانئ والأسواق العامة، يشتريها عدد من التجار ومن ثم تنتشر بشكل كبير في الأسواق، فمثلاً تنتشر هذه المعلبات في سوق رام الله على البسطات بكميات هائلة وبعروض مخيفة، على سبيل المثال يتم عرض 6 علب بسعر 10 شيقل!" يضيف هنية. موضحا، أنه في المقابل هناك العديد من الشركات الفلسطينية المصنعة والمستوردة لعلب الطعام التي تلتزم بالقوانين، وتنتبه لوجود معلبات "منبعجة" لديها، وتقوم الشركات فوراً بتبليغ وزارة الاقتصاد بوجود خلل في المنتج، وتعلن عن ذلك عبر وسائل الإعلام لتنبيه المستهلك بضرورة عدم شرائها، ويتم إتلافها على الفور.

وبين رئيس جمعية حماية المستهلك أنهم يعملون بالتعاون مع وزارة الاقتصاد ولجان السلامة في المحافظات، على تطبيق قانون حماية المستهلك رقم 21 وقوانين الصحة العامة، وذلك من خلال تنظيم زيارات ميدانية إلى المحلات التجارية، والتأكد من سلامة المأكولات المعلبة. مؤكداً على التزامهم بمحاسبة المخالفين من خلال تطبيق المادة 27 من قانون العقوبات، إلى جانب العمل دائم على توعية المواطنين بضرورة التأكد من سلامة المنتج المعلب من خلال فحص شكله وتاريخ الإنتاج والانتهاء.

وتنص المادة 27 من قانون حماية المستهلك على أن "كل من عرض أو باع منتجا مخالفا للتعليمات الفنية الإلزامية، يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، أو بكلتا العقوبتين".

"نعاني كجمعية حماية المستهلك أحياناً من صعوبة في ضبط التجار المخالفين ومعاقبتهم، نظراً للجوء بعض المواطنين إلى شراء الطعام المعلب من البسطات، وبالتالي في حال وجود أي علبة طعام مبعوجة، لن يتمكن المستهلك من إعادتها للتاجر ولا للشركة المصنعة، فلا يمكن الوصول لعناوينهما، و لن نتمكن نحن أيضاَ من محاسبة التاجر المخالف" يتابع هنية.

وحث رئيس جمعية حماية المستهلك، المواطنين، على ضرورة شراء المنتجات من محلات تجارية معروفة، والتأكد من الحصول على ورقة إيصال من أجل ضمان إرجاع المنتجات المعلبة المنبعجة، بالإضافة إلى ضرورة عدم استهانة المواطن بهذا الخلل في المنتج لخطورته على صحته في حال استهلاكه.

من ناحيتها، أوعزت خبيرة التغذية دانا حسان، خطورة تناول معلبات الطعام المنبعجة إلى حدوث تفاعل بين المكونات الغذائية التي تحويها العلب، وبين المعدن الذي تتكون منه، أو تفاعل المعدن مع البيئة المحيطة به.

وقالت حسان، إن مسببات فساد الأغذية في العلبة المنبعجة تقسم إلى مسببات ميكروبية وأخرى غير ميكروبية، فالميكروبية تتمثل بوجود البكتيريا التي تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، القابلين للتفاعل معا، مما يسبب انتفاخ العلبة المعدنية، والتأثير على طعم ولون ورائحة الطعام المعلب، بالإضافة إلى نمو بعض الخمائر والأعفان في الأغذية المليئة بالسكريات كالمربى والجلي.

أما في ما يتعلق بالمسببات غير الميكروبية، فقد تكون على شكل تفاعل بين المكونات الغذائية وبين معدن العلبة، مما ينجم عنه تآكل العلبة وتغير لون الطعام والتأثير على قيمته الغذائية، وفقاً لأخصائية التغذية.

أمراض خطيرة قد تسببها علب الطعام المنبعجة

وحول المخاطر الصحية المترتبة على الأكل من المعلبات التالفة، بينت حسان، أن لها آثاراً صحية وخيمة، فهي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى تأثيرها على هرمونات الإنسان، وإحداث خلل بها، كما أن العديد من الدراسات أكدت الدور الذي تلعبه الأطعمة المصنوعة من علب الألومنيوم في الإصابة بمرض الزهايمر.

"بعض الأغذية مثل اللحوم أو الأسماك المعلبة تحتوي على بكتيريا تسمى ( الكلوستريديوم بوتولينيوم)، هذه البكتيريا تفرز مادة البوتيولينيوم التي تعد الأكثر سمية بالطبيعة، وتسبب نوبات شلل عضلي قد تكون قاتلة"، تابعت الأخصائية.

وأوصت حسان بضرورة التأكد من صحة المعلبات المستهلكة، وذلك من خلال فحص شكلها إذا ما كان طبيعياً أم لا، فوجود تحدب في أطراف العلبة وجوانبها يدل على فساد الطعام الذي تحتويه، فالشكل الطبيعي للعلبة مقعر من الجوانب.