الثلاثاء  03 حزيران 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هل يغامر بايدن بالذهاب إلى الحرب لوقف غزو صيني لتايوان؟

2020-11-19 08:38:10 AM
هل يغامر بايدن بالذهاب إلى الحرب لوقف غزو صيني لتايوان؟
علما الولايات المتحدة والصين

الحدث- جهاد الدين البدوي

نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" العسكرية مقالاً ترجمته الحدث، للدبلوماسي الأمريكي السابق الكاتب باتريك مينديس والمحلل العسكري الأمريكي وجوي وانج، حول: هل سيتبع الرئيس القادم خطى الرئيس جون كينيدي الذي تبنى رؤية أن يكون لأمريكا رأي في الشؤون العالمية في خضم التهديد الشيوعي؟

وجاء فيه:

الآن بعد أن اقتربت الانتخابات الرئاسية الأميركية من نهايتها مع قرب إعلان جو بايدن كرئيس منتخب، هناك قلق بالغ في العاصمة التايوانية تايبيه من أن "عودة مستشاري السياسة الخارجية في عهد أوباما في إدارة بايدن المحتملة" قد تعني نهجاً "أكثر تصالحاً" تجاه الصين و"أقل دعماً لتايوان" مقارنة بإدارة ترامب.

نتائج الانتخابات الأمريكية ربما لا تلقى أهمية في بعض المناطق في العالم، إذ تملي الجغرافيا والتاريخ أن السياسة الدفاعية الأمريكية وأمن تايوان متماثلان ولا يمكن الفصل بينهما. والأهم من ذلك، هل سيدفع الرئيس الديمقراطي القادم - مثل الرئيس جون كينيدي - "أي ثمن" لدعم تايوان و"بقائها ونجاحها في الحرية" ضد الحزب الشيوعي الصيني؟

عقود النمو الاقتصادي التي انقضت منذ سياسات الإصلاح والانفتاح التي انتهجها دنغ شياو بينغ قد منحت الصين الموارد اللازمة لممارسة قوتها عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً. وعلى مدى العقد الماضي، خرجت بكين تدريجياً عن فلسفة الحكم التي كان يحكمها بينغ "اخفِ قوتك، وخذ وقتك"، وبدأت الآن في الكشف عما يعتزم الرئيس شي جين بينج القيام به بهذه القوة. إن الوحدة مع تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر، هو على رأس قائمة شي النهائية للسياسة الخارجية.

لم تحظَ الآثار الكبرى لفكرة غزو تايوان بنقاش يذكر، رغم أنها تعتبر عنصراً استراتيجياً للحزب الشيوعي الصيني. إن الاستيلاء على تايوان ليست غاية في حد ذاتها. إن خطة الصين الكبرى بشأن الوحدة مع تايوان اليوم لا تستند إلى المظالم التاريخية التي لم تحل فحسب، بل تستند أيضاً إلى ضروراتها الجيوستراتيجية. وكلامهما مرتبطان ارتباطا وثيقاً.

نهاية الأعمال غير المكتملة

بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت الحرب الأهلية بين الشيوعيين بقيادة الرئيس ماو تسي تونغ والقوميين (الكومينتانغ، KMT)، مع تراجع الجنرال شيانج كاي شيك من جمهورية الصين في نهاية المطاف إلى تايوان في عام 1949. ومنذ ذلك الحين، واصلت الصين التهديد والثرثرة. ومع ذلك، كانت العلاقات عبر المضيق في العقود الأخيرة سلمية إلى حد كبير - حافظت على استمرار سياسة "الغموض الاستراتيجي" الأمريكية.

وبينما تتقدم بقية العالم، استمرت الحرب الضارية بين الشيوعيين والقوميين مع تصاعد القلق في تايوان. لم يغفل الحزب الشيوعي الصيني أبداً عن أهدافه الاستراتيجية، حيث ظل يركز على الوحدة مع "المقاطعة الانفصالية" وينهي هذا الصراع.

وعلى مر السنين، كانت الدروس المستفادة من الاتحاد السوفييتي السابق وانحلاله دائماً سائدة في وعي قادة الحزب الشيوعي الصيني. لقد استشهد شي باستمرار بآمال الرئيس ماو أو "التطلعات الأصلية" للحزب الشيوعي لتحذير القادة الحاليين من الانجراف، قائلاً: "إذا خسرنا ماو، فإننا نخسر تاريخ الحزب المجيد".

ومن المرجح أن تشمل خسارة هذا التاريخ التخلي عن الوحدة في الوقت الذي لا يزال فيه قدامى المحاربين الكوريين في الصين يشعرون بالمرارة إزاء الكيفية التي توقفت بها "خطة ماو لاستعادة الجزيرة". ومن خلال حملته الدعائية، استخدم الحزب الشيوعي الصيني توحيد تايوان "كمبرر رئيس للمشاركة في الحرب الكورية". إن الثورة "المنقطعة" في المسيرة الطويلة للرئيس ماو لا بد أن تستمر.

هل تخلت الولايات المتحدة عن تايوان؟

وفي خطابه الذي ركز على الصين، والذي ألقاه في مكتبة ريتشارد نيكسون الرئاسية في تموز/يوليو 2020، زعم وزير الخارجية مايك بومبيو أن الولايات المتحدة "همشت أصدقاءنا في تايوان" وشرعت في "النموذج القديم من المشاركة العمياء" مع بكين.

الشيء المفقود في رواية بومبيو، يتمثل في حقيقة أن العالم كان يعيش في خضم الحرب الباردة في ذلك الوقت. وكان التهديد الرئيس للسلام العالمي هو التوسع السوفييتي في جميع أنحاء العالم. ولم يكن الاتحاد السوفييتي يمارس ضغوطاً على أوروباً الغربية فحسب، بل إن الانقسام الصيني السوفييتي كان يثير أيضاً مخاوف في الصين من أن تنتهي موسكو وبكين إلى الحرب.

ومن الأمور التي جعلت الصين أكثر عرضة للخطر في ذلك الوقت حقيقة أن الحكومة الشرعية الوحيدة للصين كانت في تايبيه، مما أثار احتمال أن "يسيء أعداء الصين على طول حدودها الشمالية [السوفيت] والجنوبية [الهند] تفسير عدم الاعتراف باعتباره فرصة يمكن استغلالها"، كما كتب وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في كتابه "عن الصين".

ونتيجة لذلك، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع جمهورية الصين (تايوان) واعترفت رسمياً بحكومة جمهورية الصين الشعبية في عام 1979. وذكر البيان المشترك بين الولايات المتحدة والصين الشعبية أن "الصين واحدة فقط وتايوان جزء من الصين". غير أن الكونجرس وافق أيضاً على قانون العلاقات مع تايوان في عام 1979 والذي ستحافظ فيه الولايات المتحدة على علاقات ثقافية وتجارية وغير رسمية أخرى مع أهالي تايوان وسيساعد الجزيرة على الاحتفاظ بقدرتها على مقاومة استخدام القوة أو الإكراه من جانب الصين.

وعلاوة على ذلك، ألزم قانون تنظيم العلاقات واشنطن بتزويد تايوان بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. وفي حين أن القانون لم يعلن صراحة أن الولايات المتحدة سوف تحمي تايوان إذا تعرضت لهجوم، إلا أن رفع السرية مؤخراً عن "الضمانات الستة" في عام 1982 جعلها واضحة لالتزام أميركا بأمن الجزيرة. ومن المرجح أن يكون رفع الوزير بومبيو عن السرية تكتيكاً سياسياً لثني الصين عن أي تحركات عدوانية ضد تايوان كما حدث مؤخراً في هونغ كونغ.

ومن ثم، كانت الولايات المتحدة تقوم بعملية توازن دقيقة للغاية، ولم يكن اعتراف الولايات المتحدة بالصين هو ثني السوفييت عن مهاجمة الصين فحسب، بل كان أيضاً لثني الهند عن المضي في صراعها الحدودي مع الصين. وفي الوقت نفسه، كانت واشنطن توازن بين تايوان والصين. وكان على الولايات المتحدة أن تضمن عدم التخلي عن حليف لها في خضم هذا التوازن. وحتى لو لم تأتِ الولايات المتحدة على ذكر ذلك، إلا أن الأدلة التاريخية تشير إلى "الوضوح الاستراتيجي" طوال الوقت.

وأشار السفير الأمريكي السابق لدى الصين ستابلتون روي إلى أن الغرض من تعامل واشنطن مع بكين لم يكن أبداً مبنياً على "توقع ساذج بأن الصين ملزمة بالتحرير السياسي". كانت استراتيجية المشاركة الأمريكية ذات شقين:

  1. تعزيز موقعها في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.

  2. تأمين مساعدة الصين لوضع حد لحرب فيتنام.

وبالنسبة للسفير المخضرم وعالم الصينيات، كانت الاستراتيجية المحسوبة أكثر من استراتيجية "براغماتية تماماً" من رواية الحرب السياسية للوزير بومبيو عن "المشاركة العمياء".

تايوان حاملة طائرات غير قابلة للغرق

ومع ذلك، فإن المرحلة النهائية للصين تتجاوز تايوان، التي تقع على السلسلة الأولى من الأرخبيلات الكبرى التي تطل مباشرة على غرب المحيط الهادئ. وإذا نجحت الصين في الاستيلاء على تايوان، فإن ذلك سيسمح للصين باستخدام تايوان كنقطة انطلاق لنشر قواتها مباشرة في غرب المحيط الهادئ. وهذا من شأنه أن يمكن جيش التحرير الشعبي التابع للقوات البحرية والجوية الصينية من تحدي القوات الأمريكية بشكل مباشر أكثر ودفع النفوذ الأمريكي والغربي إلى خارج آسيا.

هذه الملاحظة ليست جديدة. فقد تصورتها الامبراطورية اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية بسياسة "آسيا للآسيويين" فضلاً عن نسختها الخاصة من "عقيدة مونرو الياباني" و"مجال الازدهار المشترك في شرق آسيا الكبرى". وخلال الحرب، استخدمت طوكيو تايوان أيضاً "كقاعدة للغزوات اليابانية لجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ".

وقد أدت النزعة القومية والتعصب التي حاربت بهما الإمبراطورية اليابانية لدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من المحيط الهادئ إلى اثنين من أكثر المعارك البحرية الجوية ملحمية في تاريخ العالم: معركة بحر المرجان في جنوب غرب المحيط الهادئ ومعركة ميدواي في غرب المحيط الهادئ في عام 1942.

الولايات المتحدة لم تنسَ أهمية تايوان لمصالحها الأمنية في غرب المحيط الهادئ بعد الحرب العالمية الثانية عندما ذكّر الجنرال دوغلاس ماك آرثر الكونغرس في عام 1951 بأن خسارة تايوان لن تهدد الفلبين واليابان فحسب، بل "قد تجبر حدودنا الغربية على التراجع إلى سواحل كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن" من سلسلة الجزر الثانية من أوكيناوا إلى غوام وجزيرة مانوس. والواقع أن الجنرال ماك آرثر كان قد أشار في وقت سابق إلى تايوان في "أيدي الشيوعيين" باعتبارها "حاملة طائرات وغواصة غير قابلة للغرق".

خلال الحرب الباردة، واجهت الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي السابق، الذي حاول أيضاً طرد أميركا من غرب المحيط الهادئ، وانتشرت القوات السوفييتية باستمرار بعيداً في غرب المحيط الهادئ لحث واختبار وتحدي قدرة أميركا على الدفاع عن مصالحها.

إذا نجحت الصين في دفع الولايات المتحدة إلى خارج آسيا، فإن بكين ستكون قد حققت ما لم تتمكن أي دولة من تحقيقه في التاريخ. ومع الشعار الياباني "آسيا للآسيويين"، فقد كرر شي أيضاً وجهة النظر الصريحة القائلة بأن مشاكل آسيا لابد وأن يحلها الآسيويين.

الالتفاف إلى التحذير الصيني

وفي كتاب هنري كيسنجر عن الصين، سخر دينغ شياو بينغ من الولايات المتحدة بسبب أي من الاتفاقات التي أبرمتها واشنطن مع الاتحاد السوفييتي السابق، لأن تلك "التنازلات والاتفاقات لم تسفر قط عن ضبط النفس من جانب السوفييت". وفي تحذير صارخ لمستشار الأمن القومي آنذاك زبيغنيو بريجنسكي في عهد الرئيس جيمي كارتر، قال دينغ: "لكي نكون صريحين معكم، كلما كنت على وشك إبرام اتفاق مع الاتحاد السوفييتي، فإن ذلك هو نتاج تنازل من الجانب الأمريكي لإرضاء الجانب السوفييتي".

من المرجح أن يكون نائب الرئيس آنذاك جو بايدن والرئيس باراك أوباما قد تنازلا لبكين عن المضي قدماً في عقيدة مونرو الصينية، وسمحا لبكين ببناء الجزر الاصطناعية والعسكرة التدريجية لبحر الصين الجنوبي. والآن يتعين على الرئيس المنتخب بايدن أن يعيد النظر في التحذير الجاد الذي وجهه دنغ إلى بريجنسكي.

تصرفات الصين على مدى السنوات القليلة الماضية دليل على أن عقود التسوية مع الصين سمحت الآن لبكين بتأكيد نفوذها في كل ركن من أركان العالم - والأهم من ذلك أنها سمحت للحزب الشيوعي الصيني بالتفكير بجدية في الوحدة مع تايوان بالقوة. وسوف يكون هذا الإنجاز تتويجاً للرئيس شي، ولكنه سيكون على حساب تايوان الديمقراطية النابضة بالحياة فضلاً عن القيم الأميركية الدائمة للحرية.

وعلى غرار ما كان قبل ستين عاماً، اضطر الرئيس جون كينيدي إلى تبنى رؤية أن يكون لأميركا رأياً في الشؤون العالمية في خضم التهديد الشيوعي. وفي خطاب تنصيبه أعلن كينيدي أننا "سندفع أي ثمن، ونتحمل أي عبء، ونتحمل أي مشقة، وندعم أي صديق، ونعارض أي عدو لضمان بقاء الحرية ونجاحها". وتتوقع تايوان ومعظم الدول في جميع أنحاء العالم من الرئيس جو بايدن ما لا يقل عن هذا النوع من الحنكة السياسية الأميركية المتجددة "لجعل العالم أكثر أماناً للديمقراطية". ويتعين عليه أن يبدأها مع تايوان "قلب آسيا".