الأربعاء  24 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غريزة التدمير وعلاقتها بالحرية/ بقلم: ندين قرط

2020-12-12 10:38:00 AM
غريزة التدمير وعلاقتها بالحرية/ بقلم: ندين قرط
ندين قرط

ما هي الحرية ؟

عندما نتطلع إلى الجانب الإنساني للحرية، الشوق للخضوع، وشهوة القوة: هل الرغبة في الحرية هي فطرة إنسانية، بمختلف الحضارات والمجتمعات، أم أن مفهوم الحرية يختلف بنوع المجتمع وحسب التفردية التي نصل إليها بالمجتمع عينه؟ وإذا كانت الحرية هي فطرة الفرد بالأساس كالجوع والعطش، فكيف نفسر الرغبة في الخضوع للزعماء عند الكثيرين؟

من خلال التجربة الإنسانية, وخاصة التجربة الفلسطينية لنيل الحرية، هل أصبحت الحرية عبئا لا يستطيع أن يتحمله الفرد ويحاول التخلص منها ؟ ولماذا إذن تكون الحرية للبعض هدف منشود وللآخر تهديد؟

هل الحرية هي دائما شيء ايجابي والخضوع شيء سلبي؟ مثل الخضوع لقوانين السلطة الحاكمة؟

إن التحليل الجانب الإنساني من الحرية والرغبة فيها أو الخوف منها، أو النزعة الإنسانية للقوى التسليط الشمولية وغريزة التدمير، يدفعنا إلى التفكير في الدور الذي تلعبه القوى السيكولوجية في الفرد، والتحكم في الصيرورة الاجتماعية.

الكثير من الكتاب أمثال مستر هوبنز، شرحوا عن الصورة الشائعة للمحركة للإنسان, أي الكائن العاقل الذي تتحد أفعاله مع مصالحه، والقدرة على التصرف وفق هذه المصلحة، حيث شرح عن وجود هذه القوى كنتيجة منطقية للمصلحة الذاتية.

ولكن هذه الصورة والتحليل قد عفى عنه الزمن، واثبت علماء علم النفس من خلال نظريات سيكولوجية أن هناك أسباب عديدة وراء دافع سلوك الإنسان منها نظرية النمو الأخلاقي لورنس كولبرج، التي قسمت مراحل تطور سلوك الإنسان لعدة مراحل منها: التوجه نحو الطاعة والعقاب، التفرد والتبادل, العلاقات الجيدة بين الأشخاص، الاحتفاظ بنظام اجتماعي، العقد الاجتماعي وحقوق الإنسان، إتباع المبادئ العالمية.

كما قدم  أبراهام ماسلو ما يعرف “هرم ماسلو”، وهو تمثيل لنظريته حول ترتيب حاجات الإنسان ووصف الدوافع التي تُحرّكه، حيث وضع ماسلو الحاجات البيولوجية في أساس الهرم, مثل الطعام, الماء, النوم, ووضع في رأس الهرم " الحاجات إلى تجاوز الذات" والتي تضم السمو الذاتي, الذي ينطوي على مساعدة الآخرين.

إذا فكرنا في تحليل ما قدمه ماسلو ومقارنته على أرض الواقع، نرى أن هناك فجوة، حيث أغفل ماسلو عن احتياجات لا غنى عنها مثل الطعام، الماء، والحاجة إلى النوم وما إلى ذلك، حيث أن هذه الاحتياجات الفسيولوجية هي تصب بفكرة الحاجة إلى المحافظة على الذات. أن الحفاظ على الذات هي ذلك الجزء من الطبيعة الإنسانية التي تحتاج إلى إشباع في ظل كل الظروف, ومن ثم تشكل الدافع الأولى للسلوك الإنساني, أي يعني على الإنسان أن يأكل ويشرب وينام ويحمي نفسه من الأعداء, وكي يفعل كل هذا عليه أن يعمل وأن ينتج.

هذا يعني أن الظروف الفسيولوجية ليست هي الجانب الوحيد في طبيعة الإنسان، هناك جانب آخر مهم, وهو ليس قائم على العمليات الجسمانية, بل هو قائم في تصميم الحالة الإنسانية وممارسة الحياة, أي التعلق بالعالم خارج النفس؛ للهروب من الوحدة؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون التعاون مع الآخرين، وهذا عكس ما قال عنه ماسلو ووضحه بنظريته.

لفهم تحليل الحرية للإنسان الحديث، أي يعني أن الحرية تميز الوجود الإنساني, ومعناها يتغير حسب درجة وعي الإنسان, وتصوره لنفسه ككائن مستقل ومنفصل.

نجد العملية نفسها في تاريخ تطور الفرد، حيث أن الطفل يولد عندما لا يعود متصلا مع أمه اتصال بيولوجي، الذي يدل على استقلال الطفل, وهذا بداية الوجود التفرد الإنساني, وطالما الإنسان لم يقطع الحبل السري الذي يربطه مع العالم الخارجي- وهذا تعبيرا مجازيا للتقيد الإنسان مع عادات وتقاليد, وكل القيود المجتمعية الأخرى- ستظل حريته منقوصة. بقول آخر: أن الوجود الإنساني والحرية هما منذ البداية غير منفصلين, والحرية هنا معناها ليس من الناحية الايجابية" الحرية ل"، بل بمعناها السلبي " تحرر من "، إلا وهي التحرر من الجبرية الغرائزية, لا من الفعل نفسه.

ومن هنا تبدأ عملية البحث عن الحرية, وتنشأ الدوافع الكف عن الفردية، والتغلب على الشعور بالوحدة والعجز, وعندما يشعر الإنسان بشكل واعٍ بالشعور الأمان والإشباع، ويدرك لاشعوريا أن الثمن الذي سيدفعه هو الكف عن القوة وتكامل نفسه, وهذا عكس الخضوع الذي هو نتيجة الشعور بالقلق ويزيد مع الوقت العداوة, التمرد, والارتعاب ضد أي شيء موجه له، حتى لو  من الأشخاص الذي يعتمد عليهم.

ولتجنب القلق والوحدة، فأن الخضوع ليس هو الحل الوحيد لتجنبهم، بل أن هناك طريق الوحيد المثمر, هي العلاقة التلقائية بين الإنسان والطبيعة، وهي العلاقة التي تربط الفرد بالعالم دون أن تستأصل فرديته.

يتمركز التاريخ الفلسطيني النضالي حول الجهد لإحراز الحرية أصفاد الاحتلال سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.

دارت معارك كثيرة، قام بها المضطهدون؛ لكسب الحريات والحقوق,، ضد المحتلين- الذين يمتلكون امتيزات يدافعون عنها. فعندما تقاتل مجموعة من الناس، الذين يتشاركون بنفس الجنس أو العرق أو الطبقة من أجل تحررها من السيطرة، تؤمن بأنها تقاتل من أجل الحرية الإنسانية كحرية إنسانية, ومن ثم تكون قادرة على الاستجابة بالمثل؛ من أجل الشوق للحرية، على سبيل المثال عندما قامت الثورة السورية في 2011, كانت أناشيد الثورة المعروفة " حانن للحرية حانن".

مع ذلك، فان مجموعة من جماعة المناضلين ضد المضطهدين, بمرحلة من المراحل, نراها مع المعركة الطويلة والمستمرة من أجل الحرية, تتآزر مع أعداء الحرية عندما يكتب لها النصر, وتكون هناك امتيازات جديدة  تقتضي الدفاع عنها.

مهما طالت هذه الحرب والمعارك، فالحرية دائما ستنتصر.

بالرغم من موت العديدون في الحرب، فبهذه الحالة ينتشر الاعتقاد بأن الموت من أجل نيل الحرية، في الحرب ضد المضطهدين أفضل من العيش بدون حرية. ومن هذا الموت هو تأكيد على الفردانية, وهذا ينطبق بشكل كامل على الذين ارتفعوا- لأن وحسب اعتقادي فالشهداء لا يسقطون أرضا، بل يرتفعون إلى السماء- في المعارك التي دارت بين الحركات التحرر الفلسطينية ضد المنظمات الصهيونية سابقا، والكيان الصهيوني حاليا.

في الوقت نفسه، تستوقفنا الكثير من الشخصيات التي تعبر عن عدم ايمانها بالحرية, وعدم رغبتها بنيلها، وأيضا عملها في المحافظة على هذا الكيان للمضطهدين, وتعظيمه، هولاء الإفراد الذين يخافون من الحرية، ويرفضونها، من ناحية سيكولوجية, فأن هناك عدة اضطرابات تفسر السلوك الخضوع مثل اضطراب نفسي يدعى "  متلازمة ستوكهولم" هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف.

وأيضا الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطراب الشخصية المنهزمة وتشكيلها المرتبط بكثير من الاحيان من وجود المضطهد أو المستعمر, والذي هو نمط متوغل من السلوكيات المنهزمة، واضطراب المازوخية الذي هو أحد أشهر انحرافات السلوك الجنسي ويقصد به التمتع بالألم عند استقباله من الآخر، وغيرهم من الاضطرابات التي ممكن أن تفسر الرغبة بالخضوع، والخوف من الحرية ورفضها أيضا..

يقول تشي جيفارا: لو أمطرت السماء حرية... لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات.

وأيضا سلوك القمعي الذي يمارسه من أبناء جلدة الواحدة, بهدف تقديم خدمة للمضطهد؛ كي يوفروا له الأمان, وحمايته من مواجهة أي عمل نضالي, فيمكننا تحليل هذا السلوك من ناحية الغريزية، حيث قدمت سابينا سبييلراين بحث عن غريزة التدمير يدعى" الدمار كسبب للمجيء إلى الوجود" عام 1912، حيث قدمت نقد كامل لنظرية فرويد التي تنص: بأن أي سلوك صادر منا يكون الدافع وراه هو الحصول على اللذة.

حيث قدمت أسباب أخرى للدافع وراء السلوك بعيدا عن اللذة, حيث قدمت أمثلة لا تحلل حسب نظرية فرويد, مثل الناجي والمصاب باضطراب ما بعد الصدمة، حيث يبقى يفكر في الأحداث والصدمات، وهنا لا يوجد أي لذة.

لهذا قدمت نظرية تنص على " غريزة التدمير" التي هي من غرائز الإنسان مثل غريزة البقاء.

وفسرت سبييلراين توجيهيين لهذه الغريزة, توجه نحو الذات، وتعني تدمير نفسك, مثل جلد الذات، تأنيب الضمير, تجريح الذات، وأحيانا ممكن أن تصل رغبة تدمير النفس إلى ما هو أسوأ، كسلوك جون فان خوخ، حيث دفعته هذه الغريزة مع رغبته في التحرر ليقطع أذنه، ودفع سيليفيا بلاث إلى دس رأسها داخل الفرن, فأن الرغبة في التحرر من أمر ما, يوجد في رأس الفرد فقط سواء كان من أفكار أو تهيأت، يدفع الفرد إلى القيام بتدمير ذاتهم، ودفع الثمن، دون وجود سبب يفسر هذا السلوك التدميري تجاه ذاتهم.

التوجه الثاني وهو تدمير الغير, وفي هذه الحالة تظهر على شكل اضطراب سيكوباتي مثلاً، وهذا ما يفسر سلوك هولاء الموالين للاستعمار والاضطهاد، فنجدهم يقمعون المناضلين أو المتظاهرين، وما يتبعه من سلوكيات تدميرية للشجر والشوارع, حيث نجدهم سعداء، دون الإحساس بالذنب، حيث يقولون علماء النفس المعرفي: أن هذه السلوكيات ممكن أن تحفز مراكز المكافئة في الدماغ, ويبدأ بفرز هرمون الدوبامين الذي هو مسؤول عن الشعور بالسعادة.

فالرغبة بالحرية، أو الخوف منها, وغريزة التدمير، وتشكل المفاهيم لدى الفرد, يعتمد بشكل كامل على درجة وعي الإنسان, وتصوره لنفسه ككائن مستقل ومنفصل، ونظرة الشخص لذاته, حيث تشوه الفكر عن الذات، ينعكس على صورة جسد الفرد وتصوره عن مجتمعه والآخرين, ولكننا علينا أن نعي جيداً أن الحرية تنتصر دوماً.