الجمعة  26 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

جرائم القتل في الداخل المحتل في ازدياد مُقلق والاحتلال صاحب اليد الخفية

2021-02-01 09:13:08 AM
جرائم القتل في الداخل المحتل في ازدياد مُقلق والاحتلال صاحب اليد الخفية
صورة أرشيفية

الحدث - ضحى حميدان

يبدو أن الشعائر الروحانية والدينية، صارت الخيار الأوحد لفلسطينيي الداخل المحتل، وأصبحت الصلوات الملجأ الأخير، أملاً باستجابة عدالة السماء لحقن دماء القتلى، الذين استفحلت أعدادهم بشكلٍ مهول في الشهر الأول من عام 2021، وبعد عددٍ من التظاهرات السلمية ضد مراكز الشرطة الذين يتواطأون مع القتلة بعدم الاكتراث أو الملاحقة، ما يسّرَ على منفذي الجرائم عملهم، ووفر لهم ضماناتٍ للقيام بجرائمهم دون  محاسبةٍ جنائية.

وللأسبوع الثالث على التوالي، تقام صلاة الجمعة في مبنى بلدية أم الفحم في الداخل المحتل، احتجاجاً على زيادة أعداد القتلى دون رادع أو محاسبة، ويبدو أن 114 قتيلاً خلال عام 2020، سيكون عددا قليلاً مقارنة بنظيره عام 2021 الجاري، إذ زادت أعداد القتلى عن 10 حالات في الشهر الأول فقط من هذا العالم، لتتحول قضية قتل شخص أو اثنين، إلى آفة مجتمعية صارت تُعدُّ بالعشرات.

الناشط ضد جرائم القتل في الداخل المحتل لؤي الخطيب يقول للحدث: "كل من يريد ارتكاب جريمة في الداخل الفلسطيني، يعلم أنه يستطيع ذلك بسهولة ودون أن يدفع الثمن، لأن شرطة الاحتلال لا تقوم بدورها بشكل منهجي ومقصود، وعلى العكس هي تسهل من عملية إفلاتهم من المحاسبة القانونية، و تتذرع بعدم وجود الأدلة الكافية لتتنصل من مسؤولياتها بهذا الخصوص، لكن إن كان القتيل (مستوطنة إسرائيلية)  كما حصل الشهر الماضي، في أقل من ثلاثة أيام تم الكشف عن ملابسات القضية لأنها تعنيهم، وخلال 2020 ومن أصل 114 حالة قتل، لم يكشفوا في المناطق التي يسكنها الفلسطينيون سوى عن ملابسات 4 حالات، وهذا لا يعني أنهم بذلو جهداً أصلاً في الكشف عنها، لكن هي في الأصل كانت معروفة للجميع كحالة من قتل أمه أمام الناس، وبالتالي كان اعتقال الجناة لوضوحهم وليس لأنهم بذلوا أدنى جهد في التحقيق بملابسات أي قضية". 

عائلات الإجرام معروفة في الداخل المحتل حسب قول الخطيب، وتتمثل بقرابة 6 عائلات معلومة الخلافات، المشكلة تكمن أن المواطن يعلم الجريمة التالية أين ستقع ومن المستهدف التالي، ومن الذي ستطلق عليه النار، لكن الشرطة تُغيب نفسها عن الموضوع قصداً، وإن استمر الموضوع على هذه الشاكلة ستنتقل مرحلة القتل بالفرادى إلى جماعات مسلحة تقتتل مع بعضها البعض وهذا ما يريده الاحتلال.

وفي مسألة القتيل الأخير بأم الفحم، حضرت الشرطة لمسرح الجريمة وأخذت كل الكاميرات من المكان، ثم أبلغت أهل القتيل بعدم وجود دلائل كافية على إدانة المجرم، مع العلم أن مجريات القتل مُصورة، وقد يدل هذا على ارتباط وثيق بين شرطة الاحتلال ومجموعة الجناة حسب قول الخطيب.

ولا يقف الأمر حدود تجاهل الجرائم وعدم ملاحقة الجناة فحسب، فيرى الخطيب أن حكومة الاحتلال باتت تسهل الحصول على الأسلحة، بينما سابقاً كانت عملية الحصول على السلاح شبه مستحيلة، ولكن هذا التهاون يأتي بأهداف معينة، فبدل أن يقتل الاحتلال المواطن الفلسطيني، تُسَهّل عملية حيازة السلاح له وتثار الفتن الداخلية ليقتل الفلسطيني، الآخر الفلسطيني وبهذا تتم الخطط الاحتلالية بأيادٍعربية، واللافت في الأمر أن 80% من السلاح الموجود في الداخل المحتل يأتي من مخازن جيش الاحتلال، وهذا يؤكد المساعي نحو إغراق المدن والقرى في الداخل بهذه الأسلحة لتعزيز حالات القتل، ومن المثير للاهتمام علم الاحتلال التام أن هذا السلاح لا يوجه ضدهم، لأنه لو كان لديهم علم بنسبة 1% أنه سيوجه ضدهم لما كان هذا التساهل في هذه القضية.

ويرى رئيس مركز القدس للدراسات والبحوث الإسرائيلية عماد أبو عواد، أن استفحال هذه الظاهرة يرتبط ارتبطاً كلياً بالاحتلال، فالشرطة الإسرائيلية تتعامل مع هذا الشأن بنوع من اللامبالاة، بمعنى انها لا تقوم بإغلاق الملفات حتى النهاية، هي تقوم ببدء التحقيق ثم تغلق الملف على عدم وجود تهمة أو وجود مشتبهين، وبالتالي تسمح بوجود واستمرار المجرمين خارج إطار المعتقل، ما يولد المزيد من حالات القتل، ولا يُستبعد تحت إطار الجريمة الداخلية والقتل الداخلي أن تكون هناك يد خفية احتلالية، تعبث في طبيعة الأمن، وبطبيعة الحال تقوم هي بالقتل ثم تلقي التهم هنا وهناك، ومثال ذلك، عندما ينشب شجار معلوم بين عائلتين، فتحدث جريمة قتل بين عائلة معينة، وهذا يعني اتهام العائلة الأخرى مباشرة، وهنا لا يستبعد وجود طرف ثالث يلعب دور القاتل، ومن المتوقع أن يكون الاحتلال وهو يتحمل كامل المسؤولية.

ويقول عواد: "هناك ظواهر اجتماعية واقتصادية تؤدي إلى القتل، لكن ارتفاع هذا الرقم المهول مرتبط بالاحتلال، والجريمة موجودة في كل مجتمع، ففي الضفة الغربية عدد القتلى على خلفية المشاكل الاجتماعية الداخلية تجاوز الأربعين حالة في عام 2020، لكن أن يتجاوز عدد القتلى في الداخل الفلسطيني المحتل عام 2020 فقط 114 قتيلا، فهذا مؤشر خطير، نحن نعني أن هذا الرقم هو خمسة أضعاف حالات القتل عند الإسرائيليين، الذين يبلغون من الزيادة السكانية أربعة أضعاف الفلسطينيين، وهذا يؤكد وإن كانت هناك ظواهر اجتماعية، فربما هي تؤدي لنسبة قليلة من القتل، وإن ظلت الجرائم بأعداد مرتفعة، فهي مرتبطة بشكل كلي بالاحتلال، ولا نتجاهل الدور الاحتلالي في زرع قيم غريبة عن مجتمعنا الفلسطيني مثل السماح بانتشار المخدرات الأمر الذي يفاقم من هذه الحالات". 

ولا يُغفل الناشط ضد جرائم القتل الخطيب الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لاستفحال أعداد القتلى في أراضي الداخل المحتل، فقد امتلك الفلسطيني 98% من أراضي الداخل سابقاً واليوم هو لا يملك 2% منها، وأقل ثمن لدونم أرض هامشي في إحدى القرى لا يقل عن 2 مليون شيقل، بمعنى أن العامل الفلسطيني الذي يعمل بمعدل 6 آلاف شيقل شهرياً سيحتاج عشرين سنة من عمره لكي يستطيع شراء نصف دونم، وهذا سبب جملة من الاضطرابات السكنية والمعيشية، فلا يوجد ملاعب أو ساحات للأطفال والأهل كمتنفس، لا توجد مواقف للسيارات، وهذا الضغط الاجتماعي والملاحقة الاقتصادية وضرائب الاحتلال تُرجمت لأشكال أخرى وكانت سبباً أيضاً في ارتفاع معدلات الجريمة.

ولا يمكن أن تمضي جرائم القتل هذه بشكلٍ عابر، فلا تفتأ جريمة تحدث إلا وتتبعها جملة من الآثار النفسية، ويؤكد الخطيب أن المواطن الفلسطيني في الداخل المحتل أصبح يعيش في حالة رعب، همه الأكبر أن يخرج من بيته آمنا ويعود إليه سالما، لذلك فإن مساعي الاحتلال لتجاهل قضايا القتل لا تقتصر على الفتك بالنسيج الاجتماعي وتفتيته، لكنها تتجاوز الحدود لجعل المواطن يتخابر مع الاحتلال أو ينضم للجيش طلباً للأمان، إضافة للضغط على صمود الفلسطيني في الداخل، فعيشه في توترٍ وخوف دائمين يلغي طموحه الاجتماعي والسياسي وتفكيره في قضاياه الوطنية، إنما يعزز فكرة هجرته والخلاص بنفسه وعائلته من جحيم الترقب المستمر لما سيؤول إليه مصيره.

ولكن، هل من الممكن أن تستمر هذه الظاهرة بدون حلولٍ جذرية؟ وكيف من الممكن محاربتها؟ بهذا الصدد يقول الخطيب: "إن مقاطعة هذه الظاهرة تكون فقط بتشكيل مجموعات حراسة تقمع هؤلاء المجرمين، وقوىً ضاربة تشبه تلك التي تم إنشاؤها في الضفة الغربية، في بداية الانتفاضة، وبحالة الاعتداء على أي مواطن، يجب أن تتصدى لهم هذه القوى، ولا يوجد حل آخر، ببساطة لا نقدر الحديث ولا التفاوض مع هؤلاء، لأنهم لا يفهمون إلا لغة القوة، هم قتلة مجرمون في الواقع، وحتى عند عمل المظاهرات السليمة احتجاجاً على القتل، كانوا يتربصون بشباب في مقتبل العمر ويقتلونهم في منتصف التظاهرة".

والخطورة لا تقتصرُ على حدود جرائم القتل وارتفاع أعدادها، وفي هذا السياق يقول عواد إن الأكثر خطورة هو وجود حالة من الثأر في الداخل والأرقام رصدت 300 حالة مشتعلة، واستمرار هذا الموضوع سيؤدي لاقتتالٍ داخلي فلسطيني تستغله حكومة الاحتلال أولاً من ناحية سياسية، وثانياً من ناحية تغيير القناعات، هذا يُبقي جزءا من الفلسطينيين ويدفعهم إلى تبني فكر آخر، وتبني سلوك سياسي معين تدفع ثمنه القضية الفلسطينية بشكل عام.

ويطرح مدير مركز القدس عواد فكرة التقليل التدريجي من هذه المشكلة ومكافحتها، عبر قيام العرب الذين يعملون في المجال السياسي باتخاذ خطوات حقيقية، مثل المقاطعة الكاملة لأي نشاط سياسي، والنزول إلى الشوارع والتجمع فيها وإثارة الكثير من الاعتصامات والإغلاقات، التي من شأنها أن تعرقل اقتصاد دولة الاحتلال، ولا بدّ أن يكون هناك نوعٌ من العقاب الداخلي، بعيداً عن سلطات الاحتلال، فيجب تشديد الإجراءات الداخلية، وربما تكون عملية الردع بالقتل غير ممكنة، ولكن من الممكن العمل على نفي القاتل خارج المدينة أو القرية، ومضاعفة ما يعرف بالغرامات او الدية، الأمر الذي ربما يردع الكثيرين من الذهاب بهذا الاتجاه.

ويرى الخطيب، أن الأحزاب العربية في الداخل لا تملك الأدوات الكافية ولا تمتلك أناسا تدافع وكافية للمساعدة في تقنين هذه الظاهرة، وهي بالأصل لا تستطيع حماية نفسها وقد شهدت الحركات الإسلامية في الكنيست سابقاً قتل قياديين فيها، وعادة المشاكل الدموية تحتاج لجهاز شرطي قانوني يقمع ويضرب بيد من حديد هذه الجماعات، لذلك فالأحزاب العربية داخل الكنيست ليست العنوان للحد من هذا العمل، وأقصى ما يمكن أن تفعله تظاهرة تنظمها ضد جرائم القتل.

وعلى الصعيد ذاته، يؤكد رئيس مركز القدس للدراسات الإسرائيلية أبو عواد، أن فلسطينيي الداخل يتحملون المسؤولية من جانب الأحزاب السياسة، عندما قرروا دخول ساحة النضال من الكنيست، وأرادوا حل المشاكل من خلال المنظومة السياسية العنصرية الصهيونية، وتركوا الشارع والتواصل المباشر مع الجماهير العربية، وهنا تلام لجنة المتابعة العربية، وعلى النشطاء والأحزاب والتجمعات العربية في الداخل العمل على الأرض، وليس عليهم الاعتماد على المؤسسة الصهيونية التي تقتل في الخفاء، وتريد حل المشاكل على العلن، وهذه أحد الأسباب التي جعلت الجريمة أكثر انتشاراً.