الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فلافل طعج… وهكذا حالتنا| بقلم: عبد الله لحلوح

2022-06-08 08:29:34 PM
فلافل طعج… وهكذا حالتنا| بقلم: عبد الله لحلوح
عبد الله لحلوح

أن تحصلَ على رغيف (فلافل طَعِجْ) من عند الأُمْباشي أو أبو الطحنات (فلافل الكراج) في مجمع الكراجات في جِنين، أو من عند ملك الفلافل أو القاعود في الخليل، أو السيوري في رام الله، فهذا أمرٌ جيد جدًا، وقد يصل إلى درجة ممتاز، مع حفظ الألقاب والأنساب، ومع اختلاف الأسعار تبعًا للدولة التي تبيع الفلافل على طريقتها، وليس كلُّ رغيفٍ مطعوجٍ شبيهًا بغيره، فهناك اختلافات لا تُرى بالعين المجردة إلا أنها جوهرية ومهمة جدًا للمستهلك، وقد يدور حوارٌ طويلٌ حول هذا الموضوع، ربما يتطور ليصل إلى مشادَّاتٍ كلامية تتبعها قطيعة رحمٍ، أو خلافات زوجية تنتهي بالطلاق، والسبب كله يعود للفلافل الطعج، فطالما أنه مطعوج، فإنَّه أفضل من الرغيف الكامل المبعوج.

وإذا كان رغيف الفلافل الطَّعج يُحدثُ هذه الضجة، مع أنّه لذيذٌ في حينه، خصوصًا إذا كان ساخنًا، وأكلتَهُ على جوع، كأن تكون قادمًا من محافظةٍ إلى أُخرى على الريق أو على شحمة بطنك. وكلُّنا أصبحنا على الريق نتلقى الأخبار من الوكالات الإخبارية الصفراء، ونُوثِّق إن أُسيءَ فهمُنا، أو شكَّكَ أحدٌ بقدراتِنا التحليلية، أو بصدق أخبارنا، بأنّ المصدر ( قناة كان العبرية) وموقع واللّا والخبير (النفسي الصحي السياسي الاجتماعي الديني الفلسفي في الشؤون الفلسطينية للخبيزة والمجدرة وحتى فلافل الطعج كوهين حسني المحمود بن أبو ناصر جار الحجة تُحفة) الذي يعمل في الصحافة الإسرائيلية، وهي صحافة موثوقة على رأي خبرائنا الأشقياء الذين لا يميزون الغثَّ من السمين. وهو خبيرٌ لا يكلُّ ولا يملُّ، بل إنه يربط ويحلّ، وبيده الأمرُ كله، وما علينا سوى أن نأكل ما يطبخه لنا على مواقد المخابرات الصهيونية، التي لن تطبخ لنا سوى السم الزعاف، ثم نتفاخر بأننا السباقون لابتلاع الطعم، فنبادرُ، أو تبادرُ ما تُسمّي نفسها بالشبكات الإعلامية (الفلسطينية) مع التحفظ الشديد على هذه التسمية إلى الإعلان السريع عن ارتفاع أسعار الخُرْدَة في سوق الجمعة، وإلى الحكم بالإعدام شنقًا بالرصاص، أو قعصًا تحت ضربات السيوف، أو رميًا بحبال المشنقة، مع صورةٍ تعبيرية أُخِذَت لسيدنا نوح وهو يزرع الخردل على الجهة الشمالية من سفينته، ثم نحمل نحن القراء، أو هم الذين لا يقرأون الخبر، وما أسرع أن نكبس على ( شير) مع إرسال لكلّ الخلايا النائمة والصاحية في الماسنجر والواتس والبخّاخات الإلكترونية والسوشلجية وما لفَّ لفيفها، وما فحَّ فحيحها، بمزوّرها وصحيحها. وانتصِرْ بعد ذلك، أو على الأقل اشعُرْ أو تخيَّلْ أنك أبو ذر الغفاري، أو القعقاع، أو نيلسون مانديلا، أو حتى محمد أمزيان، أو بلقاسم النكادي، أو تشي جيفارا، أو محمد الدغباجي، أو مصباح الجربوع، وفكِّر للحظات قليلة بأنّك تتمشّى في الجنة شهيدًا مختلَفٌ عليك في الدنيا بسبب ديانتك.

لا يا صديقي لا، أطفِئ عداد انتصاراتك واحتضر، أو تجهَّز للاحتضار وحيدًا، فكلُّ من راسلتهم، أو نشرتَ ليراسلهم الآخرون سيلعنونك، وسينتظرون موتَك بفارغ الصبر، أو بالصبر الفارغ من الطعم في غير موسمه، ولن تكون أكثر من رقم مرَّ على هذه الفانية وضاع في زحمة الأرقام المكتوبة بخطٍّ رديء، ولن تكون ذا قيمة ولا سيمة، ولن تُقام لك وليمة ولا ( عزيمة). ولن يصل الأمر في نقاش موتك إلى ما وصل إليه رغيف الفلافل الطَّعِج.

إنَّ سهولة شراء الرغيف الطعج والتهامه، والشعور باللذة بعد ذلك، بسبب الانتصار على لعنة الجوع، تشبه إلى حدٍّ كبير شعور اللذة بالانتصار على الفراغ الحقيقي الذي نعيشه، ويعيشه إعلامنا الرسمي وغير الرسمي، إذ يُترَكُ الشعب فوضى لا سراة له، والشارعُ يترقَّبُ وينتظر، ويتخنَّسُ ويتحسَّسُ ويتعسَّسُ، ويحاول التقاط خبرٍ ما من أي دكان يبيع إعلامًا، فلا يجدُ ضالته، فترتفعُ أسعار البندورة والفجل وأوراق التواليت في العالم وهو لا يعلم، تخيَّل يا رعاك الله! كل هذا يجري في الموزمبيق وفي حارة الضبع، وأبناء حارة أم شعبان لا يعلمون، مع أنَّ الفتّاحة كثيرًا ما أصابت في استخراج (العَمَل) من جذعِ زيتونةٍ رومانيةٍ نسيَ قطّاعُ الطرقِ اجتثاثها ليزرعوها في دولتهم الفتيّة. الأمر بحاجة إلى دراسة، وإعادة نظر في كل ذلك.

ولو سألتني بعد هذا: ما موضوع مقالك أيها الكاتب الفذ؟ لقلتُ لك: إنني أولًا لستُ بكاتبٍ، ولا بِفذّ، وإنما أنا مثلكم، أُحبُّ الفلافلَ الطَّعِج، وأختلفُ مثلكم عليه، وعلى سعره، وأقرأ الأخبارَ من صفحاتٍ كثيرة، وأحيانًا أُشاركها دون تمحيص. ولكنني كثيرًا ما أحلم، وأنام قليلًا. أما بالنسبة لموضوع المقال، فلا مقال أصلًا حتى يكون له موضوع، وكل ما في الأمر أنني رأيتُ منامًا مزعجًا، وكانت الدنيا كلها على شكلِ رغيفٍ ساخن، وضَعَ فيه الفلافِلْجيُّ حبَّتَيْن تُبَقْبِشان من صاجٍ هَرِمٍ ذي زيتٍ مُكرَّر، ثمَّ طعجَ الرغيف، وقال: "مُطْرَحْ ما يِسْري يِهْري" فأكلْناهُ هريئًا مقيئًا، ولم ندفع له بقشيشًا ولا برطيلًا. فانبسَطْنا لُحَيظاتٍ، لكنني صحوتُ من النوم أتقيَّأ، وذهبت لذّة الطَّعِج، ولم أقل لأحدٍ: صباح الخير يا عرب.