الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"استبطان الخوف كعادة !"

2023-03-02 08:38:19 AM

الحدث الثقافي- آراء ومدونات

بعد حالة الخوف والهلع التي عاشها ملايين المواطنين العرب بفعل زلزال تركيا، اخترنا مقتطفاً من بحث بعنوان "استبطان الخوف كعادة !" لأمين الجمعية العربية لعلم الاجتماع محمد نعيم فرحات لنشره في زاوية "آراء ومدونات". وهذا المقتطف هو من ورقة كانت قد قدمت لمؤتمر جامعة فيلادلفيا الدولي الحادي عشر حول" ثقافة الخوف " في عام 2011.

وجاء المقتطف على النحو التالي:

سيظل الخوف في حقيقته وكيفية عيش البشر أو فهمهم له أو إحساسهم به، أوسع من أي تعريف نظري يمكن الإشارة له أو التوصل إليه، طالما كان المفهوم انتقائيا في جوهره، وإن مجموع المفاهيم وبالتالي الانتقاءات لن تعادل أبداً جملة الواقع...

إن هذا التمشِ في رؤية الخوف لا ينطلق من الإعتراف به كجزء من الفطرة فقط، بل يرغب في الإشارة إليه كعنصر مهم في سياقات المسار الإنساني وأحداثه التكوينية الدالة. وهو تمشٍ يرى الخوف أيضاً كصيرورة عظمى في تاريخ الوجود والناس.

فرحات نعيم

صيرورة امتلكت قدرات جبارة على إعادة تجديد وتشكيل نفسها، وفي هذا المستوى المبكر يمكن المجازفة بالقول، إن الخوف هو واحدة من أعتى عادات الناس حضوراً (بالمعنى النسبي طبعاً). كما أن الخوف بنية فاضت وأنتجت نقيضها بدليل حجم حضورها في تحريك التاريخ نحو الاستسلام للخوف أو مجابهته ومقاومته والخروج على إكراهاته والتمرد عليه. وهنا يتعين الإشارة إلى أهمية مقاربة الخوف كبنية تحمل نقيضها بدليل التاريخ والأمثلة التي يقدمها في هذا الخصوص.

وبالمعنى السوسيولوجي فإن الخوف ظاهرة إنسانية وثقافية وإجتماعية وتاريخية أساسية. وهنا يمكن استنتاج الأبعاد الكبرى المُشكلة لهذه الظاهرة: النفسي والثقافي والاجتماعي وما يترتب عن تفاعلها من اشتباكات ومشاركات مع أبعاد وعناصر أخرى، أو توليده لأوضاع وبنيات، أو المساهمة في ذلك .وما يفضي إليه من آثار وتداعيات ووظائف وتوظيفا، يمس ويشمل كل المستويات : من النفسي حتى الوجودي.

 ثمة اختلاف رهيف ودال بين الخوف من جهة ومفردات مثل التخوف والتحسب من جهة أخرى

وإذا كان الخوف ووجوده ومعانيه وأبعاده الأنفة أمراً لا يحتاج إلى تدليل، فإن فهم وتفسير السياقات والأبنية التي تصون الخوف وتُنميه وتنتجه في حياة الناس أو تعقلنه أو تحوله إلى نقيضه، هي التي تملي جهوداً نظرية ومنهجية لفهم ما يثيره الموضوع من مسائل وإشكاليات وتساؤلات ومحاولات لتفسيره. أي، إن الأمر يتطلب هنا ربط الخوف كحالة وظاهرة بالبنية التي أنتجته وصعدته وحولته إلى فكرة وممارسات لها آليات ومؤسسات وأرغمت الناس (الذين ينطوون على انقياد بطبعهم مثلما ينطون على التمرد ايضا) على التعايش مع الخوف والعيش به وإستبطانه وتحويله إلى عادة (ودائماً) بالمعنى النسبي.

ولكن قبل الدخول إلى هذا المستوى من التطرق، يتعين الإشارة بصورة مشددة إلى ثلاثة أمور، الأول: إن رؤية الخوف هنا لا تغفل أو تتجاوز بأي حال أبعاده ووظائفه الايجابية والأدوار العظيمة التي يؤديها في التاريخ جنباً إلى جنب مع أبعاده ووظائفه ومعانيه وأدواره السلبية والمروعة. وإن أي تطرق حقيقي للخوف يجب أن يأخذه ببعديه معاً.

والثاني : ثمة اختلاف رهيف ودال بين الخوف من جهة ومفردات مثل التخوف والتحسب من جهة أخرى. إن هذه الفروق مهمة سواء على صعيد المعنى أو الوظيفة، ورغم اشتراك التخوف والتحسب وغيرها مع الخوف في مساحات مهمة، إلا أن أخذ هذه الفروق بعين الاعتبار مسألة تستوجب الانتباه.

أما الأمر الثالث : فيرتبط بأهمية استحضار العنصر الأكثر أهمية في تعريف الخوف، والمقصود هنا بالضبط "الشجاعة" باعتبارها نقيض الخوف أو يمكن الاتفاق على أنها كذلك....

المصدر: محمد نعيم فرحات" استبطان الخوف كعادة ! "