الخميس  25 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عن خلية كوبر ولقاء الأخوة مراد وأصيل البرغوثي

2023-06-06 09:03:40 AM
عن خلية كوبر ولقاء الأخوة مراد وأصيل البرغوثي

 

أصيل البرغوثي: "لم أعرف أخي إلا من روايات الناس والمكالمات الهاتفية وخلف زجاج غرف الزيارة"

 

الحدث – إبراهيم الزهيري

" محبوس على قتل جنود.. أنا ما قتلتش في تل أبيب أنا قتلت الجندي اللي وقّف إمي وسبّ عليها"، بهذه الكلمات رد الأسير مراد البرغوثي المحكوم بالسجن لـ ٩ مؤبدات وخمسين عاما، على مذيع القناة العبرية عند سؤاله عن سبب تواجده في المعتقل.

ولد مراد وليد البرغوثي في قرية كوبر شمال غرب مدينة رام الله، وعاش طفولته رفقة ذويه في مخيم اليرموك حيث كان والده طبيبا ومدربا عسكريا في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

أسس خلية كوبر المسلحة عام 2000 بالتعاون مع جاسر البرغوثي (أحد أهم مسؤولي كتائب القسام في الضفة الغربية) وقاد مجموعات كل من خلية كوبر، سلواد والمزرعة الغربية.

شغل مراد مهمة التنسيق بين الخلايا الثلاث المتعارف عليها باسم مجموعات عادل وعماد عوض الله، واعتقل بتاريخ 20/12/2003 بتهمة المشاركة في تنفيذ عدة عمليات عسكرية أدت إلى مقتل وإصابة ما يزيد عن 20 جنديا، وكانت أبرز تلك العمليات، عملية عين يبرود ودورا القرع وسردا. وأصدرت محكمة الاحتلال بحقه حكماً بالسجن لـ٩مؤبدات و50 عاما.

نشطت الخلايا تزامنا مع اندلاع أحداث الانتفاضة الثانية بعد اقتحام الصهيوني أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى، ونفذت 16 عملية مسلحة في أكثر من موقع داخل محافظة رام الله والبيرة والتي استهدفت خلالها جنود جيش الاحتلال وحواجزه العسكرية، بالإضافة إلى سيارات المستوطنين على الشوارع الالتفافية.

وتتشكل خلية كوبر البطولية من خمسة أفراد وهم: جاسر ومراد البرغوثي من قرية كوبر، ياسين ربيع من بلدة المزرعة الغربية، زياد الصوص من قرية أبو شخيدم، يونس مساعيد من محافظة طوباس.

كان حاجز سردا هو أحد أهم الأسباب التي دفعت مراد رفقة جاسر وباقي أعضاء الخلية لتوجيه الضربات تجاه الحواجز الإسرائيلية.

 يقول أصيل البرغوثي (شقيق مراد الأصغر) في لقاء خاص مع صحيفة الحدث،  إن استهداف الحواجز بدأ بإهانة أحد الجنود المتواجدين على سردا والدته أمام أعين مراد، حيث بصق الجندي على والدته أمامه، فما كان من مراد إلا أن رد على الجندي بقوله "أنت تفيت على إمي فاحفظ وجهي لأني راجع لك في أحد الأيام".

عادت الخلية عشية ذلك اليوم بتاريخ ١فبراير لعام ٢٠٠١ وتمت تصفية ٣ جنود متواجدين في الموقع على رأسهم الجندي المعتدي والذي حاول أن يلوذ بالفرار إلا أن مراد أطلق النار عليه على الفور فقتله واغتنم سلاحه، ونتيجة لتلك العملية قام الاحتلال بإزالة الحاجز الموجود في تلك المنطقة.

وتعد عملية عين يبرود التي وقعت في ١٩ أكتوبر لعام ٢٠٠٣ أحد أبرز عمليات المجموعة، حيث أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة الرابع إصابة أفضت إلى شلله، واغتنمت المجموعة ثلاث بنادق من عيار m16، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجموعة كانت أولى الخلايا التي تقوم بمداهمة الحواجز العسكرية.

الشاب المثلم

حرصت الخلية على إجراءات السلامة الأمنية مما منحها عمرا طويلا في العمل دون أن يكشفها الاحتلال، والتزمت في عملياتها باختيار توقيت مناسب للتنفيذ مثل انتشار الضباب أو حلول الليل واختيار مكان مناسب للتمركز بحيث يسمح الموقع بالانسحاب الآمن، كما أنهم تجنبوا الإعلان عن مسؤوليتهم عن العمليات أو تبنيها، واستخدموا تكتيكات حذرة في التواصل حيث أفرزت الخلايا الثلاث (كوبر سلواد المزرعة) من ينوب عنها في التواصل مع قائدها ومنسقها،

فوقع الاختيار على مراد ليشغل وظيفة "الملثم" وهو الفرد مجهول الهوية الذي يقوم بالتنسيق بين الخلايا الثلاث

إذ أن البرغوثي هو أحد أعضاء الخلية الأولى وشريك في التأسيس.

تقول أم مراد بأنها لم تشك للحظة واحدة أن ابنها كان من المشاركين في العمليات البطولية، حيث إن مراد كان يتفاعل ببهجة ودهشة مع نشرات الأخبار التي تبث أنباء العمليات ومقتل الجنود، وتتابع أنه بعد تنفيذ إحدى العمليات عاد مراد للمنزل فوجد ذويه يشاهدون نشرة للأخبار تبث خبر العملية فما كان منه إلا أن أثنى على المنفذين رفقة ذويه.

رحلة إلى الجنوب

وقع اختيار كتائب القسام في الضفة الغربية على مراد للذهاب لجمهورية لبنان العربية والتدرب لدى قوات حزب الله، كونه يمتلك سجلا نظيفا لدى الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى صفاته الشخصية التي كانت تتناسب مع تلك المهمة.

يصف أصيل عبور أخيه للحدود بالمجازفة الكبيرة، إذ أن مراد سافر إلى الأردن ليتم تهريبه برا عبر الحدود الأردنية بواسطة راعي أغنام. ويتابع أصيل: دخل مراد الحدود اللبنانية بين الأغنام ليتمكن من الوصول إلى هدفه وهو الوصول إلى مقرات تدريب حزب الله.

تدرب مراد عند حزب الله على رسم وتشكيل الخطط للعمليات الفدائية لمدة تقارب الشهر، وكان قد أبلغ أسرته بأنه ذاهب لمدينة بيت لحم للعمل هناك، حيث أن مراد عمل كفني كهربائي ولم يكن لدى عائلته أدنى فكرة عن العمل الوطني المنخرط فيه، أنهى الملثم تدريبه عند حزب الله وتم تمويله بواسطتهم بمبلغ نقدي لدعم الخلية عبر شراء المزيد من الذخيرة والسلاح والقنابل.

يكمل أصيل حديثه: في طريق العودة إلى فلسطين تحديدا على معبر اللنبي الحدودي (الجسر) قام جندي من قوات الاحتلال بإيقاف مراد وتفتيش أمتعته، وعند سؤاله عن مصدر النقود التي يحملها في حقيبته ظهرت براعة مراد وحنكته وأثبت جدارته بالمهمة التي أوكلت إليه، فكان رد مراد على الجندي: "اتصل في الضابط المسؤول عنك بدي أخليه ينقلك من هان" فاعتذر الجندي بعد نقاش لم يدم طويلا وسمح لمراد بالعبور! 

عند عودة مراد باشرت الخلايا بالعمل فركزت على الشوارع الالتفافية، التي اعتقد الاحتلال أن شقها سيمنع تحول المستوطنين إلى هدف للمقاومة، وضربت الخلايا في العمق العسكري الأمني لقوات الاحتلال، وقد أدّت العمليات كما يروي كتاب (صفحات العز) الذي كتب داخل معتقلات المحتل، إلى استنزاف الاحتلال وإجباره على مضاعفة أعداد قواته في الضفة.

ثمرة جوافة تؤجل عملية فدائية

يقول أصيل ضاحكا: تم تأجيل واحدة من العمليات لأن مراد أراد أن يأكل الفاكهة المفضلة لديه وهي "الجوافة" خشية أن يستشهد في تلك الليلة، ولم يقم بالانصياع لأمر التنفيذ عن مسافة صفر دون أن يحقق طلبه، ورفض وعد قائد المجموعة الذي حاول إقناعه بشراء الجوافة بعد التنفيذ، وأصر على قراره وكان له ما أراد، حيث قام جاسر بتأجيل العملية حتى يتسنى لمراد أكل الجوافة!

 

كيف كشف غطاء الخلية؟

على الرغم من التزم أفراد الخلايا بلبس اللثام أثناء تنفيذ العمليات والحرص على مسح السلاح، والاهتمام بتغيير معالم السيارات المستخدمة عبر وضع أسطوانات على إطاراتها أو إزالتها وتعتيم زجاجها، والحرص على أن ألا تكون من النوع النادر في المنطقة، وتغيير الملابس وتعطير الأيدي، إلا أن الخلية كُشفت في النهاية.

بعد عملية المغير نسي أحد أفراد الخلية مخزنا للذخيرة يحمل بصماته في الموقع، وعن طريق البصمات تبين للاحتلال بأن صاحبها هو أسير سابق. وفي التفاصيل، أوضح أصيل بأن الاحتلال يأخذ بصمات وعينة من اللعاب والحمض النووي والدم لكل أسير مستجد.

وأضاف: صاحب البصمات كان يعاني من مرض (الديسك) وكان على اتفاق مسبق مع رفاقه في الخلية إنه في حال تعرض للاعتقال؛ على باقي الأعضاء اعتبار أنفسهم مطاردين تلقائيا، لأنه لن يصمد أمام التحقيق العسكري.

قامت قوات الاحتلال بالتعرف عليه ومداهمة منزله وتعرض لتحقيق عسكري ميداني واعترف بأسماء أفراد الخلية تحت سطوة الضرب المبرح، واعتقل باقي أعضاء الخلية من منازلهم في ذات الليلة وذلك في أواخر تشرين الأول لعام ٢٠٠٣.

وكانت زوجة مراد حاملا في شهرها الثالث في ذلك الحين، وبعد تحقيق دام ٤٥ يوما اعترف أعضاء الخلية بالتهم المنسوبة إليهم، فقامت قوات الاحتلال بهدم منزل كل من مراد وجاسر البرغوثي، ولم يعرف مراد ابنه (عبادة) إلا من خلف الزجاج.

لقاء الأخوة

"لم أعرف أخي إلا من روايات الناس والمكالمات الهاتفية وخلف زجاج غرف الزيارة، وبعد صدور الهوية تم رفضي مباشرة"

يقول أصيل: اعتقل أخي وأنا أبلغ من العمر ٥ سنوات لا أذكره في طفولتي كثيرا لكنه كان يحدثني عبر الهاتف بشكل يومي تقريبا. ويتابع أصيل: "عمل لي دفتر عليه جدول مع تواريخ عشان يتأكد إني بصلي يوميا" وفي كل آخر شهر كان يرسل إليّ الهدايا".

سجن أصيل في عمر الـ١٨ تبعا لأحداث كوبر عام ٢٠١٧ بعد مطاردة دامت ٤٠ يوما، لم يكن أصيل ينتمي لأي لون سياسي لكنه اختار أن يسجن في أقسام حماس بهدف اللقاء مع أخيه فلا وسيلة أخرى لذلك، "كنت أشعر برهبة كبيرة من هذا اللقاء فقد كان مراد جديا جدا خلال مكالماتنا الهاتفية".

تم التحقيق مع أصيل في المسكوبية ثم نقل إلى سجن عوفر، وبعد شهر من تواجده هناك طلب أصيل أن ينقل إلى معتقل "ريمون" حيث يتواجد مراد.

صدر قرار النقل بعد يومين من تقديمه، يقول أصيل: وأنا في طريقي لريمون كاد قلبي ينفجر سأرى مراد أخيرا!

ويتابع وصلت ريمون في تمام الساعة ١٢ ظهرا، دخلت القسم في ساعة "الفورة" كان الأسرى يقيمون صلاة الظهر في ساحة القسم، كنت في حالة أشبه بالهستيريا، أذكر أنني صليت الظهر رفقة الأسرى دون وضوء!

وكما جرت العادة اصطف الأسرى للترحيب بي كأي أسير جديد في القسم، سألني أحد الأسرى عند مصافحته لي ودار بيننا الحوار التالي:

- من أنت؟

- فما كان مني إلا أن أجيب: مراد هان؟

-شو اسمك؟

-مراد البرغوثي هان؟

كان جوابي على أي سؤال وجه لي، مراد هان؟

ويكمل، لم يدر في ذهني حينها سوى مراد، كان عقلي فارغا تماما إلا من صورة لقائي الأول به.

جاءني أحد الأسرى صافحني وقال: أنت أخو مراد؟ 

ما إن انتهيت من مصافحتي له، حتى نظرت إلى الخلف فإذا بمراد يقف أمامي، على مرأى ١٢٠ أسيرا في الساحة، حضنني بقوة وبدأنا بالبكاء كالأطفال.

ويختم أصيل: سجنت مع أخي لمدة ١٠ شهور، تحدثنا كثيرا لم يترك شخص ولا شارع في كوبر إلا وسأل عنه، سجن مراد بعمر الثلاثين عاما والتقينا وهو في سن ال٤٥، شعرت بأنه يرغب في تعويض كل تلك الأعوام تحدثنا عن الحارة والناس والأوضاع خارج أسوار المعتقل.

أما عن أصعب موقف تعرضت له كان موقف وداعي لأخي، ودعته وأغلق الباب ولم أشاهده حتى اعتقلت للمرة الثانية.