الإثنين  02 كانون الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حروب ونجوم/ بقلم: نبيل عمرو

2023-11-14 06:06:04 PM
حروب ونجوم/ بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

قبل حزيران 67 وأثناءها؛ سطع نجم الإذاعي أحمد سعيد مدير إذاعة صوت العرب، والمعلّق الذي كان ينتظره الناس حيثما وصل إرسال الإذاعة المصرية الأشهر في زمانها.

وقد اقترنت نجومية أحمد سعيد بنجومية جمال عبد الناصر، وما شد الجمهور الواسع إليه، هو أسلوبه المميز في الإلقاء، والمفردات السليطة التي كانت تتضمنها هجوماته القوية على من كان يختلف مع عبد الناصر من الزعماء العرب. وإلى جانب تعليقه شبه اليومي، كان يقدم مع زميل له "محمد عروق" برنامجا مثيرا عنوانه أكاذيب تكشفها حقائق.

ظل نجم أحمد سعيد صاعداً حتى اليوم الأول الذي أعلنت فيه الهزيمة، إذ تم الاستغناء عن خدماته، وإلغاء برنامجه وإيداع جميع أغنيات الحرب في الأرشيف، إثر قرار صارم اتخذته القيادة المصرية بإزالة آثار العدوان ومن ضمنها الأناشيد والأغنيات.

ولقد تم استيعاب درس أحمد سعيد. ظهر ذلك في حرب أكتوبر التي تواضع فيها المذيعون لغة ونبرة وإلقاء، وتواضعت فيها الأغنيات كلمات وألحاناً، وغاب التضليل الذي مورس في حرب حزيران مثل إسقاط مئات الطائرات الإسرائيلية على الجبهات الثلاث.

صدقية إعلام أكتوبر توفرت من خلال نقل ما كان يحدث في المعارك على حقيقته، مدعماً بالإنجاز المبهر الذي حققه الجيش المصري باقتحامه أقوى خط دفاع حصين في العالم "بارليف" وأسر عدد من جنود وضباط الجيش الإسرائيلي، وما زال في الذاكرة اسم العقيد عساف ياغوري الذي أسر وتكررت صورته على الشاشات وهو في حالة استسلام.

لم يتكرس في أكتوبر 73 نجم إعلامي على غرار أحمد سعيد، إذ كانت النجومية في تلك الحرب، للرئيس أنور السادات.

وفي حرب الخليج الثانية سطع نجمان على جانبي الحرب، بيتر آرنت الذي يعتبر أهم معلق عسكري في العالم، ولقد استفاد من ميزة لم يحصل عليها غيره أثناء تلك الحرب وهي انفراده بالتغطية، وإجراء مقابلة مع صدام حسين.

 كان النجم الأوحد الذي تهافتت الشاشات والمنابر على التقاط رسائله حتى تكرس كأحد المصادر الأساسية للأخبار وتحليلها.

أما محطة CNN  التي بدت كما لو أنها أسست من أجل تغطية الحرب فكانت الأكثر نجومية من بين كل القنوات.

في حرب الخليج الثانية سطع نجم محمد سعيد الصحاف، كان الجمهور ينتظره بشغف ويستمتعون بتصريحاته ويحفظون مصطلحاته الخاصة وأشهرها وصفه لقوات التحالف الدولي "بالعلوج".

وقيل إن الرئيس بوش كان يقطع اجتماعاته لمشاهدته والاستماع إليه، ظنا منه أن الرجل يقدم وصلة كوميدية.

غاب الصحاف عن الشاشات، لم يعتقل مثل غيره من رجالات صدام، إذ تبين أنه كان يؤلف حرباً من خياله، وكل ما كان يقوله بطريقته المثيرة لم يكن حقيقياً. لقد دافع عن نفسه وعن دوره بالقول، "كنت أتلقى المعلومات والتوجيهات من قيادتي" فإن كان في الأمر كذبا وتضليلاً فهي المسؤولة عنه.

مضت السنون وسطعت نجوم لأيام أو أسابيع أو شهور إلا أنها سرعان ما كانت تخبو وتتلاشى مع انتهاء الحروب.

إلى أن جاء الزمن الذي سطع فيه نجم السيد حسن نصر الله، كان أمين عام حزب الله الذي هو أعلى منصب سياسي قياديا مقررا في حزبه، إعلامياً من طراز مختلف، كان نمطاً جديداً من النجوم الذين احتلوا الشاشات، زمن استبدادها بالعقل والمخيلة والعاطفة، لم يسبق أن شوهد مثله من قبل، بعمامته السوداء، ولحيته الكثيفة ولكن المشذبة بعناية، وبلاغته في اللغة، وحرصه على أن يوفر صدقية عملية لكل ما يقول، وما زالت واقعة تدمير البارجة الإسرائيلية قبالة الساحل اللبناني عالقة في الأذهان، إذ لم يحدث من قبل أن واكب زعيم سياسي مسار الصاروخ الذي انطلق من عنده لينفجر في البارجة.

وحسن نصر الله إن اختلفت معه فليس بمقدورك أن تنتقص من فاعليته الإعلامية، أداؤه المهني يسجل له أمّا تحالفه وتابعيته فتسجل عليه.

فالرجل وإن كان قريباً من القداسة عند أتباعه ومريديه فهو الخصم المكروه جداً عند جميع من يخالف زعامته ويخالف تحالفه، وإذا كانت إيران أحد مصادر قوته ونفوذه، فهي في الوقت ذاته عبء عليه، ومهما بلغ من براعة لغوية وبلاغية، إلا أنه لم يجد بعد ما يقنع به غالبية اللبنانيين بأنه ليس المسؤول عن مأساتهم، فالقوم منقسمون عليه إمّا بطل، وإما مدمر..

في زمن نجومية حسن نصر الله، اقتحم الشاشات شاب في مقتبل العمر يظهر بقناع يضفي جدية على ما يقول، ينتظره الشباب حيثما وصلت الشاشات في كل بقعة من بقاع العالم، وتترجم أقواله كمصادر إخبارية يعتد بها.

إنه أبو عبيدة.. اسم مستعار من التاريخ "أبو عبيدة عامر بن الجراح" أحد أبطال التاريخ الإسلامي وفتوحاته المظفرة، يتمتع بميزة لم يتمتع بها غيره من الناطقين باسم الحرب، فهو يتحدث من قلبها، وما يوحي بأنه يخرج إلى الكاميرات من غرفة العمليات.

هو المفضل عند الناس من بين كل الناطقين بكل اللغات، لا يقدم معلومات كثيرة، لأن الذين ينتظرون إطلالته يريدون رؤيته فقط، فظهوره يعني أن زملاءه المقاتلين بخير.

قليلون غيره رفعت صورهم كرموز وألّفت هتافات باسمهم، حتى صار ظهورهم أو اختفاؤهم هو المؤشر المعتمد على مجريات الحرب. ولو أجري استطلاع لتحديد شعبية رجال الحرب والسياسة، لكان من المتفوقين وباكتساح على من هم أعلى مرتبة منه بكثير، كالرئيس والأمين العام، والمكتب السياسي الخ، فهو أقرب إلى الأسماء المتداولة بقوة مثل الضيف والسنوار.

مصر مفاعل نشط ودائم لإنتاج النجوم، زمن الربيع العربي سطع نجم باسم يوسف الذي قدم برنامجا استقطب من حلقته الأولى أكبر عدد من المشاهدين في مصر والعالم العربي.

نجاح البرنامج اعتمد على موهبة صاحبه الذي أجاد توظيف لغة الجسد مع الكلام، ومزج الكوميديا مع الجدية..

الأداء كوميدي والموضوع جدي، كان المسرح الكوميدي ونجومه ومؤلفوه يعالجون القضايا السياسية والاجتماعية، بقالب كوميدي لكثرة تناوله أضحى تقليدياً، أمّا باسم يوسف فقد قدم عملا مختلفا لم يسبق أن قدمه غيره، كان بين البرنامج التلفزيوني والمسرح.

نجح "البرنامج" وهذا كان اسمه إلى جانب موهبة مقدمه، من خلال جيش من المعدين الذين عملوا معه، كانوا يلتقطون هموم الجمهور، ليقدموها بطريقة جذابة، وكان الجمهور المتواجد في المسرح يبدو كما لو أنه جزء مساعد لباسم بتفاعله المتحمس للفكرة وللقالب الكوميدي الذي قيلت فيه.

 وبعد نجاحه الساحق وفي أوج تألقه أوقف البرنامج وخرج باسم من مصر ومن يخرج من مصر يكاد ينسى، إلا أنه فاجأ العالم بحضور قوي ومدوٍ أثناء حرب غزة، فاكتسح التلفزيون وحاز على الرقم القياسي في المشاهدة، ما أثبت أن باسم يوسف موهوب بصورة استثنائية، فهو مصري وعربي، مثقف وسياسي لمّاح، يعرف من أين يبدأ وكيف ومتى يتوقف، ومثلما أحدث انقلابا في الرأي العام المصري من خلال برنامجه البرنامج، أحدث تحولا في الرأي العام الأمريكي والغربي. إنه بحق ظاهرة إعلامية ملفتة مميزة متفردة.