الحدث الاقتصادي
أوقفت شركات أسمدة مصرية عدة، أمس الجمعة، عملياتها الإنتاجية بعد انخفاض حاد في واردات الغاز الطبيعي من "إسرائيل"، في تطور لافت يعكس حجم التداخل بين الأزمات الجيوسياسية وسوق الطاقة في المنطقة، بحسب ما أفادت به مصادر لوكالة رويترز.
هذا التراجع في الإمدادات يأتي في أعقاب إغلاق "إسرائيل" لعدد من حقول الغاز الحيوية، على خلفية التوترات المتصاعدة مع إيران، في أعقاب الضربة الجوية التي شنّتها "إسرائيل" على أهداف داخل الأراضي الإيرانية.
وقد أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية عن وقف تشغيل حقل "ليفياثان"، أكبر حقل غاز في "إسرائيل"، كإجراء احترازي تحسباً لأي رد عسكري إيراني محتمل. كذلك أفاد محللون بأن حقل "كاريش"، الذي تديره شركة "إنرجيان"، قد توقّف أيضاً عن الإنتاج، في حين لا يزال حقل "تمار" يعمل حالياً، وإن كان ذلك بوتيرة منخفضة وسط مراقبة أمنية مشددة.
ضغوط على الصناعات المحلية في مصر
أدّى هذا الانقطاع الجزئي إلى تراجع فوري في إمدادات الغاز إلى مصر، ما انعكس مباشرة على بعض الصناعات التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي، وفي مقدّمتها مصانع الأسمدة. وأكدت المصادر أن وزارة البترول المصرية لم تصدر حتى الآن جدولاً زمنياً واضحاً لعودة الإمدادات، مما يثير مخاوف من حدوث مزيد من التعطيل في سلاسل الإنتاج. ورغم عدم صدور رد رسمي من وزارة البترول، إلا أن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد قال إن الحكومة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وتعمل على تعزيز مخزونها الاستراتيجي من السلع الأساسية والوقود.
اعتماد متزايد على الغاز الإسرائيلي
ومنذ تراجع إنتاج الغاز المحلي في مصر عام 2022، أصبحت القاهرة تعتمد بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي لتغطية جزء من حاجاتها المحلية، وخصوصاً في قطاع الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة. وتشير بيانات "مبادرة بيانات المنظمات المشتركة" (جودي) إلى أن واردات الغاز من "إسرائيل" تمثل بين 40% و60% من إجمالي واردات مصر من الغاز، وتُشكل ما بين 15% إلى 20% من استهلاكها المحلي.
وفي محاولة لتأمين بدائل على المدى المتوسط، أعلنت الحكومة المصرية هذا الأسبوع عن توقيع عدد من الاتفاقيات مع شركات طاقة وتجارة عالمية لاستيراد ما لا يقل عن 150 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، في أكبر صفقة من نوعها في تاريخ مصر. وبحسب تقديرات أولية، فإن هذه الصفقة ستُكلّف الدولة أكثر من 8 مليارات دولار بالأسعار الحالية.
مخاوف على المدى القريب
الخبراء يحذرون من أن استمرار الأزمة في "إسرائيل" قد يفاقم أزمة الطاقة في مصر، خاصةً إذا ما امتدت التهديدات إلى منشآت الغاز البحرية أو تعطلت حركة التصدير بشكل كلي. كما قد تضعف هذه التطورات قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها التصديرية من الغاز إلى أوروبا، والتي تشكّل مصدر دخل استراتيجي للخزينة المصرية في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة.
وتأتي هذه المستجدات في وقت تعاني فيه مصر أصلاً من أزمة عملة وارتفاع كبير في تكاليف الواردات، ما قد يضاعف الأعباء على الحكومة، ويزيد من احتمالات التضخم وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والسلع الأساسية المرتبطة بسلاسل الإمداد التي تعتمد على الطاقة.