الثلاثاء  07 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شباب "جيل زد" يعيدون تعريف النضال السياسي في المغرب

2025-10-05 08:06:26 AM
شباب
من تظاهرات "جيل زد" في الرباط

الحدث العربي والدولي

بعد مرور ما يزيد عن أسبوع على انطلاقها، تُثبت حركة "جيل زد 212" الشبابية في المغرب أنها ليست مجرد موجة غضب عابرة، بل حركة اجتماعية وسياسية متصاعدة تعيد تشكيل أدوات الاحتجاج التقليدية. فمنذ بدء الاحتجاجات في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، اكتسب الحراك زخمًا متزايدًا، متجاوزًا العاصمة الرباط ليمتد إلى معظم المدن الكبرى في البلاد، من الدار البيضاء ومراكش وأغادير إلى طنجة ووجدة. على الرغم من وقوع أحداث عنف وشغب، سقط خلالها ثلاثة قتلى وعشرات المصابين ومئات المعتقلين، يصر الآلاف من الشباب على المضي قدمًا في حراكهم المطالب بالتغيير.

بات المطلب الرئيسي لهؤلاء الشباب واضحًا وموحدًا: رحيل حكومة عزيز أخنوش. وتتصاعد مع هذا المطلب شعارات قوية تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتحسين الأوضاع في قطاعي الصحة والتعليم، ومواجهة غلاء المعيشة، ومحاربة الفساد، والإفراج عن المحتجين المعتقلين.

الاحتجاج اللامركزي: من الرباط إلى جميع المدن الكبرى

ما يُميز هذا الحراك هو سرعة انتشاره وعمق جذوره في الوعي الشبابي. لم تعد المظاهرات تقتصر على منطقة جغرافية واحدة، بل تحولت إلى ظاهرة وطنية شاملة. هذه التعبئة الواسعة تُظهر حجم الغضب الاجتماعي المتراكم وحالة الإحباط التي يعيشها الشباب المغربي، الذي يمثل حوالي 26% من السكان وتتراوح أعمارهم بين 13 و 28 سنة.

وفي خطوة لافتة تعكس نضجًا تنظيميًا متزايدًا، بدأت الحركة تدعو إلى مزيد من الانضباط، حيث دعت مؤخرًا إلى "التحلي بالانضباط والمسؤولية حفاظاً على سلمية تحركاتنا"، والالتزام بالأماكن المعلنة للاحتجاج. هذا التطور يُشير إلى تحول الحركة من تفاعل عفوي إلى كيان أكثر تنظيمًا ووعيًا بأهمية الحفاظ على سلمية الحراك.

"ديسكورد" ساحة المعركة الجديدة: جيل يقود بلا قائد

السمة الأبرز لحركة "جيل زد 212" هي غياب القيادة العلنية والتنظيم الهرمي التقليدي. فالقيادة هنا لا تنبثق من حزب أو نقابة، بل من الفضاء الرقمي. يُعد تطبيق "ديسكورد" السلاح التعبوي والنضالي الرئيسي للحركة، حيث يتحول إلى غرفة عمليات يومية للنقاش واتخاذ القرارات.

يشرح رضا الساسي، العضو في مجموعة "جيل زد"، آليات عمل الحركة، قائلًا: "نجتمع على منصة ديسكورد كل ليلة لتبادل الأفكار حول القضايا والمستجدات. كل المواضيع مطروحة للنقاش، لا توجد حدود عندنا". ويُضيف أن الحركة تعتمد على التصويت الديمقراطي والمشاركة التشاركية لاتخاذ القرارات بأغلبية الأصوات، مما يضمن التزام الجميع بالقرارات المتخذة. هذه المنهجية اللامركزية والشفافة تُمثل نموذجًا جديدًا للنضال السياسي، يتميز بالسرعة والمرونة والاستجابة العالية.

رفض الأحزاب والوسطاء التقليديين: ثورة ضد "الانتهازية"

من أبرز ملامح فكر "جيل زد" هو الرفض القاطع للأحزاب والنقابات ومؤسسات الوساطة التقليدية بمختلف تلويناتها. يرى الشباب أن هذه المؤسسات "عاجزة عن التعبير عن تطلعات الشباب المغربي" وأصبحت غطاءً "للانتهازيين والمنتفعين".

يؤكد الساسي أن الحركة حرصت منذ البداية على "إسقاط فكرة الحزب من أجندة الحركة"، محذرًا من محاولات الأحزاب "الركوب" على هذا الحراك. هذا الموقف المناهض للطبقة السياسية التقليدية يعكس رغبة عميقة في تجاوز الأطر التي يعتبرها الجيل الجديد فاشلة وغير قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة.

جيل الإنترنت والتحولات: كسر جدار الخوف والصمت

يُطلق على هذا الجيل لقب "جيل ولد في عصر الإنترنت"، فهم "رقميون بالفطرة" ويتقنون استخدام منصات التواصل، ما يفسر اعتمادهم على النضال الرقمي كخطوة أولى قبل النزول إلى الشارع. يصف الباحث في العلوم السياسية عز الدين العزماني هذا الجيل بأنه "يرفض الخوف والصمت، ويتحدى التقليد، ويعيد تشكيل الخريطة السياسية بأدواته الخاصة: الإبداع في أشكال التعبئة، والسرعة، والتضامن، واللامركزية".

ويشدد العزماني على أن "جيل زد" ليس مجرد جيل افتراضي، بل هو "جيل التحوّلات بامتياز"، الذي يحوّل أدواته الرقمية إلى "سلاح ناعم في مواجهة الاستبداد والظلم". هذا الجيل، الذي كان يُعتقد أنه بعيد عن الحياة السياسية، قد هدم جدار الصمت وأظهر وعيًا سياسيًا عميقًا.

من جانبه، يؤكد نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أن "جيل زد" يتميز بـ "خصوصيات مختلفة وأساليب تواصل مستجدة"، فهم "أكثر أفقية وأقل ارتباطاً بقيادات أو تنظيم بمفهومه الكلاسيكي". هو جيل يطالب بـ "الاعتراف بوجودهم وحقوقهم في الكرامة والعدالة والحرية والديمقراطية ومقومات العيش الكريم، في وطن تتساوى فيه الفرص".

تحدي "سرديات التخوين": الحركة ليست موجة عابرة

على الرغم من المواجهة المبكرة لاتهامات بـ "عداء الوطن والارتباط بجهات خارجية"، وهي سرديات تقليدية غالبًا ما تُطلق ضد الحركات الاحتجاجية، إلا أن الباحثين يؤكدون على أصالة الحركة وارتباطها الوثيق بالمطالب الداخلية.

يؤكد عز الدين العزماني أن "سرديات التخوين تعني أن المتصدرين للرأي في الفضاء العمومي ليس لديهم أدنى فهم لطبيعة الجيل ومدركاته الاجتماعية". ويُشدد على أن الحركة "ليست موجة عابرة كما قد يظنّ البعض"، بل هي تعبير عن وعي سياسي متجدد يفرض نفسه على المشهد العام، ويحاول جاهداً إعادة تشكيل عالم يختلف عن الذي عاشه الأجيال السابقة، عبر المطالبة بخدمات صحية وتعليمية أفضل ومستقبل تتوفر فيه فرص العمل ويسوده العدل.