ترجمة الحدث
نشرت القناة 12 العبرية تقريراً استقصائياً مطولاً كشفت فيه تفاصيل ما وصفته بـ”المأساة الأمنية والهندسية الكبرى” خلف انهيار منظومة الجدار الحدودي مع قطاع غزة في السابع من أكتوبر. وأشارت القناة إلى أن المشاهد التي وثّقت دخول آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المحتلة شكّلت صدمة عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، إذ تجسّد فيها الفارق الهائل بين ما وُعد به الجمهور حول “الجدار غير القابل للاختراق”، وبين الانهيار السريع الذي وقع خلال دقائق معدودة، في مشهد وصفته القناة بأنه “تجسيد للغرور الأمني الذي باعته المؤسسة العسكرية والسياسية للإسرائيليين”.
بحسب التقرير، كان المشروع الذي أطلق عليه اسم “الجدار الذكي والقاتل” يفترض أن يشكل منظومة متطورة تدمج بين الروبوتات والطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي في مراقبة الحدود وإطلاق النار تلقائياً. غير أن كل هذه الوعود، كما تقول القناة، لم تتعدَّ المخططات والعروض الدعائية، فيما بقي الواقع الأمني هشًّا، قائمًا على تكنولوجيا غير مكتملة وكاميرات مراقبة بدائية. وقد بلغت تكلفة المشروع نحو خمسة مليارات شيكل، لكنه في النهاية لم يمنح إسرائيل سوى شعور زائف بالأمان.
التقرير يستعيد تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي تباهى بالمشروع قائلاً إن “ما قبل الجدار لن يكون كما بعده”، إلى جانب تصريحات رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي الذي وصف الجدار بأنه “حدٌّ ذكي وقاتل يغيّر الواقع”. إلا أن تحقيق القناة يشير إلى أن كل ذلك لم يكن سوى دعاية سياسية، إذ تبيّن لاحقاً أن الجدار لم يكن مجهزاً لمواجهة هجوم بري واسع النطاق، بل صُمّم فقط لتأخير التسلل الفردي لبضع دقائق.
كما يكشف التقرير أن معظم ميزانية المشروع وُجهت نحو التحصينات تحت الأرض لمنع الأنفاق، فيما لم يُخصّص سوى 122 مليون شيكل للجدار فوق الأرض، وهو ما جعل الهيكل الخارجي هشّاً وسهل الاختراق. وقد تلقّت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عام 2018 وثيقة من “حماس” تُعرف باسم “خطة حائط أريحا”، تصف بدقة عملية اقتحام واسعة عبر الجدار من فوق الأرض، غير أن القيادة العسكرية لم تتعامل مع التحذير، ولم تُجرِ أي تعديل على خطط الدفاع أو الإنذار المبكر.
ويضيف التقرير أن منظومة “الرؤية والإطلاق” التي يفترض أن تتحكم بها المجندات من غرف المراقبة، كانت فعّالة فقط في ثلث مساحة الحدود، ويمكن تشغيل أربعة رشاشات آلية في الوقت ذاته لا أكثر، وهي مزودة بأسلحة قديمة لا تتناسب مع التهديدات الحديثة. وقد رفضت قيادة الجيش مقترحات لتطويرها أو استبدالها بمنظومات أكثر تقدماً، مفضّلةً إنفاق الأموال على إصلاحات سطحية للجدار.
أما في البحر، فلم يكن الوضع أفضل حالاً، إذ تمكنت سبع زوارق فلسطينية فقط من اختراق الجدار البحري والوصول إلى الشاطئ، حيث قتل المهاجمون سبعة عشر إسرائيلياً، ما اعتبرته القناة دليلاً على أن المشروع البحري كان هشًّا كغيره. وفي المقابل، أُصدرت قبل أشهر من الهجوم أوامر لتقليص حركة الدبابات والمجنزرات لتوفير الوقود والميزانية، وهو ما أدى إلى ضعف الجاهزية القتالية، إذ لم يكن معظم الأطقم على دراية بالميدان ولا بالمواقع التي يفترض أن يدافعوا عنها.
وأشار التقرير إلى أن “حماس” أجرت خلال أسابيع سبقت الهجوم تدريبات واختبارات على الجدار نفسه، شملت تفجيره بعبوات وتجريب وسائل لاجتيازه بسرعة، من دون أن تثير هذه الأنشطة أي إنذار في الجيش الإسرائيلي. وفي الأسبوع الأخير قبل السابع من أكتوبر، نفّذت الحركة تجربة ناجحة لتفجير عمود أساسي أسقط جزءاً من الجدار، لكن الجيش لم يتعامل مع الحدث بجدية، ولم تُشعل أي ضوء أحمر في منظومة الأمن.
ورغم فشل المشروع وانهياره في أول اختبار، تمت ترقية المسؤول المباشر عنه، العميد إيرن أوفير، إلى رتبة لواء بموافقة رئيس الأركان الحالي إيال زامير ووزير الأمن يوآف غالنت. وذكرت القناة أن زامير نفسه كان قد تسلّم في 2018 خطة “حماس” التي توقعت اقتحاماً برياً واسعاً، لكنه لم يحدّث متطلبات الجدار أو خطط الاستجابة. واعتبرت القناة أن منح أوفير رتبة عليا رغم فشل مشروعه “يمثّل مكافأة على الإخفاق”.
واختُتم التقرير بما وصفه اعترافاً متأخراً من مسؤولين عسكريين بأن الجدار لم يكن سوى “خرافة هندسية”، وأنه لم يمنح إسرائيل أي حماية حقيقية. وقال أحد كبار الضباط الذين شاركوا في التحقيق العسكري الداخلي إن “ما جرى يشبه خط ماجينو الفرنسي أو خط بارليف المصري؛ استثمار ضخم في جدار يولّد ثقة زائفة، ثم ينهار في أول معركة”. وأضاف أن بعض الخبراء في المؤسسة الأمنية يعتقدون أن “سياجاً عادياً من الأسلاك الشائكة كان سيؤخّر المهاجمين أكثر مما فعل الجدار الذكي”.
وختمت القناة بالقول إن ما وُصف لسنوات بأنه أعجوبة تكنولوجية إسرائيلية، تحوّل في الواقع إلى رمزٍ للغرور والعمى المؤسسي الذي سمح بوقوع أكبر اختراق أمني في تاريخ إسرائيل الحديث، مؤكدة أن “الجدار الذي وُعد الإسرائيليون بأنه سيحميهم إلى الأبد، كان في النهاية مجرد صورة في فيلم دعائي، انتهى بانفجار الحقيقة في السابع من أكتوبر”.