الخميس  09 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العواصف التي لا تنتهي في الشرق الأوسط حروب طائفية

2014-03-18 00:00:00
العواصف التي لا تنتهي في الشرق الأوسط 
حروب طائفية
صورة ارشيفية

بقلم: الكاتب التركي هارون يحيى - خاص بالحدث 

لقد تم انتقاد الانتشار الواسع لصكوك الغفران، والتي كان يفترض بأنها تمنح المسيحيين المغفرة عن جميع الذنوب التي ارتكبوها، من راهب ألماني عام 1517، ثم أخذت هذه الانتقادات بالانتشار بشكل واسع، ولم يعرف أحد في تلك الفترة بأن هذه الانتقادات ستقود إلى إصلاحات وستؤدي إلى دمار أجزاء واسعة من أوروبا والإطاحة بعدد من الملوك وتغيير ترسيم الحدود إلى الأبد. لقد كان بروز ما يعرف الآن بالمذهب البروتستانتي، وهو المذهب المقابل للكنيسة الكاثوليكية، نتيجة لهذا الانتقاد، كما نتج عنه حرب ضروس انتشرت في كل أرجاء أوروبا. لقد تسببت هذه الحرب التي دامت 30 عاماً إلى تدمير وتفكيك عدد من الدول بالإضافة إلى مقتل ثلث سكان القارة العجوز.

ويمكننا بأن ننظر إلى هذه المذبحة الفظيعة كمثال صارخ على المآسي الناتجة عن الحروب الطائفية، وكرادع للابتعاد عن تكرار هذه التجربة، ولكن هذا الخطر يزداد انتشاراً وتفجراً في الشرق الأوسط بكل ما يمثله من وحشية لترك الأثر ذاته على المسلمين.

تقوم القاعدة الفكرية للحركات الإرهابية بالتحريض لحروب طائفية، ونموذج الدولة الإسلامية في العراق والشام

عندما تم خلع نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ظن العديد من الناس، بالأخص من العراق والولايات المتحدة، بأن كل شيء سيكون على ما يرام وستشهد البلاد نوعاً من الإزدهار والسلام، ولكن الحروب الطائفية التي تلت هذا النظام أصبحت تهدد المنطقة كاملة.

وتعتبر منظمة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من المؤسسات الإرهابية التي تقوم بالتحريض والعمل لإشعال نار طائفية، حيث تصور نفسها على أنها جماعة إسلامية بالرغم من ابتعادها كل البعد عن الأخلاق الإسلامية السامية، حيث تعرف هذه المنظمة بهجماتها الإرهابية على المسلمين الشيعة. ولكن الوجه الحقيقي للقاعدة الفكرية لهذه الهجمات الإرهابية المنظمة من «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وهي منظمة تابعة لمنظمة القاعدة، برزت بالتزامن مع كشف أسماء قادتها عن طريق وزير الداخلية العراقي.

وكان وزير الداخلية العراقي قد نشر صورا لقيادات هذه المنظمة وأكد على أن الشيء الوحيد المشترك بين جميع هذه القيادات هو خدمتهم جميعاً في الجيش العراقي في فترة حكم صدام حسين، وتتضمن هذه القائمة أبو أيمن العراقي وأبو أحمد العلواني (اسمه الحقيقي وليد جاسم العلواني) وحاجي بكر (اسمه الحقيقي سمير عبد محمد الخليفاوي)، حيث نشؤوا جميعاً في ظل ثقافة العنف التابعة لنظام البعث في فترة حكم نظام صدام حسين.

ويعتبر حزب البعث حزبا يساريا يتبنى أفكار الاشتراكية العربية، ولا يمت هذا الحزب بصلة للتعاليم والأخلاقيات الإسلامية السامية.

وتنبع طريقة تبني حزب البعث للعنف كأداة سياسية لتطبيق سياساته وأجنداته من صلات هذا الحزب بالماركسية والمذهب المادي، حيث ترى الماركسية بأن أعمال العنف والإرهاب التي تقود إلى تأذي الأبرياء على أنها أداة ضرورية من أجل تهيئة الظروف والفوضى للوصول إلى ثورة الشعب. وتأكد جميع المنشورات الماركسية على أن النظام الاشتراكي الماركسي ينظر إلى العنف اتجاه المواطنين كأداة مشروعة من أجل الحفاظ على السلطة، وكعدد كبير من الأحزاب الماركسية، لم ير حزب البعث أي نوع من الهواجس اتجاه تنفيذ عمليات الإغتيال والتفجيرات أو حتى المذابح الجماعية.

وقد عاشت قيادات منظمة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الإرهابية، والتي تدعي بأنها تعمل باسم الإسلام (والإسلام بريء من هذا)، تحت تعاليم والتلقين الماركسي القائم على العنف، كما خدمت هذه القيادات في الجيش التابع لهذه الحكومة الماركسية، ولم تتغير القاعدة الفكرية لهذه القيادات مع تغير النظام في العراق، كما لم يستطيعوا فهم أو تبني أخلاقيات الإسلام الجميلة والتي تؤكد على المحبة والمودة.

وبكلمات أخرى، قام عدد من هؤلاء القادة، والذين نشؤوا في ظل نظام صدام، بخلع ملابس نظام البعث وتبني مظهر وستار الإسلام، ولكن مع المثابرة والاستمرار في النظام القائم على ثقافة العنف، وهؤلاء الأفراد، والذين قاموا في الماضي بقتل الأكراد في الشمال لصالح نظام البعث، يقومون اليوم بارتكاب الجرائم باسم الدين لصالح «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

ويمكننا بأن نرى الأثر ذاته اليوم في سوريا، حيث أنه بالرغم من أن النخبة الحاكمة في سوريا تتكون من النصيريين، إلا أنه من الخطأ اعتبار ما يحدث الآن في سوريا على أنه نوع من التمرد من المسلمين السنة على الحكم والنظام النصيري، حيث أن الثورة لم تقم بسبب الطائفة التابعة للنظام الحاكم، بل بسبب أعمال النظام الذي قام باضطهاد شعبه. ويتصف كل من نظام صدام حسين البعثي ونظام بشار الأسد البعثي بأن كلاهما يمثلان أنظمة يسارية اشتراكية تحمل أيديولوجية متشابهة تتبنى الأساليب الماركسية واللينينية الإرهابية ذاتها من أجل ترويع الشعب، حيث قام كلا النظامين بقمع شعوبهما بشكل منهجي ووحشي.

وكان نظام الأسد قد خسر أي نوع من الشرعية أمام الشعب السوري بسبب تطبيقه لأساليب نظام البعث الفاسدة عوضاً عن تطبيق التعاليم والأخلاقيات الحميدة التي يدعو لها الإسلام، ولا يتعلق سفك الدماء في سوريا بطائفة الناس من الشيعة والنصيرية، فالإسلام يؤكد على حرمة وقدسية دم كل إنسان سواء كان مسلماً شيعياً أو سنياً أو جعفرياً أو مالكيا، أما جميع الأفكار التي تناقض هذه الفكرة فهي نتاج أفكار عدد من المتطرفين الذين صوروها على أنها جزء من الدين الإسلامي بالرغم من أن الدين الإسلامي بريء من كل هذه الأفكار الدموية. ولكن، وكما نرى، فإن الانقسامات الطائفية تعمل على مساعدة الجماعات المعنية بخلق الفوضى والرعب في المنطقة وإجبار المسلمين على مواجهة اقتتال من أجل البقاء وفي ظل ظروف صعبة جداً من حربٍ ومجاعات وبرد. 

صحيح بأن هنالك عدد من المسلمين الذين يقعون ضحية لهذه الأفكار التي تعطي مصداقية لأحاديث موضوعة وأفكار متطرفة تدعم القتل والاقتتال النابع من الانقسامات الطائفية، فقد أصبحنا نرى عدد من رجال الدين المتطرفين يقومون بإصدار فتاوى لا أصل لها في الإسلام تقوم على تحليل قتل الناس الذين ينتمون إلى مذاهب أو ديانات مختلفة.  

ولكن، وبكل تأكيد، فإن قتل أي شخص بسبب اختلاف المذاهب أو المعتقدات أو الأفكار لا مكان له في الإسلام بتاتاً، فالإسلام يدعونا لتجنب أي تصرفات أو أعمال تسيء لمثل هؤلاء الناس بأي شكل من الأشكال، فأين القتل من هذا؟ ويقول الله في القرآن الكريم بأن الطريق إلى الجهاد يكون عن طريق السعي لنشر أخلاقيات وتعاليم الإسلام القائمة على الحب والمودة عن طريق المواجهة الفكرية وليس عن طريق سفك الدماء. يدعونا القرآن إلى الإحسان والفضل في التعامل مع جميع الناس، حتى مع من يظهر العداء للإسلام:

«وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (سورة فصلت، آية رقم 34)

وإنه لمن الخطأ الكبير على المسلم بأن يقاتل أخاه المسلم بحقدٍ وكراهية بالرغم من تعاليم هذا القرآن الكريم، فعلى المسلمين أن يتركوا هذه الأعمال الآثمة فوراً عن طريق نبذ جميع الاختلافات الطائفية والتوحد كما أمرنا الله، فقد أمرنا الله في القرآن الكريم على التوحد والعمل كوحدة وجسد واحد:

“وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (سورة آل عمران، آية رقم 103)

وكما يظهر في القرآن الكريم، فمن الممكن إيجاد حل لكل عداء أو نزاع أو خلاف عن طريق العقلاء والصالحين من الناس في ظل حالة من السلام والهدوء والتعاطف، والذين يفون دعماً للسلام اليوم سيكونون في الغد القريب، وبإذن الله، من أدوات التغيير نحو الأفضل.