الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"المجهول" قطاع استثماري واعد يفتقر للمأسسة

2014-09-23 12:20:43 AM
صورة ارشيفية
 مهربون يقومون بـ "تبييض" تمور المستوطنات لبيعهامحلياً أو تصديرها على أنها منتج فلسطيني
 

 أريحا - محمود الرجوب

 يوشك مزارعو النخيل في أريحا والأغوار على الانتهاء من موسم قطاف "تمر المجهول"، وسط تقديرات بأن تصل كمية الإنتاج هذا العام إلى 4000 طن، بزيادة قدرها ألف طن عن محصول العام الماضي.

 
"المجهول"، أجود أنواع التمر في العالم، يمتاز بالحبة الكبيرة، والطعم العسلي، ولا ينتج إلا في غور الأردن وولاية كاليفونيا الأمريكية، نظراً إلى حاجة الشجرة إلى بيئة جافة ترتفع فيها نسبة الأكسجين مع توفر المياه. ولهذا الصنف من التمور بورصة دولية لتحديد الأسعار.
 
ويتوقع أن تصبح مزارع النخيل القطاع الاقتصادي الإنتاجي الأكبر من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي خلال 7 سنوات، لكن تحديات كبيرة تحول دون ذلك، تتمثل في غياب المأسسة لهذا القطاع الواحد، فضلاً عن استمرار بعض التجار بـ "تبيض" منتجات المستوطنات من التمور، بتغليفها وتسويقها محلياً أو تصديرها للخارج على أنها منتج فلسطيني.
 
 بترول فلسطين

 يقول رئيس جمعية مزارعي النخيل في أريحا والأغوار مأمون الجاسر، إن الأرضي الفلسطينية "تعد ثاني أكبر منتج لـ (تمر المجهول) في العالم بعد إسرائيل"، لافتاً إلى أن أربع دول في العالم تنتج هذا الصنف من التمور، هي فلسطين والأردن وإسرائيل وولاية كاليفونيا، و"تقدر كميات الإنتاج بـ 45 ألف طن سنوياً".

 
ويتوقع الجاسر أن يصل الإنتاج الفلسطيني إلى 20 ألف طن سنوياً، بناء على عدد الفسائل المزروعة حالياً في أريحا والأغوار، وفي حال تم ذلك، سيكون قطاع زراعة النخيل أكبر قطاع إنتاجي من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي. مؤكداً أن 15 ألف دونم مزروعة بالنخيل حالياً في أريحا والأغوار بحيث يتسع الدونم الواحد لـ 14 شجرة نخيل، و"كل 100 دونم تحتاج إلى عاملين اثنين، الأول دائم طوال الوقت، والآخر موسمي في وقت القطاف"
 
وفي مقابلة مع "الحدث" أوضح رئيس جمعية مزارعي النخيل أن: "كل نخلة تبلغ من العمل 8 سنوات وأكثر تنتج ما بين 100- 120 كليو من (المجهول) سنوياً"، وأشار إلى أن معدل السعر التسويقي طوال العام للكيو الواحد يتراوح ما بين 20- 21 شيكلاً، وتعادل القيمة التسويقية للتمور الفلسطينية 80 مليون شيكل هذا العام، يضاف إلى هذا الرقم القيمة المضافة الناتجة عن ربح التجار.
 
ويكشف نعيم العيساوي، وهو من كبار المستثمرين في زراعة النخيل، أن "المجهول" هو بمثابة بترول فلسطين، بحيث تصل نسبة الربح للمزارع إلى 25%، يقول العيساوي في مقابلة مع "الحدث" إنه وشركاؤه يملكون 10 آلاف شجرة منتجة مرزوعة على مساحة 800 دونم.
 
يضيف العيساوي الذي ينظر إليه مزارعو النخيل على أنه "الأب الروحي لهذا القطاع"، أن مليون فسيلة موجودة حالياً على الأشجار القائمة، وفي حال زراعتها كلها فإن الإنتاج الفلسطيني سيتجاوز 60 ألف طن من تمر المجهول بما يوفر 20 ألف فرصة عمل.
 
 تحدي المأسسسة

 يرى رئيس جمعية مزارعي النخيل مأمون الجاسر أن أكبر تحد يواجه هذا القطاع يتمثل بـ "غياب المأسسة والتنظيم وتقدم الإدارة النموذجية للمزرعة(...) ما يجري عبارة عن اجتهادات من المزارعين أنفسهم بحيث لا يتلقون إرشادات من أي جهة".

 
ويرى أن مسؤولية المأسسة من الناحية الفنية، تقع على وزارة الزراعة التي: "لا يوجد فيها مرشد زراعي واحد مختص في قطاع النخيل، وإذا قام قسم الإرشاد بزيارة المزراع، فليس لديه المعلومات، والخبرة في هذا القطاع، ولو توفر الإرشاد الصحيح والفحص المخبري لشجرة وتربة المزراع، ربما يتضاعف الإنتاج خلال سنوات قليلة".
 
 بدوره يكشف المزارع نعيم العيساوي أنه: "يضطر لاستخدام خلاطة باطون ومكنسة كهرباء لإنتاج حبوب اللقاح للنخيل بعد منع إسرائيل دخول اللقاحات". وهنا يتساءل الجاسر، أليس دور الحكومة حماية هذا القطاع الواعد؟ وبدلاً من البحث عن شجر النخيل (الذكر) أليس من واجب وزارة الزراعة إقامة مزرعة نموذجية للنخيل الذكر لتزويد المزارعين باللقاحات المناسبة؟.

 

تبييض تمور المستوطنات

 أفادت مصادر خاصة لـ "الحدث" أنه تم قبل عدة أيام ضبط مصنع في أريحا يقوم بتغليف تمور المستوطنات على أنها فلسطينية في عبوات تحمل بطاقة بيان على أنها منتج فلسطيني. ويتواجد في المدينة 8 مصانع لتغليف التمور، من بينها 5 تطبق معايير الجودة العالمية، بما يتيح لمنتجاتها إمكانية التصدير إلى الخارج.
 
يقول رئيس جمعية مزارعي النخيل مأمون الجاسر، إن هذا السلوك قائم منذ عدة سنوات، لكن الحديث العلني عنه الآن، "سيف ذو حدين، ففي الوقت الذي يتم فيه تسليط الضوء على سلوك مدمر، إلا أنه من الممكن أن يؤدي انهيار قطاع النخيل". خاصة في ظل مقاطعة منتجات المستوطنات في الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول أخرى.
 
وجاء في بيان صدر يوم 15- 9- 2014 عن وزارة الاقتصاد أنه تم: "مصادرة كميات كبيرة من العبوات التي تحمل اسم منتج فلسطيني معدة لتعبئة التمور الإسرائيلية" وأضاف البيان أن: "تجاراً فلسطينيين قاموا ببيع تمور إسرائيلية في السوق الفلسطينية على أنها منتج محلي".
 
في رده يقول رئيس جمعية مزارعي النخيل إن: "وزارة الاقتصاد أكبر شريك في تهريب التمور، لكونها أعطت تصريحاً لتاجر فلسطيني باستيراد تمر إسرائيلي إلى سوق فلسطيني، وهو ليس اختصاصها وإنما اختصاص وزارة الزراعة".
 
ويؤكد الجاسر أن: "التمر الذي يأتي من إسرائيل (مضروب) ويقوم المهربون بغسله وتنشيفه ومن ثم إعادة التغليف والبيع في عبوات مكتوب عليها أنها منتج فلسطيني".
 
لكن بيان وزارة الاقتصاد أفاد بأنه: "تم إصدار تعليمات مشددة بمصادرة أي عبوة تحمل عبارة منتج فلسطيني تستخدم لتعبئة التمور الإسرائيلية، وفق خطة مشتركة وضعتها وزارات الاقتصاد الوطني والزراعة والضابطة الجمركية ومحافظة أريحا والأغوار وجهات أخرى".
 
وشاهد معد هذا التحقيق أن المزارعين وقبل خروج الشاحنات المحملة بالمحصول في نهاية يوم القطاف يذهبون إلى مديرية الزراعة في أريحا لاستصدار (تصاريح) لنقل التمور من المزرعة إلى مصنع التغليف.
 
يقول طارق القواسمة، مدير مزرعة ومصنع الزّراعون العرب لإنتاج التمور، إن المزارع وكذلك المصنع أصبحا وفقاً للآلية السابقة تحت المراقبة، لكن المشكلة تكمن في التجار غير المضبوطين. يضيف القواسمة أن: "التمور الإسرائيلية وأغلبها من إنتاج المستوطنات، تغلف وتباع للمواطن الفلسطيني على أنها منتج محلي".
 
وتضم شركة الزّراعون العرب مصنعاً لإنتاج السماد المستخدم في مزارع النخيل المسمى "الكمبوز" وهو مستخلص من مخلفات حيوانية ونباتية.
 
يؤكد القواسمة أن التمور الإسرائيلية تروى بالمياه العادمة، وأن السماد المستخدم في مزارع المستوطنات مستخلص من مخلفات (بشرية) سامة.
 
ويتحدث رئيس جمعية مزارعي النخيل عن (مؤامرة ) تعرض لها المزارعون وتتمثل بـ "عزوف التجار هذا الموسم عن شراء التمور الفلسطينية بالآليات التي كانت متبعة خلال السنوات الماضية". ومضى قائلاً: "في موسم 2013 جاء التجار في شهر نيسان وأيار إلى المزارع بهدف شراء المنتوج قبل أن ينضج، وكان المزارعون يبيعون المحصول في شهر حزيران قبل شهرين من النضوج، لكن في هذا العام لم يأت التجار المعروفون حتى شهر آب".
 
ويقول إن الجمعية تدخلت لدى المزارعين لطمأنتهم و: "بدأنا مرحلة البحث عن التسويق بأنفسنا، واكتشفنا أن الطلب العالمي يفوق الإنتاج الفلسطيني ب 3 أضعاف". وحول أسباب عزوف التجار أجاب الجاسر: "خطة خطيرة من جانبين، الأول تجاري لكي ينهار المزارع مع نزول الأسعار، والثاني ضرب هذا القطاع الواعد في مهده". وعند سؤاله عن التفاصيل قال: "أعتقد أن هناك أجندة خارجية، ولو نجحوا في خطتهم لكانت النتيجة انهيار قطاع زراعة النخيل".
 
وتابع: "العائد على المهرب 10 آلاف شيكل من كل طن،  وفي حال نجح بتهريب 100 طن يكون العائد مليون شيكل خلال أيام الموسم القليلة".
 
يقول العيساوي ان غياب التنسيق الكامل بين الوزارات المعنية يتسبب بكثير من الإشكاليات، ويضرب مثلا "احد الاشخاص تمكن من تصدير 150 طنا من التمور إلى أمريكا برخصة من وزارة الاقتصاد، دون الحصول على اثبات بلد منشأة من وزارة الزراعة، ولو كان هناك تواصل لتحققت وزارة الاقتصاد من وزارة الزراعة حول مصدر هذه التمور قبل منح رخصة التصدير".
 
يقول رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، إن غرفة العمليات المشتركة ما بين وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد والضابطة الجمركية ومحافظة أريحا والأغوار، تحتاج إلى مزيد من التفعيل للحد من عمليات "التهريب والتبييض". ورأى أن هناك حاجة لخضوع دخول أي كميات من التمور الإسرائيلية إلى السوق المحلي، لغرفة العلميات وليس لأحد أطرافها منفرداً وبشرط أن يتم تعريف المنتج وتقديمه للمستهلك على أنه إسرائيلي.
 
ويطالب المزارعون السلطة الفلسطينية بالضغط على إسرائيل من أجل السماح لهم باستثمار أراض وقفية على طرفي شارع 90، لكونها صالحة لزراعة فسائل النخيل وإنتاج أجود أنواع التمور، ويقولون إنهم مضطرون للبيع بأسعار أقل في موسم القطاف، كونهم لا يملكون ثلاجات للاحتفاظ بإنتاجهم إلى فترة الشتاء أو قبيل شهر رمضان، حيث ترتفع الأسعار مقارنة مع الموسم.
 
وأوضح مزارعون أنهم قاموا بالفعل بشحن إنتاجهم هذا العام إلى ثلاجات في الخليل قاموا باستئجار مساحات فيها من أجل بيع منتجاتهم بعد مرور موسم القطاف، مطالبين بمساعدتهم بتدشين ثلاجات خاصة بهم في منطقة أريحا والأغوار.