الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حداثة دون تحديث

2014-09-23 12:40:55 AM
 حداثة دون تحديث
صورة ارشيفية
المناهج الجامعية في فلسطين... خصوبة التكرار وتصحر الجودة
 
رام الله - محمود الفطافطة
شكل التعليم في المجتمع الفلسطيني الحديث عنصراً مهماً من عناصر تكوين المكانة الاجتماعية، عدا عن كونه وسيلة مهمة من وسائل الحراك والتغيير الاجتماعي ومدخلاً من مداخل الانخراط في قوة العمل، سيما في ظل ضعف الموارد الاقتصادية المحلية، ووجود فائض نسبي للسكان.
وظائف التعليم هذه لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الانطلاق من مناهج ورؤى بعيدة المدى للتعليم، تواكب تطورات العصر، وتستخدم أساليب تشاركية وحوارية تفتح المجال أمام التفكير لا التلقين، وعلى أن تكون، كذلك، متجددة ومرنة وقابلة للتطوير والتعامل بانفتاح مع التغيرات المختلفة. وفق هذه الصورة، فإنه من الضروري النظر للتعليم ليس بكونه مجرد عملية لنقل المعلومات فحسب، بل جملة من العمليات المتشابكة التي تُسهم في إطلاق الطاقات الخلاقة للفرد والجماعة وصقلها وتوجيهها لخدمة غايات الإنسان فرداً وجماعة ومجتمعاً.
ويُعتبر قطاع التعليم من أكبر القطاعات الخدماتية في فلسطين، كما تُعتبر شريحتا الشباب والأطفال، الأكبر والأكثر استهدافاً من قبل هذا القطاع. هذا الواقع يُدلل على أن النهوض بالتعليم الأساسي والجامعي يتطلب إدراكاً شمولياً يتأسس على قاعدة المساواة والعدل بما يضمن مشاركة أكبر للجميع، وتعزيز قدرات العاملين في حقل التعليم، وتفعيل الحوار المؤسساتي بين مختلف الأطراف المجتمعية، ودعوة صناع القرار للوقوف أمام مسؤولياتهم.
معايير ومضامين
ومن أهم المعايير التي من خلالها يتم توصيف ماهية وفائدة العملية التعليمية (المنهاج أو المقرر الدراسي)، ذلك أنه يمثل الصورة الحقيقية لمضمون هذه العملية ومدى الأهمية في الحصول على مخرجات معرفية وعملية من خلال مدخلات هذه البيئة التعليمية. هذه المعايير توجب طرح حزمة من الأسئلة التي من خلال الإجابة عليها يمكن لنا الوقوف، بوضوح على مضمون وأثر هذه المناهج، مع الإشارة هنا، إلى أن هذا التقرير يعالج هذه القضية بصورتها العامة، حيث أن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة واسعة ومتواصلة تعتمد على الأداتين المسحية والكيفية معاً.
ومن أبرز هذه الأسئلة: ما هي أهمية مضمون المنهاج في خلق حالة علمية ومعرفية قائمة على أسس الواقع وتلبية حاجاته؟ وهل ترتقي هذه المناهج إلى مستوى التطور العلمي المطلوب، الذي يحفز ذهنية الطلبة للتفكير والإبداع، أم أنه مجرد استنساخ تلقيني بعيد عن التنوير والريادة؟ بكلمات أخرى، فإن التقرير سيجيب على سؤال رئيس هو: هل ينجح المنهاج المقرر في جامعاتنا في الوفاء بالغاية التي وضع لأجلها؟
وقبل أن ننطلق نحو الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها نود التطرق إلى ما جاء في دليل منظمة اليونسكو المتعلق بأهمية ووظيفة المناهج الأكاديمية في الحياة المجتمعية والعملية. يذكر الدليل أن أي منهج أكاديمي يفترض فيه أن يقوم بمزج ثلاثة جوانب مهمة في حياة الطالب، يتمثل أولها في الجانب المعرفي لبناء شخصيته وقدراته وثقافته العامة، وثانيها هو الجانب النظري حتى يصبح الطالب مطلعاً ومتابعاً، وقبل ذلك مخلصاً للمهنة وأميناً على أخلاقياتها. أما ثالث هذه الجوانب فيكمن في الجانب العملي بغية أن يكون الطالب متقناً لعمله، ناقداً بحكمةٍ لواقعه، متحدٍ لضغوطات شتى ليست أولها بيئة العمل، وليست آخرها فتنة الشهرة أو المال.
يقول مدير وحدة البحوث في معهد "ماس" د. سمير عبد الله: "إن اسلوب التعليم لا يزال يعتمد على التلقين والحفظ بدلاً من أسلوب تفاعل الطلاب، كما ولا تزال مراحل التعليم العالي تركز حصرياً على إعداد الطالب لشق طريقه في مجالات التوظيف في سوق العمل، ولا تركز على إعدادهم للدخول في مجال إنشاء أعمال ريادية خاصة بهم، منوهاً إلى أنه لا يوجد في أية جامعة فلسطينية مساق يدرس الريادة وما يرتبط بها من مواد التجارة والإدارة، وإن كان هنالك مثل هذه المساقات، فإنها تقدم فقط الجانب النظري للطلاب.
 
مناهج معرفة أم عمالة!!
أما الباحث أيمن عبد المجيد فيذكر أن بعض المناهج تفتقر إلى البحث والتفكير، كالمواد الأدبية والعلوم الإنسانية، حيث لا زالت تعتمد على التلقين، في حين أن التكنولوجيا المتوفرة للمواد العلمية لا تتوفر لها المختبرات الملائمة. ويبين أن المنهاج الذي يمنح الطلبة الجودة في العلم، والقدرة في توظيف المعلومة والإمكانية في التعاطي مع مستجدات العمل وتحدياته هو القادر على تحقيق الرغبة في التوجه نحو اقتصاد مبني على المعرفة مما يعني تمكين الطلبة من اكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين والمتمثلة بـ: التفكير، التعاون، عمل الفريق، التعلم طوال الحياة والتواصل. ويضيف: "في ظل تحقيق هذه المهارات فإنه قد يُسمح لفلسطين بالانتقال، بيسر، من الاقتصاد مكثف العمالة، خارج القطاع الخاص، إلى اقتصاد مبني على المعرفة، وهنا تصبح نوعية التعليم هي مجال التركيز الأساسي في أية مقاربة".
وفيما يتعلق بالعوامل التي تؤثر في جودة التعليم العالي، ولها علاقة بالمنهاج فإن التقرير الصادر، مؤخراً، عن منتدى شارك الشبابي يبين ذلك، حيث يشير إلى أن معظم الطلبة ليسوا واثقين بطبيعة اهتمامهم واختيارهم، ما يجعلهم ينهون دراساتهم أحياناً في تخصص لا يرغبون به، فضلاً عن ضعف المهارات التي يمتلكونها والتي تجعل من قدرتهم على التواصل مع الجهات الدولية صعبة للغاية، عدا عن علاقة الجامعة كثقافة بالمجتمع المحلي هي ضعيفة جداً، ما يجعل طبيعة خبرات الطلبة محدودة ولا تتعدى كونها أكاديمية، مكتبية، أكثر منها ميدانية.
وفي صورة أخرى، فإن لطبيعة المنهاج ومضامينه دورٌ مهم في تأهيل الخريجين للسوق ومطالبه. فوفق دراسة للدكتور محمود الجعفري أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس يتبين أن الجامعات الفلسطينية لم تستطع، وعلى مدى مسيرتها الطويلة في تحقيق مواءمة أو توازن ما بين التخصصات الأكاديمية وحاجة السوق للخريجين، حيث أن المهارات والقدرات التي يمتلكها الخريجون ما زالت متدنيةومحدودةولا تفي باحتياجات سوق العمل سيما في القطاع الخاص. وتذكر الدراسة أن اعتمادالمؤسسات الأكاديمية في فلسطين، ومنذ إنشائها، على الدعم والمساعدات الخارجية،فضلاً عن محدودية قدرة مواردها الذاتية، وعجزها المتنامي عن تغطية نفقاتها الجاريةوالتطويرية ساهم،وبشكل كبير وخطير، في عدم تنفيذ هذا المطلب الحيوي، وهو التكاملبين التخصص الجامعي وحاجة السوق.
وعند الحديث عن جودة المنهاج الأكاديمي لا بد من التطرق إلى واقع التعليم والتدريب الفني والمهني باعتباره عاملا مهما في التطور والارتقاء البشري والمادي في أي مجتمع. في هذا الشأن ترى الدكتورة لميس أبو نحلة أن مواءمة نظام التعليم والتدريب المهني والتقني لاحتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين لا تزال ضعيفة، مؤكدة وجود ثغرات في هذا النوع من التعليم، مجملة إياها في أربعة جوانب هي: سياسياً: نتيجة لانتمائه إلى هيئات مختلفة وافتقاره إلى نهجٍ تكاملي، وتنظيمياً: بسبب سياسات تشغيل الموظفين التي تؤدي إلى الإفراط في تمثيل المرأة في المناصب الإدارية الدنيا، واقتصادياً: كونها "غير فاعلة تقريباً" ومنفصلة عن البنية التحتية واحتياجات سوق العمل، ومنهجياً: كونها تفتقر إلى أي منهج قائم على البحث يمكنه أن يجعل برامج التعليم والتدريب المهني والتقني حساسة من الناحية الاجتماعية، ومن ناحية النوع الاجتماعي.
نماذج وأوصاف
في هذا السياق سنعرج على ثلاثة نماذج لمناهج فلسطينية مختلفة الحقول المعرفية. الأول يتمثل في التكنولوجيا، حيث يقول الناقد التربوي تحسين يقين أن إنجاح التعليم الالكتروني يتطلب تغيير اجتماعي وقيميفي المجتمع، كما ويحتاج رأس مال اجتماعي حقيقي وهو غير متوفر بالبلد في ظل التشرذم السياسي والتفكك الجغرافي. ويضيف: "صحيح أننا في عصر المعلوماتية، والعولمة، لكن ذلك لا يجب أن ينتقص من دور المعلم في التعليم، ودور الطالب في التعلم، فالمهارات التقليدية اللازمة للتعليم الجامعي والبحث العلمي موجودة في المدرسة وهي ضرورية، لكنها تحتاج إلى تفعيل، وتمكين الطلبة منها، وتقوية المعلمين وتأهيلهم في التعامل معها، في ضرورة وجود منهاج واضح سهل، ربما ينسجم معه منهاج محوسب يوضحه ويقربه من الطلبة أكثر".
وفيما يتعلق بالحقل التطبيقي فيركز د. عقل أبو قرع في مقال له على علم الصيدلة، فيقول:مع انتشار المئات من الصيدليات في الوطن وتجاوز نسبة عدد الصيادلة لعدد السكان، ومع انضمام مئات الخريجين الجدد من كليات الصيدلة التي تنتشر في معظم الجامعات تطرح العديد من الاسئلة، سواء تلك التي تتعلق بجدوى الذهاب إلى تخصص الصيدلة، أو بضعف التخطيط فيما يتعلق باحتياجات البلد وسوق العمل وبالتالي أعداد الطلبة في كليات الصيدلة، أو بتفسير وجود كليات أو برامج صيدلة في غالبية الجامعات الفلسطينية، أو بجدوى انتشار الصيدليات بشكل كبير في بلادنا. كل ذلك يدعو، وفق د. أبو قرع، إلى وضع استراتيجية واضحة وشاملة في الجامعات لمناهجها حتى لا تتكرر أو تتشابه دون أن نحصل على منتج معرفي وعلمي نوعي.
أما في النموذج الثالث فيشير الباحث ناجح شاهين في دراسة له حول (بنية التفكير في التعليم الفلسطيني.. قراءة تحليلية ناقدة لكتاب التاريخ للصف العاشر) إلى أن النتائج أظهرت أن الكتاب يمر سريعاً على الوقائع الوطنية والقومية الهامة مما يؤدي إلى ضعف قدرة الطالب على تعزيز قيم المواطنة المحلية أو القومية. كما انه لا يلجأ إلى أية مصادر أولية أو حتى مراجع أساسية، إلى جانب افتقاره إلى أهمية تنمية التفكير في صلتها بتنمية المواطنة، عدا عن تغيبه إلى درجة كبيرة لاسس الحجاج المنطقي، وطرائق الاستدلال. ويطالب الكاتب بضرورة قيام الجامعات بتثوير ادائها المعرفي في كافة التخصصات، مواكبة للواقع وتوضيحا لتعقيداته ومستجداته.
وفي حديث مع بعض طلبة جامعات الضفة ذكروا أن العدد من المقررات الجامعية بعيدة عن الواقع العملي، وتركز على النواحي النظرية، كما أنها لا تواكب التطورات المستجدة محلياً وخارجيا، فضلاً عن أن الطلبة ينظرون إلى المنهاج على أنه متناقض في المعلومات، حيث يفتقر إلى التسلسل والترابط في المساقات المختلفة. في هذا الخصوص يقول الطالب لؤي أبو خلف " الأستاذ الذي درس في مصر على سبيل المثال مراجعه مصرية، والذي درس في العراق مراجعه عراقية، وهكذا دون النظر إلى مختلف وجهات النظر والأفكار في ضوء المراجع المختلفة والتعددية والفكرية الثقافية. إلى جانب ذلك نجد الطالبة هند حسين تطالب بضرورة الحاجة إلى أن يستمع إليهم مدرسيهم وأن يكون لهم مدرسون يبذلون جهدا أكبر في التعليم والتفسير، وترى أن كثير من المشاكل التي تحدث في الجامعات تعود إلى ضعف الاتصال ما بين المدرسين والطلبة.
 
من يقتنص الحل؟
في السياق ذاته، يؤكد الطالب مهند حماد أن هناك فجوة بين التطور والتقدم التكنولوجي، فبعض الطلبة ما زالت معلوماتهم محدودة في المعرفة بالكمبيوتر والإنترنت بالرغم من أهميته في التدريس والبحث، كما أن اللغة الإنجليزية ضعيفة بالرغم من أهمية وتنوع المراجع في تلك اللغة. أما ميسان طلعت فتشير إلى أن مؤسسات التعليم العالي لا تهتم بإدخال برامج تساعد على توعية الطلاب بدورهم في الاقتصاد وتشجيعهم نحو التوجه إلى إنشاء مشاريع خاصة وتطبيق أفكار جديدة وإبداعية، وأنه ليس هنالك أي جهات تابعة للمؤسسات التعليمية تقدم برامج خاصة لتعزيز الفكر الريادي لدى الطلبة الجامعيين.
 
خلاصة القول: المطلوب تأطير منهاج نظري يسهل الربط بين التدريب والممارسة العملية. هذا المنهاج يجب أن يحتوي على المعايير والاسس العملية التي تسهل اجراء التدريب وتؤهل الطالب لممارسة العمل حتى يتجاوب مع المهمات التي تسند اليه من قبل مشرف المادة. هذا المشرف وهو الأستاذ هنا، عليه مسؤولية متابعة التدريب في أروقة الجامعة والإشراف خارجها... يقع على عاتق المدرس المسؤولية المباشرة والأساسية في عملية التدريس. فالمدرس هو الذي يدير العملية التعليمية في قاعة المحاضرة، وهو الذي يفسح المجال للطالب للمشاركة، و يحفزه على التخلي عن السلبية، بل إنه هو الذي يضع الخطط التي من شأنها إدماج الطالب في العملية التعليمية كعنصر فاعل ومؤثر.
على الأستاذ أن يطوع المنهاج ويؤثر فيه والطالب له الاختيار في الاستفادة من عدمها.. قرار الطالب مبني على طبيعة الأستاذ.. الطالب الذي يتلقى تعليماً مهنياً هو من صنع الأستاذ. هنا يجب تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة للتدريس.. المطلوب تلازم الأكاديمي مع الممارس أي (ترابط التدريس كعلم مع المهنة كعمل). إن أي تخصص حديث يستلزم مدرسين جاهزين له، فهناك مدرسون عليهم أن يمتلكوا الشجاعة للتعلم أكثر وإتقان مهارات متعددة، وإلا فإن عليهم التقاعد مبكراً بدلا من البقاء (إلى الأبد) في حقل معرفي مدهش برحابته، متطور بتقنياته، متنوع بأدواته ووسائله، معقد بسياساته وشرس أحياناً في المنافسة والحضور إلى حد الإقصاء والتغييب.
لا يمكن إصلاح التعليم العالي إلا بتوافر مناهج نوعية، ولا يمكن الحصول على مخرجات معرفية مميزة إلا بوجود مهارات تعليمية أساسية، مثل: التفكير الناقد، حل المشكلات، فن الاتصال والتواصل، ومنها الكتابة، مهارة البحث العلمي، التخلص من الأمية التكنولوجية، مهارات الإدارة، وسواها.
وقد يبقى السؤال الرئيس المطروح في هذا التقرير مفتوحاً وشائك الاجابة في ظل الخلط والتكرار والعشوائية وعدم وجود استراتيجية محكمة للمناهج الجامعية.. نتمنى أن تتحقق إحدى أهداف الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة التابعة لوزارة التعليم العالي، أو بعضاً منها، وهي: "وضع معايير لضمان الجودة متوافقة مع المعايير العالمية ومنسجمة مع متطلبات البيئة الفلسطينية، لتأكيد الثقة بمخرجات التعليم العالي الفلسطيني.
التقويم الشامل لمؤسسات التعليم العالي وبرامجها طبقاً للمعايير والأسس المعتمدة".