الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

التعايش العربي الإسرائيلي بين الواقع والخيال/ بقلم سماح خليفة

في رواية "آخر الحصون المنهارة" لمشهور البطران

2016-10-11 09:48:22 AM
التعايش العربي الإسرائيلي بين الواقع والخيال/ بقلم سماح خليفة
سماح خليفة

 

"الموت للعرب"، سموم تُنفث في ذاكرة أجيال متعاقبة من اليهود عبر تاريخ طويل، ربما لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا ضحايا مؤسسات وأحزاب يهودية متشددة متمرسة في ترويج أكاذيب ونسج روايات على كاهل الفلسطيني المستضعف، ليس الهدف منها إلا زرع الضغينة بين شعبين لا سبيل للتعايش بينهما إلا من خلال التكافؤ والاعتراف المتبادل، الذي استعيض عنه بالقتل والاضطهاد والظلم لكل فلسطيني ينشد السلام والحياة الكريمة على أرضه وفي وطنه، والذي هو أبسط حقوقه المحروم منها.

 

يركز مشهور البطران في روايته "آخر الحصون المنهارة" على السياق الاجتماعي والثقافي أكثر من السياسي بلغة سهلة واضحة مناسبة لشرائح مختلفة من القراء والمثقفين، وبأسلوب حكّائي ينهض على حبكة بوليسية ممزوجة بطابع تراجيدي، يتجلى فيها الاضطهاد للإنسان الفلسطيني الذي شاءت له الأقدار أن يقع فريسة في براثن المغتصب الصهيوني.

 

يتناول الكاتب قصة شاب حوّله الفقر من مقاعد الدراسة ليصبح عبدا في مزارع إسرائيل المغتصِبة لأرضه ووطنه من أجل إعالة عائلته وتوفير لقمة العيش(ص22) ليتحول بعد ذلك بفعل التلفيق والتزوير والظلم إلى قاتل إرهابي يقبع في سجون الاحتلال فيخسر مستقبله وأهله وحياته (ص135-169).

 

بشار المحمودي شاب ككل الشباب يحلم ببناء مستقبله، توفي والده إثر العمل في إسرائيل لدى شركة "شوستر"، إلا أنَّ الشركة لم تعوضه إلا القليل من المال؛ لتستمر قضيته بيد المحامي محمود السفطي (ص7،8) ولهذا السبب ولعدم حصوله على الإعفاء الجامعي الذي ينتظره اضطره الفقر لتأجيل جامعته والذهاب للعمل في إسرائيل، مما زاد حنق هذا الفقير هو صديقه إبراهيم التلاوي الشاب الثري سليل العائلة الثرية الأجوف الأخرق الذي لا يكترث للفقراء ولا للوطن مما يثير في حفيظة بشار الكثير من التساؤلات حول القانون الجائر الذي يسيّر العالم "تُرى أي قانون جائر يُسيّر هذا العالم؟" (ص11).

 

يبدأ بشار عمله مع مقاول عند يهودي يُدعى "نسيم جباي"، فيخصص لبشار غرفة لا تصلح للنوم الآدمي، مما يؤكد على امتهان اليهودي للعربي حتى وهو يخدم عنده "ولكنها لا تصلح للنوم الآدمي.. كل العرب الذين عملوا عندي قبلك ناموا فيها" (ص17).

 

ولم تتوقف إهانة العربي واستغلاله هنا، بل عندما استغل جار نسيم ضعف بشار بعد أن اكل برتقالة من بستانه ليهدده بـ "نوعام شالومي"، ذلك الصعلوك المجرم، أو بالشرطة أو بالعمل في حقله مقابل برتقالة أكلها لإسكات صراخ معدته الهائجة. وهذا الجائع العربي لم يفقد أخلاقه أبداً ولا أمانته ويتضح ذلك عندما وجد مخمسية حليمة السفطي مدفونة أثناء عمله في حقل نسيم جباي (ص23)، فيحاول الربط بينها وبين القرية المهجورة المطلة على حقل نسيم ليبذل مجهوده بعد ذلك في إعادتها لمالكتها في مخيم البريج (ص55) بعد أن وضحت سبب خروجها منها عندما هاجمت قوات الهاجناة قريتها الوادعة (ص57)، ولا يفوت الكاتب وصف المخيم (ص51).    

 

يوضح الكاتب في روايته أن قدرة الإنسان الفلسطيني على التحمل رهيبة؛ فبشار فلسطيني يعمل عند يهودي مغتِصب لأرضه ووطنه فيتحمل الذل والمهانة منه ومن زوجته "أنتم شرّ لابد منه" (ص30) والاحتقار من ابنته "لا أريد أن أرى عربًا في هذا البيت" (ص33)، ثم يسكن في مكان لا يصلح للآدمي إلا أنه يُقاوم ويصبر حتى استطاع كسب ثقة رب العمل وإحالة الغرفة إلى مكان صالح بطلائها وتجهيزها (ص28)، إلا أنَّ السؤال الذي يظل يحيّر العرب كما أشار الكاتب: ما سبب هذا الكره الذي يضمره اليهودي للعربي؟ (ص30)، والذي يظهر من خلال كره "دوريت" ابنة نسيم بشكل عدائي، فكرهت بشار من أول نظرة (ص25)، والسبب يتضح فيما بعد من خلال حديث نسيم عن وطنه الأصلي في بنغازي الساحلية في ليبيا (ص61)، وكيف أنَّ اليهود المتدينين المتشددين بذلوا جهدهم في نشر دسائسهم وكيف استأجروا مرتزقة محليين للتضيق على اليهود المدنيين وإخراجهم من وطنهم الأصلي وتحويل قريتهم إلى جحيم للهجرة إلى إسرائيل. ومن هنا أيضاً، فإنَّ الكاتب يشير إلى هم اليهودي الذي ترك أرضه ووطنه الأصلي الآمن والهادئ لينتقل إلى إسرائيل ليشاهد ويمارس الظلم والقتل مجبراً أحياناً وراغباً أحياناً أخرى وذلك يتضح من قصة نسيم مع يوسف جاره الفلسطيني والطاحونة (ص62)، فتظهر طيبة الفلسطيني وحسن خلقه عندما أهدى يوسف الطاحونة لنسيم جاره اليهودي.

 

سارة زوجة نسيم جباي يتغير موقفها من بشار بعد مساعدته زوجها وإنقاذه من الموت (ص33)، وأما ابنها دوف فإن علاقته مع بشار هادئة ويظهر ذلك من خلال لعب الشطرنج معه وتردده على غرفته مع صديقته (ص41)، ومن خلال هذه المواقف يكشف الكاتب الستار عن قضايا اجتماعية أخلاقية لدى اليهود؛ فسارة زوجة نسيم بمجرد أن مرض زوجها وضعفت قدرته في الفراش استبدلت بشار العربي به وأخذت تطارحه الغرام في غرفته لتعويض ما فاتها من زوجها (ص68-69)، ومن ثم تنتقل لممارسة ذلك في بيتها وعلى فراش زوجها (ص73)، ومن هنا أيضا يركز الكاتب على المشكلة التي تواجه الشباب الفلسطيني العامل في إسرائيل والتي تدفعه إلى أخطار ومنزلقات خطيرة لا يعلم بها إلا الله ويتم استغلاله على أكمل وجه. وأما دوف راح يتردد على غرفة بشار ويمارس الجنس وبكل فجور مع صديقته "كوخافا" ويدخنان الحشيش دون أدنى مراعاة لمشاعر بشار (ص41)، وكذلك يلعب معه لعبة الشطرنج التي كان لها تأويلات اخرى للحرب فدوف كان متيقظ للفوز في كل مرة على بشار مما جعل بشار يستاء ويدرك مغزى اللعبة وهو تسرع العرب وتهورهم وعدم تقديرهم لإمكانيات خصمهم كما حصل عامي 1948 و1967 مما أدى إلى الهزيمة التي يجب أن نعترف بها ونخطط للنصر من جديد (ص37)، وأما دوف كجندي يفضفض لبشار -بعد سكره- عن امتعاض الجنود الإسرائيليين من الذهاب للخدمة العسكرية وقتل الأطفال وترك عائلاتهم (ص39)، وأما بالنسبة لتأثير الهزيمة على الإسرائيلي فتبدو مغايرة لتأثيرها على الفلسطيني فهم لا يحتملون الهزيمة ولو على مستوى بسيط، ويتضح موقفهم هذا عند هزيمة مكابي فريق كرة القدم (ص43).

 

أما بالنسبة لمواقف الإسرائيليين من العرب؛ فتتفاوت من متشدد كاره ويتمنى لهم الموت كـ "دوريت" ابنة نسيم وحبيبها "شالوم ناعومي"، وبين من يحاول أن يكون إنسانيًّا كـ "دوف" ونسيم (ص46)، ويشير دوف إلى سبب الكره بعد أن سأله بشار "المشكلة أن الناس تعودوا على العامل الذي يضع يديه في التراب وحسب وأما أنت فيديك في التراب وعيناك في السماء" (ص51).

 

تبدأ العقدة تتأزم عندما اكتشفت دوريد علاقة والدتها ببشار أثناء مرورها من الحرش مع شالوم (ص78-79)، تحاول دوريت الانتقام من بشار باغتصابه فتأمره أن يتجرد من ملابسه ويمارس معها ما مارسه مع والدته ليفضي الأمر ببشار يدافع عن نفسه فتموت دوريت بين يديه ليقع بين تأنيب الضمير (ص90-93)، والحيرة فيما يفعله بجثتها؛ ليفضي به الأمر إلى إخفائها في كيس (ص85)، ودفنها داخل منطقة مطمورة بعيدة عن الأنظار ليبدأ التحقيق فيما بعد ويبدأ انتشار محققين متخفين في زي مدني مثال ذلك الأخصائية "مائير سافوري" ليوقعوا ببشار. ثم يتبع هذا الحدث موت شالوم على يد بشار أيضاً دفاعاً عن النفس بعد أن هاجمه شالوم بالجنزير وضربه على رأسه (ص129)، ومن هنا حاول بشار الهرب عبثا ليستقر في السجن (ص134)، على شكل إرهابي قاتل وليس مدافعا عن نفسه (ص143)، بفضل الإعلام الإسرائيلي صاحب القوة والسيطرة لقلب الحقائق (ص148). ومن هنا تبدأ حياته في السجن ووصف السجن وقسوته (ص147)، وكيف يحولهم إلى دمى متحركة. والحقيقة التي يفضي إليها السجناء وهي ضرورة إهمال عامل الزمن (ص141)، أو التحايل عليه ومن هنا يتطرق الكاتب إلى فلسفة الزمن الموضوعي والذاتي، الزمن الخاص والزمن العام (144).

 

يدعو الكاتب في نهاية روايته إلى اللجوء إلى سلاح القلم ويوضح مدى أهميته (148)، في مقاومة الظلم والعمل على إقناع الناس بعدالة قضيتنا وحقوقنا المضطهدة (ص150)، والأسباب التي تدفع الفلسطيني إلى بركان الموت الثائر.
(ص159) يهمل بشار عامل الزمن كحال أي سجين فلسطيني لينسى 30 عاما سيقضيها في السجن فيرمي ساعته في المرحاض "لقد آن الأوان لأرمي ساعتي في المرحاض".
الرواية من إصدارات ـوغاريت للثقافة والنشر، صدرت عام 2005 في 159 صفحة.