الحدث- تل أبيب
ترقد "م" على السرير، لا ترتدي شيئا سوى لباس داخلي رفيع، ملابسها الداخلية السوداء ملقاة بجانبها على الملاءات البيضاء الملتوية. أما نورا جونز، فتقوم بشيء آخر خلف الستار، إذ تضع ذراعيها على صدرها بصورة متقاطعة، وتنظر نحو الكاميرا.
"ارفعي رأسك إلى أعلى .. أكثر من ذلك"، هكذا تقول المصورة.
تبلغ "م" 33 عاما وهي أم لأربعة أطفال، وحصلت مؤخرا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهي أيضا يهودية أرثوذكسية تعيش في إسرائيل، ومن ثم تفضل أن تبقى هكذا مجهولة. لكن اليوم، تُذكر "م" نفسها بأنها امرأة جميلة أيضا.
وتدعو "م" نفسها إلى جلسة لالتقاط صور مثيرة يطلق عليها "تصوير بودوير" (Boudoir Shoot)، وهو نمط يسلط الضوء على المشاهد الحميمية والرومانسية، وعادة ما تكون للاستخدام الشخصي.
وتمضى "م" قائلة ويعلو وجهها الضحك: "زوجي يقول لي دوما إنني جميلة ورائعة ومثيرة، وأنا دائما ما أتجاهله وأسخر منه، بعبارات مثل: أعلم أنه يفترض أن تقول ذلك."
وتضيف: "لكنه في الحقيقة يقصد هذا المعنى، كما أنه يصعب علي رؤية ذلك في نفسي."
الشعور بالجمال
واستعدادا لالتقاط الصور، طلت "م" أظافر يديها وقدميها، وأزالت شعر بشرتها، وشذبت شعر رأسها، ووضعت مساحيق التجميل.
فقبل الجسلة، ناقشت هي ومصورتها الوضع الذي ستبدو عليه بدقة، مثل الوقوف بطريقة مثيرة، ووضع مساحيق على العينين (مكياج دخاني)، ورموش اصطناعية، وتصفيف شعرها الداكن على صورة موجات مرسلة.
وتأمل "م" في أن تغير التجربة الطريقة التي تنظر بها إلى نفسها.
وأضافت: "أريد أن أعود بذاكرتي وأفكر: لقد كنت أنا هذه المرأة. تلك المرأة الجميلة كانت أنا. فطوال الوقت أنا هذه المرأة (الجميلة)."
ومضت قائلة: "بدلا من التفكير في أنني هذا الشخص الذي لديه بقع حب الشباب في وجهه على الرغم من أنني في الثلاثينيات، أو في تلك الأشياء السلبية التي نظنها في أنفسنا، أريد أن أشعر فقط بذلك، فعلى سبيل المثال: أستطيع أن أقول إنني ذكية، ولدي مهارات عظيمة، وأم جيدة، وزوجة عظيمة، فأنا جميلة أيضا. أريد أن أشعر بأنني جميلة ومثيرة وواثقة من نفسي."
وتعتبر المصورة ريبيكا سيغالا، كذلك يهودية متدينة، انتقلت إلى إسرائيل منذ سبع سنوات قادمة من الولايات المتحدة.
وبعدما اكستبت خبرة تصوير حفلات الزفاف، قررت ريبيكا خوض تجربة "تصوير بودوير" بعدما استهلمت القرار من دورة تدريبية درّسها المصور الرائد سو برايس.
وتصور ريبيكا النساء في غرف نومهم أو في غرفة فندق، سواء أكن عرايا أو في ملابس مثيرة. وتتسم الصور بالإثارة والجاذبية، وتساعد ريبيكا عميلاتها على أن يصبحن على غرار عارضات أزياء موقع "فيكتوريا سيكرت".
"عزيمة القرار"
وينتمي نصف زبائن ريبيكا إلى شريحة السيدات المتدينات. فبعضهن يحتفل بأحداث مهمة في حياتهن، بينما هربت أخريات من علاقات فاشلة ويرغبن في استعادة ثقتهن في أنفسهن.
فالبعض، مثل "م"، لديهن علاقات معقدة مع أجسادهن، ويرغبن في الشعور بمزيد من الثقة. وتصور ريبيكا سيدات يعانين مشاكل في الخصوبة، وأخريات نجون من الإصابة بالسرطان، ممن شعرن بخيانة أجسادهن لهن.
وتقول ريبيكا: "كل النساء يشعرن بالحيوية والنشاط، ولديهن قصص مختلفة، لكننا جميعا نمتلك مثل هذه الصفات المشتركة القوية كوننا نساء، ونواجه العالم كنساء."
وأضافت: "تمكين (المرأة) مفهوم يختلف معناه لدى كل شخص. لكن ما أفعله هو منحهن العزيمة لاتخاذ قرار بأنفسهن في كيفية رؤية أجسادهن وجمالهن، بدلا من السقوط في شرك المجتمع وما تعلمناه بشأن ما هو جميل ومثير."
وتقول ريبيكا إنه عندما سلمت أولى الصور المثيرة التي التقطتها قالت العميلة إنها لا تصدق أن الصور الملتقطة هي صورها.
وتتابع: "هذا رد فعل شائع ... لكنها قالت لي إنها لم تشعر قط بأنها امرأة من قبل، وإنها كانت المرة الأولى على الإطلاق التي شعرت فيها بأنها واحدة (من أولئك الجميلات)."
وتضيف: "بكيت، ومنذ ذلك الحين، اقتربت من هذا النوع من التصوير بطريقة شاملة وعلاجية أيضا، لأنني رأيت مدى فعالية هذا التمكين بالنسبة للمرأة."
وتقول ريبيكا إن عملها في كثير من الأحيان يمنحها وسائل علاجية كما هو الحال بالنسبة لزبائنها، وإنها اكتشفت المعنى الروحي في تصوير النساء.
وعانت ريبيكا من صورة نشأتها الذاتية الخاصة، وهي تستعيد إلى ذاكرتها عبارة "خنزير يهودي ثمين" التي كانت تطلق عليها، واتباع نظام غذائي في محاولة يائسة للوصول إلى شكل مثالي.
وقد تكون التجربة أكثر تحررا إلى حد ما بالنسبة لزبوناتها المتدينات.
وتتابع ريبيكا أنها "تجربة خاصة للغاية لامرأة تبدو محافظة جدا في أن تتمكن من التعبير عن قدراتها الجنسية في جو خاص، وتشعر بالرضا عنها، وتعلم أنها تؤديها لغرض مقدس، فهذا شيء يساعدهن في الشعور بأنوثتهن."
ومع ذلك، لم يكن الجميع في مجتمعها الديني يبدي موافقة على نشاطها، واضطرت إلى مواجهة ردة فعل عنيفة، إذ انتقدت بسبب تصويرها جسد المرأة، وأكثر من ذلك بسبب نشرها علانية صورا مثيرة على صفحتها التجارية على فيسبوك.
وفي حين تقول ريبيكا إنها لا تنشر صورا إلا بعد موافقة زبوناتها، فإن الأمر عند بعض اليهود المتدينين أمر خادش للحياء وغير لائق.
وتقارن أعمال ريبيكا بالأعمال الإباحية، لكنها تصر على أنه بينما تُنتج الأعمال الإباحية بهدف المتعة الجنسية، فإن أعمالها تهدف إلى إثارة العواطف، وتحمل منظورا فنيا.
ومضت قائلة: "الناس مصدومون من أن امرة متدينة ستشارك في جلسة تصوير كهذه ... أحاول التوضيح أننا لا زلنا سيدات، ومتزوجات، ولدينا رغبة جنسية. نحن لا نقمع غرائزنا، ولسنا كما تعتقدون. إنه في الحقيقة أمر غريب عند كثير من الناس."
من هذا الشخص؟
وبعد انتهاء جلسة التصوير، تضع "م" ملابسها المثيرة في خزانتها، وترتدي ملابسها العادية، وهي غطاء للرأس، وتنورة بطول القدم، وقميص طويل الأكمام. فهذه التجربة لا تشكل لها أي صراع ديني، كما تقول، لأن الشخص الوحيد الذي سيرى الصور هو زوجها.
وعندما تسلمت الصور بعد بضعة أسابيع، تقول "م" إنها شعرت بالاندهاش الشديد.
وقالت: "كنت فقط أحدق فيها، وأفكر: ماذا! من هو هذا الشخص؟"
وأَضافت: "عادة ما نتحدث عن تمكين المرأة فيما يتعلق بطرق تحقيق كثير من المهام، وقدرتها على القيام بكل ما يقوم به الرجل، أما هذا فهو الجانب الآخر من تمكين المرأة الذي يُغفل في كثير من الأحيان. دعونا نشعر بأنوثتنا، ونكون نساء، ونشعر بالرضا عنها."