رغم أنّ حرّية التعبير تعدّ من المبادئ المكفولة في دساتير الجامعات الإسرائيلية، إلاّ أنّها لا تبدو سارية المفعول بالنسبة للطلبة العرب الحاملين للجنسية الإسرائيلية، والذين يواجه البعض منهم تهديدات بالعقوبات، جرّاء تنظيمهم مظاهرة مساندة للفلسطينيين، قالت عنها إدارة جامعة القدس إنها "غير مرخّصة".
وردّا على الاتّهامات الموجّهة إليهم من قبل عميد الجامعة "عودي شافيت"، والقائلة بأنّ المظاهرة التي نظّموها لم تكن مرخّصة، رغم أنّه لم يقع أبدا منع المجموعات الحاملة لأفكار صهيونية من تنظيم مسيراتهم بكل حرية، أرسلت مجموعة من الطلبة، في 12تشرين الأول من الشهر الجاري، رسالة ضمّت ردوداً حول مختلف النقاط المثارة من قبل "شافيت".
وفي تصريح له، قال "عمر" وهو طالب بالسنة الثانية بالجامعة ويدرس الموسيقى، وأحد الذين تلاحقهم تهديدات عميد الكلية، إنّ الأخير "قرّر، بصفة مفاجئة، تعقيد الأمور، حين باءت جميع الوسائل الأخرى لإسكاتنا بالفشل"، موضحاً أنّ
العميد "طلب منا إن كنّا تقدّمنا بطلب للحصول على إذن للتظاهر.. أنا أعرف أن المنظمين طلبوا ذلك في العديد من المرات ولم يحصلوا على ردّ، لأنّ المظاهرة كانت موجّهة ضد جيش الاحتلال الاسرائيلي".
المسيرة كانت قد انتظمت بتاريخ 10حزيران الماضي، كردّ على إيقاف 3 طلبة فلسطينيين من قبل الشرطة الإسرائيلية في الحرم الجامعي، في أعقاب مظاهرة سابقة جرت في 7 آيار الماضي، احتجاجاً على دعوة السلطات الإسرائيلية المسيحيين الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية إلى أداء خدمتهم العسكرية بشكل تطوّعي.
من جهتها، اعتبرت "هالة مرشد" طالبة آداب انجليزية تنتمي إلى لائحة الـ 12 طالباً فلسطينيا الذين يستهدفهم عميد الكلية، أنّ صمت العميد طيلة 4 أشهر، يعتبر أمراً "مريبا"، خصوصاً وأنّ تلويحه بإنزال العقوبات بالطلبة المعنيين جاء متزامناً مع قرب استئناف الدراسة الجامعية في الـ26 من الشهر الجاري.
وأضافت قائلة: "ليس من السهل أن يكون لك رأي مخالف في إسرائيل، حتى لدى الإسرائيليين أنفسهم، فكلّ من يرفع صوته يتم إستبعاده أو يعرض نفسه للعنف".
ردّ عميد الكلية ما يزال قيد الانتظار، ومن المتوقّع أن يتمّ الإعلان عنه في غضون أسبوع أو اثنين، أي عقب انقضاء إجازة "عيد سوكوت" أو (عيد المظال) في إسرائيل. وفي حال لم تفلح جملة الحجج التي قدّمها هؤلاء الطلبة، في إقناع العميد بوجهة نظرهم، فإنّه من المنتظر أن يحالوا إلى "مجلس الطاعة" او التأديب، وهو عبارة عن هيكل جامعي داخلي يعنى بإنزال العقوبات التأديبية على الطلبة.
وفي اتّصال أجرته مراسلة الأناضول مع إدارة الجامعة، للاستفسار حول الموضوع والحصول على معلومات إضافية بشأنه، اكتفت الأخيرة بالردّ قائلة بأنّ "سياسة الجامعة لا تسمح بالتعليق على المسائل التأديبية".
وتواصل "هالة" : "يطلبون منا الاستظهار ببطاقة طالب ويجلبون الأمن إلى الجامعة مع كل مظاهرة، لكنّهم يمتنعون عن القيام بهذه الإجراءات عند تنظيم حركة إيم تيرتزو الصهيونية لأيّ مسيرة داخل الحرم الجامعي".
الإشكال الذي يغرق فيه الطلبة العرب الحاملين للجنسية الإسرائيلية مع جامعتهم، يكمن في ذلك التناقض أو التمييز الذي يتّسم به تطبيق المواثيق العليا للجامعة. فهذه الأخيرة تجيز التظاهر في الحرم الجامعي، وتدعوا إلى احترام وقبول جميع أراء ومواقف الطلبة.. ولكن – وفي الوقت نفسه- يفرض هذا الميثاق نفسه "تضييقات شديدة على جميع الأنشطة التي لا تنظّمها النقابة الوطنية للطلبة الإسرائيليين، وهي منظمة صهيونية"، بحسب مجلة "الكترونيك انتفاضة" على الانترنت.
الطالبان "عمر" و"هالة" يتوقّعان، خلال الأيام المقبلة، تصعيداً في التوتّر بين الطلبة الإسرائيليين والفلسطينيين، على خلفية العدوان الاسرائيلي الأخير على غزة. فالجامعة العبرية أظهرت دعمها للجنود الذين شاركوا في الحرب على غزة بشكل سافر، حتى أنّها أنشأت، في 6 آب الماضي، صندوق تضامن للطلبة الذين عملوا بالجيش في الصيف الماضي، والذين يعدّون أكثر من ألف طالب، بحسب البيانات التي نشرتها الجامعة على موقعها الرسمي على الأنترنت.
وعقّبت "هالة" قائلة "سنقوم بتنظيم مظاهرة احتجاجاً على ذلك".
وفي الوقت الذي يساند فيه بشكل غير رسمي عدد من الأساتذة الإسرائيليين الطلبة العرب منظّمي المسيرة، فإن "هالة" اتّهمت مسؤولي الجامعة بتبنّي سياسة المكيالين في التعامل بين الطلبة الفلسطينيين والطلبة الإسرائيليين، مشيرة إلى التمييز في المعاملة بينهما، حيث أنّ "العديد من الأساتذة يتصفون بالعنصرية ويطلقون تصريحات في هذا الاتجاه حتى خلال تقديم الدروس، حيث يتم الاكتفاء بتقديم الإشارات التوضيحية للدروس بالانجليزية والعبرية والروسية" وليس بالعربية.
وتمضي الطالبة في استعراض مظاهر التمييز الذي يتعرض له الطلبة الفلسطينيون في الكلية، قائلة "ليس هنالك اختلاط، هناك هوة سحيقة بين الطلبة.. هوّة سياسية واجتماعية واقتصادية.. نحن أصغر سناً من الإسرائيليين بما أنّهم يدخلون الجامعة بعد أدائهم الخدمة العسكرية (عامين للنساء و3 سنوات للرجال)، فيما ندخل نحن الجامعة انطلاقاً من سن الـ 18، وهذا هو أوّل مكان نلتقي فيه باليهود (التعليم الإسرائيلي لا يسمح بالاختلاط قبل هذه المرحلة).. إنّها صدمة".
أمّا عمر، فقد اكتفى بإضافة أنّه "سيكون من الصعب التواصل أو الجلوس بجانب طلبة شاركوا في هذا العدوان (على غزة)، ومن المحتمل أن يكونوا قتلوا فلسطينيين"، مؤكّداً أنّه يجهل ما ستكون عليه النتائج المتمخّضة عن "مجلس التاديب"، قائلاً "حتى وإن كنت أعشق دراستي، إلاّ أنّ السياسة قد تحتلّ، في بعض الأحيان، المرتبة الأولى.. وأعتقد أنّ ما أقوم به أمر صائب".