الأحد  05 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خطوة إيجابية، ولكن.... بقلم: نور عودة

وعلامة رفعه الفكرة

2017-04-04 12:04:37 AM
خطوة إيجابية، ولكن.... 
بقلم: نور عودة
نور عودة

قبل أسبوع، سجّل الفلسطينيون سابقةً في درب مفهوم المواطنة، لكنها مرت على استحياء بين دروب الإحباط والتشكيك والوجع الذي يزرع نفسه في قلوبنا دونما استئذان على كل منعطف يقف فيه جندي احتلال يمارس ساديته على لحمنا ودمنا وأمام كاميرات العالم التي لا ترى من أعماله سوى ما يدعيه هو من بطولات.

 

وبالعودة إلى السابقة، فقد أقرت الحكومة التوصيات التي تضمنها تقرير أعدته لجنة تحقيق مستقلة ونزيهة في أحداث مجمع المحاكم وبيت لحم؛ أحداثٌ غرست خنجر الإحباط أكثر في وعينا الجمعي وشطرت ألمنا إلى ألمين متخاصمين، يلوم كل واحد منهما الآخر على ما وصلنا إليه. التوصيات شملت الكثير من الجوانب المهمة والمرتبطة بشكل مباشر في مفهوم المواطنة والعقد الاجتماعي الذي يربط المواطن بمنظومته السياسية، حتى وإن كانت كما هي في حالتنا، منظومة تعيش وإيانا تحت الاحتلال. والحق أن الحكومة انتصرت لنفسها أولاً بتبني التوصيات التي احتوت على إقرار بأخطاء في الأداء والتقدير في الأجهزة الأمنية والقضائية والإعلام الرسمي وأقرت في خطواتها هذه بوجود مجتمع حي سبق بوعيه وتقييمه من كان من المفترض أن يعكس إرادته ومفهومه للمواطنة والحريات والعدالة.

 

لقد كشفت أحداث مجمع المحاكم أن المجتمع الفلسطيني لا يمكن ترويضه بالعصا، فهو الثائر منذ مئة عام على الظلم والقمع بكل أشكاله وألوانه، وهو الواعي لظروفه الاستثنائية التي يتربص بها القريبون والبعيدون من أخوة وأعداء على حد سواء. هذا المجتمع الذي كان على الدوام سباقاً في العطاء والنضال والتضحية والحكمة السياسية الجمعية حتى في أحلك الظروف، يريد نظاماً سياسياً يليق به؛ نظاماً يخدم مسيرته نحو الحرية من المحتل بأن يحترم هذه القيمة، ويقدسها حتى ينسجم مع نفسه ومجتمعه. ويبقى الامتحان للحكومة والمجتمع في تطبيق القرارات واعتبارها نقطة تحول لا عودة للوراء من بعدها.

 

مساحة الحرية في أي مجتمع ليست قدراً، وهي لا تأتي بمقاسات محددة مسبقاً، بل تتسع وتتقلص حسب درجة الاشتباك الإيجابي بين مكونات المجتمع الأساسية،وغلبة إرادة الحرية على إغراء التحكم والقوة. ومعركة الحفاظ على مساحة الحرية، معركةٌ مستمرة وصعبة. وفي حالتنا الفلسطينية، هي معركة من جبهتين متساويتين في الأهمية.

 

معركتنا مع الاحتلال طويلة وممتدة ومستمرة، وهي في امتدادها ترسيخٌ لطبيعة الحياة التي لا تقبل الحواجز ولا تعترف بقوة لا تُهزم، فتشق بقطرات الماء طريقاً لها في أحشاء الصخر، ساخرةً من قوته وناكرةً لصلابته. أما معركتنا الداخلية، فهي معركة مؤلمةٌلأنهاتهشم أركان مجتمعنا وتجرفنا إلى أتون الإحباط والشعور بالعجز كلما راوحت في مربع التعريف والتكوين بدلاً من أن تتقدم نحو البناء.

 

معركتنا الداخلية هذه ترسخ فينا انفصاماً أقرب للجنون. فكيف لشعبٍ يثور ضد القمع والظلم والقهر، أن يناضل داخل مجتمعه ضد القمع وتعذيب الأخ لأخيه أيضا،ً بينما نطالب العالم أن يتضامن معنا ضد المحتل الذي يعذبنا ونلعن المنافقين في هذا العالم الأعمى حين يغضون الطرف عن عذاباتنا؟! عار أن يكون جزء من نضالنا المطالبة بوقف التعذيب في سجوننا ومن أبنائنا ضد أبنائنا الآخرين. عار أن نراوح في مربع الجدل حول الضرورات التي تبيح الموبقات، بينما نحاكم العالم على ازدواجيته وقبوله بضرورات قمعنا تحت عناوين شتى يطرحها المحتل ويقبلها المنافقون والجبناء.

 

دربنا نحو الحرية طويل، لكننا ونحن نحمل صليب وجعنا من ظلم عالمي تاريخي، لا يجب أن نُثقِل حملنا بظلمنا لأنفسنا وارتكاب ما نحارب من ظلمٍ على أنفسنا. أسرانا يحضرون أنفسهم لخوض إضراب عن الطعام احتجاجاً على الظلم والتعذيب وعشوائية فصول القهر. بأي وجه سنقابلهم ونحن نسجل شهادات أبنائنا في سجوننا، وهم يروون ألوان أوجاعهم من التعذيب والإهانة على يد إخوتهم؟ بأي منطق سنطالب العالم بأن يناضل معنا وألا يقبل الاستثناءات في عالمية حقوق الإنسان، ونحن نجد من يسرد التبريرات لاستثناءات يريد لنا أن نقبلها لأنها صناعة محلية؟!

 

في الأسبوع الماضي، بكينا الشهيدة أم الشهيد ووارينا طفلاً الثرى لم تكتمل أحلامه بعد، فسلمها لقلب أمه الثكلى وارتقى شهيداً للوجع المستمر. في الأثناء، وقفنا نحن نعد الرايات ونلعن الألوان ونصدر البيانات عن الأرض التي نبجلها في يومها، ونلعن حياتنا فيها لأننا في عجزنا وإحباطنا نجعل منها عنواناً لوجعنا بدلاًمن أن تكون وجهتنا للشفاء. فلسطين صارت منبعاً لوجع العاجزين بعد أن كانت نبعاً لأمل الحالمين.

 

يقول محمود درويش في مديح الظل العالي: "لحمي على الحيطان لحمك يا ابن أمي"! خففوا حمل صليبنا فدربنا نحو الخلاص طويل. بادروا لبناء السابقة تلو الأخرى ولا تنتظروا أحداثاً وأوجاعاً جديدة. لا تنشغلوا بتهنئة أنفسكم على خطوة إيجابية فتتجاهلون ما تبقى من عمل ملحّ. اختصروا على مشاعل الحرية معركة ولملموا لحمنا الذي ينهشه الاحتلال، قدسوه؛ فهو كل ما تبقى.