الجمعة  16 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث"| الأسرى والشهداء.. جرح الأمهات الغائر في موائد الإفطار الرمضانية

2017-06-12 12:33:25 PM
خاص
تامر الزعانين أسير يغيب عن مائدة الإفطار في رمضان (الحدث)

 

غزة- محاسن أُصرف

بمشاعر أوهنت نبضات الفرح في قلبها جلست "هناء الزعانين" 30 عامًا من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، على مائدة إفطار أول أيام رمضان، تُغالب دموعها حينًا وتزيغ بالبصر عن الفراغ الذي يتخلل مكان زوجها الأسير "تامر"، فهي لا تُريد أن تُشعر أحدًا بافتقادها له لا والدته ولا ابنها "الحسن" الذي لم يره إلا صورًة في إطارٍ كبير مُجّمْل بكلمة "الأسير المجاهد تامر الزعانين".

 

وإن تُخفي الأمهات والزوجات والبنات مشاعر الفقد التي تنتاب قلوبهن بدخول مواسم الأعياد والمناسبات الدينية وخاصة رمضان، تفضحهن عيونهن الغارقة في حمرة الحزن ودمع الشوق الكثيف، وكذلك تزيينهن لصور من غادروهم قسرًا بفعل السجن أو أبدًا بفعل الشهادة، فما إن يهل موسم حتى يُخرجن صورهم من الغرف المعتمة ليُعلقوها في صدر البيت فقط لمجرد الشعور النفسي بأنّه بينهم، غير أن مكانه يبقى فارغًا.

 

تقول لـ "الحدث": "الزعانين": إنها تنتظر بشغفٍ كبير أن يخرج زوجها من الأسر بعد انقضاء حكمه العام القادم لتعيش معه أجواء الشهر التي افتقدته فيها منذ 11 عامًا مدة اعتقاله".

 

وكان زوجها الأسير تامر الزعانين من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة اعتقل منذ العام 2006 وحُكم عليه بالسجن 12 عامًا قضى جُلها وينتظر أن يُعانق الحرية وطفله الصغير "الحسن" ذو الثلاث سنوات والذي نجح في تهريبه كـ نُطفة إلى زوجته في غزة، تؤكد السيدة أنها زيّنت صورة زوجها "تامر" بزينة شهر رمضان من أجل "حسن"، تُريد أن تُبقي صورة أبيه حاضرة في ذهنه وكذلك أمام ناظريه حتى إذا ما تحرر لا يخشاه أو يهرب منه، وتُضيف: "الحسن لا يعرف أبيه إلا عبر الصورة".

 

ولا يعترف الاحتلال الإسرائيلي بأبناء الأسرى الذين يُولدوا عبر النُطف المهربة ولا تسمح لهم بزيارتهم داخل الأسر أبدًا، وتُشير هناء أنها بعد ولادة "الحسن" بشهرين وتحديدًا في 3 مارس 2014 زات زوجها في أسر دون رضيعها فقط حملت له خمس صور فوتوغرافية لتُري وجهه لأبيه.

 

أما والدة الأسير تامر، فتؤكد لنا أنها منذ 11 عامًا فترة اعتقال ابنها تعض على جرحها بانتظار أن يُلوح لها "تامر" حرًا طليقًا، تقول لنا: " إن أصعب لحظة تمر عليها مع أول سحور لرمضان فتامر من كان يُوقظها ويقبل يدها ورأسها وأحيانًا يُطعمها بيده"، اليوم لا تسمع إلا صدى صوته ولا تجد مكانه على مائدة الإفطار إلا شاغرًا، ما يزيد وجع قلبها حفيدها حسن الذي يكبر ولا يعرف عن أبيه إلا صورة.

 

بهجة الشهر المفقودة

ولا تبدو "هناء" وحيدة في هذا الحال بل يُشاركها قرابة 7 آلاف عائلة لأسرى في سجون الاحتلال، وهي إن طال غياب الأسير فحتمًا سيعود يومًا محررًا بعد انقضاء مدة أسره أو بصفقة تحرير، لكن الحال لدى عوائل الشهداء يبدو الأصعب فالشهيد ابنًا أو أخًا أو زوجًا أو أبًا لن يعود ومحكومٌ على عائلته أبدًا بوجع افتقاده في كل مناسبة، كما تقول والدة الشهيد عبد الله كوارع، وتُضيف لـ "الحدث" أن افتقادها لابنها عبد الله على مائدة الإفطار يُفقدها شهيتها ويكوي قلبها بوجع لا تستريح منه إلا بالدعاء له.

 

لقد حضرت هذه الأم في أول أيام الشهر كل أصناف الطعام التي يُحبها وشراب الخروب كذلك، كما أنها وضعت له طبقًا وكاسًا فارغين على المائدة، خُيل لها أنّه ما زال حيًا وأنه سيطرق بابها قُبيل المغرب حاملًا بيده صحن من الحمص أو بعض حلويات القطايف، ينفطر قلبها بالدموع قائلة: رغم مرور ثلاث سنوات على استشهاده إلا أني ما زلت أنتظر عودته لكنه لا يعود.

 

عبد الله الذي استشهد في قصف همجي على منطقة آل كوارع في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة لم يكن الابن الوحيد ولا الأول لأمه وأبيه بل احتل الترتيب الرابع لكنه كان الأقرب، فلم يكن يضع لقمة في جوفه قبل أن يطمئن أن والديه أكلا ما يشتهيان، تذكر والدته كيف كان يُعينها في تدبير أمور المنزل جميعها، تبكي وتُقر بشعورها بالوحدة الموحشة بعد استشهاده ليس في رمضان وحسب وإنما في سائر الأيام.

 

 

وجع الفقر والشهادة معًا

والحال يختلف لدى والدة الشهيد خالد أبو شحادة من بلدة المصدر وسط قطاع غزة، فهي لم تفقد ابنها شهيدًا فقط وإنما فقدت الحق المالي الخاص به لتُعيل أسرتها المكونة من 10 أفراد إضافة إلى زوجها الذي يُعاني من مرض نفسي، عن أجواء رمضان في بيتها تُحدثنا بكثيرٍ من الوجع فمن كان سندها ومُعيلها رحل وتركها خاوية الوفاض، تقول: "كان خالد بهجة رمضان، يعمل طول ساعات الصوم وتحت أشعة الشمس الحارقة في بيع الخضار الرمضانية كي يأتي ببعض المال يسد به رمق أخوته ويوفر دواء لوالده"، تؤكد أن افتقادها له لا ينتهي وكلما وضعت مائدة رمضان استذكرت تفاصيل وجهه يبتسم قبالتها فلا تملك أن تضع لقمة في جوفها وتنهمر بالبكاء، وتُضيف أن المعاناة الأكبر لديها تكمن في أوضاعها الاقتصادية السيئة إضافة إلى عدم صرف السلطة رواتب شهداء 2014 مطالبة الجميع بالعمل على تخليصهم من معاناتهم.

 

ولا تختلف عنها أم نور عودة التي قضى ابنها شهيدًا في عام 2008، تؤكد أنه رغم مرور سبع سنوات على استشهاد ابنها إلا أنها ما زالت تفتقده على مائدة إفطارها الرمضانية، وتقول لنا: "إن جرحي يُفتق في كل موسم ديني ولمة عائلية لا أرى فيها وجه ابني" وتُضيف أن ما يُؤلمها أكثر ويوجع قلبها حالة الصلف التي يُعامل بها أهالي الشهداء من قطاع غزة من قبل السلطة الفلسطينية تارًة بقطع رواتب أبنائهم الشهداء وتارة بعمد اعتمادهم على قائمة الشهداء بذريعة بالانقسام.

 

تُقر هذه المرأة أن قطع السلطة الفلسطينية لراتب ابنها الشهيد، أفقدها المصدر الوحيد الذي كانت تعتاش منه وتوفر متطلباتها وزوجها المريض، وتُشير أنها لا تملك من إلا أن تنتظر من يطرق بابها في شهر رمضان ليمنحها كوبون غذائي أو بضعة شواكل تؤمن بها احتياجاتها.

 

ويشعر أهالي الشهداء والأسرى في قطاع غزة بثقل الأعباء المادية والنفسية عليهم في ظل غياب مُعيلهم الذين كانوا يتولوا رعايتهم وتلبية احتياجاتهم، وبينما تُحاول عوائل الشهداء أن تعتاد على غيابهم في كل لحظات الفرح، تُصر عوائل الأسرى على الأمل بلقائهم أحرارًا ومشاركتهم موائد إفطار رمضانية كثيرة قادمة، مُطالبين المقاومة الفلسطينية بصفقة وفاء أحرار جديدة تُعيد البسمة إلى وجوههم.