الحدث- علاء صبيحات
ربما كانت للمقاهي في بعض القرى والبلدات والمدن الفلسطينية سمعة سيئة، لكنها في أماكن أخرى لها شعبية واسعة وجزء هام لأي يوم روتيني، بل وتطورت في بلدات أخرى لتصبح مكان عقد الصفقات التجارية الكبرى.
ففي بلدة قباطية مثلاً التي يبلغ عدد سكانها كما يقول رئيس قسم الصحة في بلدية قباطة أحمد كميل 30.000 مواطن، لا يوجد ما يعيب مقاهيها سوى اعتداء البعض منها على الشارع الرئيسي.
يؤكّد كميل أن للمقاهي في قباطية سمعة طيبة، حتى أن الضيف الذي يحل على مقاهيها يُدفع عنه الحساب دون أن يعلم من دفعه، حتى لو كان جالساً وحده، كذلك فصفقات تجارية كبيرة تُعقد في المقهى.
لا أزور أخي
"أنا لا أزور أخي في بيته إلا في المناسبات" هكذا قال كميل، فأخاه غالبا في المقهى، والوضع الروتيني لأي يوم عادي هو أن يرى أخاه هناك، فالزيارات الإجتماعية في قباطية كما يوضح كميل لا تكون إلا في المناسبات "كالمرض، والأعياد، وزيارة رمضان مثلا" أما في الأيام العادية فالكل يكون جالساً في المقهى.
إذا بحثت عن أي شخص من بلدة قباطية فستجده إما في عمله أو في المقهى التي اعتاد الجلوس فيها، مع زملائه في العمل عادة أو مع أصداقاء طفولته هكذا يصف كميل المقهى.
ويضيف كميل إن مقاهي البلدة التي يبلغ عددها 7 مقاهي على الشارع الرئيسي وسط البلدة البلدة، هي إرث بدأ منذ خمسينات القرن الماضي، حتى أن أغلبها لا زالت قائمة منذ تلك الفترة.
لا يختلف إطلاقاً ما تقدمه المقهى قبل حلول رمضان عن الأيام العادية كما يقول كميل، لكن ما يختلف أن السهر فيها يستمر حتى ساعات الفجر، وكذلك يكون عرض المسلسلات الرمضانية أولى من عرض المباريات في "دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني".
دمشق
أما في مقهى دمشق الأشهر في مدينة جنين يقول مالكه غسان السعدي إن الوضع لا يختلف كثيراً في رمضان عن غيره من حيث ما تقدمه المقهى، فالأرجيلة والمشروبات الباردة أولوية كأي يوم، والزبون هو ذاته في رمضان وغيره، إلا أن الزبائن يتأخرون لحدود الساعة الثالثة فجرا، بالإضافة لتقديم الطعام والحلويات.
وعرض المسلسلات في المقهى يتحدد بمسلسل "باب الحارة" السوري كما يقول السعدي، إذ انه يريد أن يحافظ على طابع المقعى الدمشقي.
عادة الناس في رمضان الخروج من المنزل، ولذلك قام السعدي بافتتاح قسم للعائلات حتى يستقطبهم في رمضان على حد قوله، وهذا ما يستدعي مجهوداً أكبرمن المعتاد.
رام الله
ريم أبو اللبن كثيرة الزيارات للمقاهي في مدينة رام الله تشتكي من ارتفاع الأسعار خلال رمضان في المقاهي، وتقول: "الأسعار ترتفع بدون سبب واضح"، لأن الطلب يزيد عليها في رمضان، والخدمات تزداد.
بنظرها الجو الرمضاني في رام الله يختلف عن الأيام العادية كالزينة الخاصة برمضان مثلاً، وشاشات العرض للمسلسلات، والفعاليات الرمضانية التي تشمل توزيع الجوائز بطريقة لإحدى الشركات، بالإضافة للأمسيات الرمضانية، والإفطارات الجماعية والسحور الجماعي تكون بشكل يومي في غالبية المقاهي والمطاعم.
يكون على "قائمة طعام" أي مقهى بالإضافة لما يبيعه في الأيام العادية، عصائر الخروب والتمر الهندي والحلويات.
ويكون بائع العصائر مرتديا لباس سوري يتكون من "طربوش" أحمر، و"ِجبّة" قصيرة الكمين و"شروال" يرتديه خلال بيعه العصائر في أي مقهى كما تقول أبو اللبن.
نابلس
يرى أمير صبيحات الذي كان طالباً في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، أن المقاهي فيها ذات طابع مميز منها الشعبية التي تقدّم التمباك والقهوة فقط، والأخرى العصرية أو شبه العصرية التي تقدم الأرجيلة والعصائر والمشروبات الساخنة والباردة، بالإضافة للطعام.
في رمضان تنتعش محلّات العصائر الطازجة التي تبيع الخروب والتمر الهندي والعرق سوس، هذه هي العصائر الأساسية في رمضان كما يقول أمير، وهي تلقى شعبية واسعة على حساب المقاهي.
لكن الأجواء الرمضانية في المقاهي لها طعم خاص، تلمسه في رمضان كعرض المسلسلات الرمضانية والأمسيات الرمضانية، والإفطارات والبوفيهات، والمسابقات والجوائز.
الحلويات في نابلس هي الأشهى بحسب أمير "فالمدلوئة" مثلا هي من سحر نابلس الخاص، والكنافة النابلسية خلقت لمصانع نابلس كما يقول، لذلك فالمقاهي غالبا تخلوا منها وتكتظ محال الحلو بها.
أما عن الوقت الذي يسكن به روّاد المقاهي إليها فإنه يستمر حتى ساعات الفجر، لينعشوا أجسادهم بما طاب من المشاريب والعصائر والأراجيل والتمباك.
في نابلس ترى الزحام ليلاً خلال رمضان، فالشوارع عامرة والأسواق مكتظة والمقاهي زاخرة، وأصوات التلفاز غالبا في كل نابلس موحّة على مسلسل واحد، فلنابلس مزاج جماعي موحّد في مشروباتهم وعاداتهم ومسلسلاتهم وآرائهم وانتمائهم.
كثير الجلوس
فيصل الأحمد يصف نفسه بكثير الجلوس في المقاهي، لكنه لا يرتاح كثيراً في رمضان لما يصفه "بالإزدحام"، فالشارع بنظره أكثر مجالا لتوسيع الصدر، والشعور ببهجة الصيف، الأرجيلة لها طعمها الخاص في رمضان لكنها أجمل في المنزل في فسحة من الهدوء وراحة الأذن فلا يحب أبداً الإزعاج خلال طقوس الإفطار على حد قوله.
المقهى "للهمل"
يرى محمد صالح الذي كان يسكن إحدى القرى في الضفة الغربية قبل أن ينتقل للسكن في مدينة أم الفحم في الداخل المحتل أن المقاهي في الغالب لا تفيد الجالس عليها، فهي غالباً تشجع الجيل الشاب على العادات الضارة كالأرجيلة والسجائر وكثرة الحيدث الفارغ وتمضية الوقت بلا أشياء مفيدة، ولا يمكن أن تعتبر المقهى بديلاً للمنزل إذ أنها تضعف العلاقات الأسرية وحتى العلاات الإجتماعية.